وإلى أن تصطلح سلطة رام الله مع حماس!..

فهل نترك أهل غزة يموتون جوعا؟

الطاهر إبراهيم *

إنك لن تجد حجة أضعف ولا أوهى من حجج بعض رموز الحكم في مصر عندما يجادلون عن موقفهم الغريب والمدان في إغلاقهم معبر رفح في وجه الفلسطينيين أو في بناء الجدار الفولاذي ليقطعوا الطريق على حفر الأنفاق التي أصبحت ضرورة حيوية لاستمرار تدفق حاجاتهم الضرورية بعد إغلاق جميع المعابر –إسرائيليا ومصريا- في وجوههم.

على سبيل المثال لا الحصر، لوأنك سألت أحد رموز النظام المصري: لماذا تنشئون الجدار الفولاذي بين غزة ومصر؟ فإنه يجيبك: نريد أن نوقف التهريب. وإذا قلت له: إذن لماذا لا تفتحون معبر صلاح الدين ليتم مرور ما يحتاجه أهل غزة من أغذية وأدوية وكل متطلبات الحياة، على الأقل الضروريات منها؟ وستجد جوابهم حاضرا: فتح معبر رفح مرهون بأن تصطلح حماس والسلطة الفلسطينية. وإذا كنت أكثر إلحاحا وسألت: وإذا فشلت المصالحة بين حماس وسلطة رام الله ماذا سيكون مصير مليون ونصف المليون من أهالي القطاع المحصورين بين أربع جدران هل نتركهم يموتون جوعا؟ عندها يسقط في أيديهم، وستجد بعضهم يجادل بالباطل، ويقول لك: الحق على "الطليان" أي على أهل غزة.

هناك قضية تتمسك بها حكومة مصر، وترفضها حركة حماس. ومعظم الحكومات العربية الأخرى تقف ساكتة عن إبداء رأيها وممارسة واجبها في حلها، وهي اعتبار سلطة رام الله هي صاحبة الشرعية، وأن حكومة "إسماعيل هنية" في غزة لا شرعية لها. مع أن العكس هو الصحيح بعد أن انتهت ولاية "أبو مازن" في شهر كانون ثاني 2009. وكان المفترض أن يستلم السلطة "عزيز دويك" رئيس المجلس التشريعي، الذي مازالت ولايته مستمرة حتى نهاية كانون ثاني 2010، لأن أكثرية المجلس  التشريعي مؤيدة لحكومة "هنية". وعلى كل حال فقد تجاوز الظرف الفلسطيني الحالي هذه الإشكالية، لأن ما هو أهم وأخطر يقرع الآن أبواب الحكومات العربية بعنف.

الذين يظنون أن الأمور ستستمر على ما كانت عليه قبل البدء بإنشاء الجدار الفولاذي في غزة مخطئون. فمصر جادة في موضوع إنشاء الجدار، يستحثها في ذلك أمران. فواشنطن أقرت به كثمن لقبول إسرائيل وقف الحرب على غزة في كانون ثاني من العام الماضي. أما الأمر الثاني فقد شعرت مصر أن "حماس" ترفض ما أقرته مصر كورقة للصلح وقعتها فتح واستنكفت حماس عن توقيعها. لذلك فهي تشعر أنها إن لم تحزم أمرها وتعيد حماس إلى المربع الأول فتوقع الورقة المصرية كما وقعتها فتح فستتعرض هيبة مصر الإقليمية للخدش –هكذا يحسبها رموز النظام في مصر- وهو ما لا تقبله مصر حتى لو بقيت حماس تعزف ليل نهار على أنها لا يمكن أن تتجاوز دور مصر. أما حماس فتعتبر أن إكمال بناء الجدار سيضع غزة في مواجهة حالة من الموت البطيء. تعالوا نتصور ما ستكون عليه الأمور عندما يتم إنجاز بناء الجدار، حيث تصبح غزة مقطوعة عن العالم الخارجي بعد أن يكتمل الحصار عليها من جميع الجهات. أما الأنفاق فقد تم إغلاقها أو تدميرها.

أصبح باب المناورة أمام حماس شبه مغلق إلا أن تقبل بما تفرضه ورقة مصر التي أضيف لها، من دون علم حماس، بنود لم ترد في المسودات التي وقعتها الفصائل في القاهرة -بمن فيها فتح وحماس- تؤدي إلى هيمنة أجهزة أمن السلطة، ليس في الضفة الغربية فحسب، بل وفي غزة أيضا. فإن قبلت حماس بالورقة على وضعها الحالي تكون قد أسلمت نفسها إلى ميليشيات "محمد دحلان" في غزة، وإلى أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية التي دربها الجنرال "دايتون" الذي صرح يوما ما في مقابلة نادرة مع صحيفة إسرائيلية: "ندرب قوات عبّاس على عدم القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي".

أما الاحتمال الآخر أمام حماس فهو الصمود في غزة في وجه الحصار الذي تحاول حكومة مصر تطبيقه عليها. المراقبون الذين لا يعرفون منهج حماس، وسياسة النفس الطويل الذي تمتص بها الضغوط، يصفون الصمود تحت الحصار أنه نوع من الانتحار الجماعي. الذين يفهمون الخلفية المنهجية والثقافية لهذه الحركة، يؤكدون أن هذا الخيار ليس أسوأ من الخيار الأول. بعض المطلعين يؤكدون وجود "خريطة طريق" يعتقد أنها رسمت منذ اليوم الأول الذي تقرر فيه إنشاء الجدار الفولاذي. فما هي خريطة الطريق هذه؟ (الذين رسموا خريطة الطريق ربما لم يطلعوا عليها النظام المصري. لأن مآل هذه الخريطة سيضر ضررا بالغا بمصر التي لا تستطيع إيقاف خريطة الطريق أو إلغاءها بعد البدء بتنفيذ هذه الخريطة).

حركة حماس لن تسكت على حبس سكان غزة داخل حدودها وستعمل على مقاومة الخطة. وبما أن الناس في غزة قد اعتلوا حائط الحدود الفاصل بين غزة ومصر ونجحوا في هدمه، قبل عامين وجلبوا بضائع كثيرة من مصر، فلا شك أنهم الآن أشد حماسا منهم قبل عامين، خصوصا بعد أن يتسبب الجدار الفولاذي بإغلاق الأنفاق، فلا بد أن أهل غزة يفكرون بتكرار التجربة، فيعتلون الحائط مرة ثانية من جديد.

الإسرائيلي الذي صمم الخريطة –السرية- وضع في حسبانه أن مصر لن تسكت إذا اجتياح الفلسطينيون حائط الحدود، وقد تكون أخذت أهبتها لذلك ووضعت جنودا ومعهم الهراوات وراء الجدار من جهة مصر. فإذا فشل خط الدفاع هذا في صد موجات المهاجمين، فهناك خطا آخر مسلح خلفه جاهز لإطلاق النار في الهواء لإرهاب الذين يعبرون الحدود. ودائما حسب مصمم الخريطة ، فإن الفلسطينيين الذين يتدفقون عبر الجدار سيكون بعضهم مسلحا، وسيردون على نار الجنود المصريين، ولن تستطيع حكومة حماس في غزة منع المتدفقين من الرد على النار. ولا تقف الخريطة عند هذا الحد. فإن "محمد دحلان" سيكون جاهزا في أي وقت –ردا للاعتبار- للعبور إلى غزة عبر ممر يفتحه له الجيش الإسرائيلي. وحتى لو أصدرت القيادة المصرية أمرا بوقف النار والتراجع إلى الخلف فإن هذا القرار سوف يأتي متأخرا، لأن إسرائيل جاهزة هي الأخرى لدخول المعركة وقصف الفلسطينيين.

هذا السيناريو هل هو خيال كاتب؟ أم إن إسرائيل تخطط لاقتلاع حماس من غزة نهائيا؟ إذا أدخلت حماس هذه الخطة في حساباتها فإن عليها أن تأخذ للأمر أهبته فتضع حائط صدٍ من القوة التنفيذية أمام المتظاهرين لمنعهم من اعتلاء الحائط. قد يكون هذا الثمن باهظا، ولكنه مطلوب، وهو أفضل –على أي حال-  من التمادي في معركة مجهولة النتائج.

              

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.