من جرائم النظام الأسدي:لينا هذا أبوك !!!!
من جرائم النظام الأسدي:لينا هذا أبوك !!!!
د.خالد الأحمد *
سمعتم بقصة مدرس الرياضيات ، التي نشرتها قبل شهور وخلاصتها أن ضابط صف في المخابرات العسكرية ، احتاج مدرس رياضيات لابنته في الثانوية العامة ، وطلب من جنوده إحضار المدرس فلان من العنوان الفلاني ، فأحضروه إلى القبو مباشرة وجلدوه ,وكادوا يزهقوا روحه حتى وقع لهم اعترافاً يقول أنه منظم في الإخوان المسلمين ... ونسي ضابط الصف الموضوع حتى ظهرت نتائج الثانوية ورسبت ابنته في الرياضيات فقالت له باكية : طلبت أن تحضر لي مدرس رياضيات ولم تفعل !!؟ فتذكر ضابط الصف ، وسأل جنوده فقالوا له : اعترف بسرعة ووقع ، وحول إلى تدمر .... ...
ونشرت البارحة قصة المواطن السوري المسيحي إبراهيم النجار الذي جاء زوار الليل لاعتقال أحد المتهمين بالإخوان المسلمين من العمارة نفسها ، فأخطأوا وأخذوا المواطن المسيحي إبراهيم النجار الذي يسكن مقابل ذلك الأخ ، وفي القبو وبعد الجلد والسلخ اعترف ووقع أنه من الإخوان المسلمين .....
وفي عام (1982) اعتقل آلاف المواطنين كرهائن عن ذويهم ، وأفرج عن خمسة آلاف منهم عام (1992م) ، وكانت ( مكرمة ) من الأسد الكبير أن أفرج عنهم بعد عشر سنوات ، وكثير منهم تلاميذ من المدرسة الثانوية ....
وهذه مأساة واحدة من آلاف المآسي التي مرت على شعبنا المسكين في سوريا ، أرويها كما قرأتها مع تعديلات أدبية طفيفة :
في إحدى ليالي عام 1983 وبينما كان (فوزات) في قريته التابعة لمحافظة السويداء؛ يساهر ابنته مولوده الأول الرضيعة ويضاحكها.دخلت سيارتان محيط أرضه ولم يشعر إلا ورجال يحملون السلاح فوق رأسه.
طلبوا منه الخروج معهم وعندما سألهم عن السبب لكمه أحدهم في وجهه.
سيق الفلاح المسكين إلى خارج المنزل وعندما لحقت به زوجته وسط بكاء طفلته,صرخ أحد المسلحين بوجه الزوجة وأمرها بأن لا تنظر إليهم وإلا سوف يقتلها.
يقول (فوزات) نظرت إلى ابنتي وهم يقودونني.كانت تبكي وتصرخ,وتفطر قلبي ألماً عليها ونظرها متعلق بي ...
أخذوني إلى مكان لا أعرف موقعه ولا حجمه كل ما أعرف أنهم أغلقوا عيناي وساقوني إلى مكتب صغير.
هناك تعرضت للضرب والتعذيب.. علقت على سقف الغرفة وانهال علي أكثر من خمسة أشخاص بالضرب حتى أغمي علي. أذكر أنهم طلبوا مني معلومات عن تنظيم وخلايا وذكروا مصطلحات لم أفهم منها شيئاً، لكن النهاية كانت دائماً بالضرب والجلد.
بعد شهور على ما أعتقد دخل علي أحدهم تبدو عليه المسؤولية.وطلب مني أن أوقع على مجموعة اعترافات.وعندما سألته عن معنى تلك الكلمات في الورقة نادى أحد الجلاديين وقال له :
اشرح لصديقنا تلك الكلمات.ويا ليته لم يشرح.
بعد شرح الجلاد وقعت على تلك الورقة.وتم نقلي إلى مكان لا أعرفه.إلا أن هذا المكان بات منزلي ومكان إقامتي.ومع جدرانه سجلت حكاية عمرها 20 عاماً.قضيتها في السجن دون أن أعرف السبب والغاية.
ساعات وأيام ،أسابيع وشهور، سنين وعقود مرت وأنا أنتظر ليقولوا لي السبب..
هناك في المعتقل كان الشوق يأكل أحشائي وكل ليلة كنت أداعب ابنتي في أحلامي وأضاحكها.وفي كل صباح أرسم لها بسمة جديدة تشابه تلك البسمة التي ودعتني بها ليلة اعتقالي، قبل أن يصل إلي زبانية الأسد.
مضت تلك السنين لم تكن قصيرة بقدر ماكانت تعني لي الحكم علي بالموت قبل قدر الموت. بعد (20) عاماً ناداني أحد الضباط وقال لي سنفرج عنك اليوم بعد عفو ومكرمة من السيد الرئيس.نظرت إليه وبالكاد كنت أفتح عيوني من عتمة السجون..وسألته : أنا بأي ذنب سجنت.ولماذا أقمت هنا.
ابتسم ممازحاً لقد كان خطأ في الأسماء.هناك تشابه بين اسمك واسم أحد الملاحقين من فرعنا..وأكمل:
لا بد أنك ستعذرنا فنحن كنا في حالة طوارئ والخطر من كل جانب.
نظرت إليه وكادت دموعي تنهار من هذا الظلم.لكني كنت أنتظر تلك اللحظة لأعود للابتسامة التي ودعتني بها ابنتي.
خرجت من السجن ودموع القهر تأكلني وشعوري ينتابه الحنين لأسرتي والحقد لجلادي السجون.. وزبانية النظام الأسدي ....
لحسن الحظ أن اسم المدينة واسم القرية لم يتغير..لكني عندما وصلت قريتي لم أجد فيها,مرح الأطفال وأصوات الرجال.لم أجد فيها طبول النصر وزفات الأعراس.
كانت القرية شاحبة،والسهول صفراء،والابتسامة ضائعة،لكني استمريت في البحث بذاركتي عن أزقة المنازل حتى وصلت لمنزل..منزل كان بابه أسود ومن حديد وأذكر أن إحدى زاويا الباب كانت مخلوعة.. تأكدت أنه باب منزلي وقرعت الباب.
فتاة رائعة الجمال فتحت باب منزلي،نظرت إليها أحاول أن أشم رائحتها،حاولت أن أسرق منها ابتسامة,لكنها كانت عابسة وباتت عينها تتهيأ للهجوم لو أني أخطأت في الكلام أو في النظرات ، ناهيك عن الاقتراب منها ....
نادت أمها بغضب,فوصلت تؤم الروح.. رفيقة الدرب .. نظرت إلي وكان قلبها يخفق مثل قلبي.. سمعت نبضها,وكأن الحياة عادت لها بعد انقطاع.انهالت وضمتني في حضنها وتقبلني باكية وتصرخ ( لينا !!!! هذا أبوك ) .وبلحظة شعرت بفتاة العشرين التي كانت تتحداني بنظراتها تنهار أمام أقدامي باكية مقبلة. صارخة كذئبة فقدت رضيعها..
دخلت المنزل كانت الوسادة في مكانها,خزانة الخبز فارغة,, سألتني زوجتي لماذا انسجنت ؟؟ قلت لها : قالوا لي : أنت منظم في حزب يعادي أهداف الثورة ويحرض على الفتنة.وقد ألقي القبض علينا قبل التحرك المدعوم من قوى الخارج..
لم تفهم زوجتي تلك العبارات..فتذكرت أنني أيضاً لم أفهم هذه العبارات عندما وقعت عليها قبل 20 عاماً,,،،،،،!!!!
* كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية