عذراً غلوي..
إنها السيادة الوطنية!!
محمد فاروق الإمام
وعادت قافلة شريان الحياة من حيث أتت.. وبقيت قافلة شريان الموت ممتدة تحصد المحاصرين في غزة هاشم.. إنها السيادة الوطنية التي لا يمكن الانتقاص منها ولو كان ذلك على حساب المرضى والجوعى الذين ينتظرون قافلة الموت لتحصدهم... ولا تزال أعمال الحفر والنصب للألواح الفولاذية الأمريكية الصهيونية تزرع حول عنق غزة وأهلها.
السيادة الوطنية في مصر ليست مهددة من الجياع والعرايا في غزة.. بل مهددة من الصهاينة الذين لا يفتؤون يهددون بتدمير السد العالي وقصف القاهرة بالقنابل الذرية التي يملكونها ولا تملك مصر أي سلاح لردعها.. اللهم إلا الرضوخ لطلبات الصهاينة والأمريكان والغرب وتضييق الخناق على أهلنا في غزة التي يستبيح الصهاينة الإنسان والأرض والهواء والشجر والماء والحياة فيها.. أما سمعتم أيها المتباكون على السيادة الوطنية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((لئن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم))، ويقول أيضاً: (لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم)).. ألم يقتل الصهاينة ولا يزالون يقتلون أبناءنا في فلسطين جهاراً نهارا أمام سمع الدنيا وبصرها.. أما سمعتم بفتوى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (أن الجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر هذه الأيام على الحدود بينها وبين غزَّة عمل محرَّم شرعاً المقصود به سد كل المنافذ على غزَّة، للزيادة في حصارهم وتجويعهم وإذلالهم والضغط عليهم، حتى يركعوا ويستسلموا لما تريده إسرائيل).
وأضاف في بيان أصدره (إن مصر ليست حرَّة في المساعدة على قتل قومها وإخوانها وجيرانها من الفلسطينيين بدعوة السيادة الوطنية على أراضيها).
وللتاريخ نذكر ونذكّر الحريصون على السيادة الوطنية بمواقف مصر الأبية الخالدة التي جعلت منها أم الدنيا وحاضنة العرب...
طرحت إسرائيل عطاءً لإنشاء قناةٍ مائيةٍ أو خندقٍ مائيٍّ على طول الحدود بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، حيث كان من المفترض أن يتم إنشاء هذه القناة بعرض 50 - 100 متر وعمق 10 - 15 مترًا، على أن يتم ملء هذه القناة بمياه البحر، إلا أن رفض مصر لهذا المشروع أفشل المخططات الإسرائيلية، ومصر هي التي حطمت خط وجدار بارليف الحصين في حرب رمضان عام 1973م، الذي أقامه الصهاينة بعد هزيمة حزيران عام 1967م، ليتحكموا في قناة السويس، ولكن الجيش المصري العظيم استطاع أن يحطم هذا الخط الدفاعي الحصين في الساعات الأولى لعبوره قناة السويس، منهياً بذلك أسطورة التحصينات الإسرائيلية وجدرها التي تحميها، تلك هي مصر التي يعرفها العرب والمسلمون والتاريخ.
ولا أعتقد أن الصهاينة سيرضون عن مصر بإقامتها الجدار الفولاذي الخانق حول عنق غزة ولن يرضوا عن العرب مهما قدموا من مبادرات سلام، ولن يرضوا عن المسلمين مهما تنازلوا عن حقوق، لأن الله قد أخبرنا في قرآنه الكريم أنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، وحتى نقبل بشروطهم، ونخضع لإرادتهم، ونستسلم لهم، ونسلم لهم بحقنا، ونتنازل لهم عن أرضنا ومقدساتنا، ولن تنتهي طلباتهم من مصر عند بناء الجدار الفولاذي، بل ستتولد لديهم مطالب أخرى، وسيتقدمون إلى الحكومة المصرية بسلسلة مطالب وشكاوى لا تنتهي، فهذه هي طبيعتهم والجبلة التي فطروا عليها، فحذاري يا مصر أن تفرطي في أبناء أمتك، أملاً في كسب رضى أعداءٍ لن يتحقق، وتذكروا أن إسرائيل هذه هي التي قتلت أبناءكم، وأعدمت بدمٍ باردٍ أسراكم، وهي التي خربت مدنكم، ودمرت المدارس على رؤوس أطفالكم وتلاميذكم في بحر البقر، ومازالت تتربص بكم وبأمنكم، وتهددكم في مياهكم وسدكم ونيلكم العظيم، واعلموا أن الاقتراب منهم انتحار، وأن دفئهم لهيب واحتراق، وأما قربكم من أهل فلسطين فهو خلق وفاء، وشيمة كبار ونبل أمراء، ونصرةٌ نص عليها القرآن، لإخوةٍ لكم هم في أمس الحاجة إلى جهدكم، واعلموا أن المستفيد من بناء جدار الكراهية بين مصر وغزة إنما هو الكيان الصهيوني وحده، والمتضرر منه مصر وفلسطين وأمتنا العربية والإسلامية، وإلا لماذا يمول الصهاينة والولايات المتحدة الأمريكية هذا المشروع بكلفة مئات الملايين من الدولارات.
أربعة سنواتٍ مضت على الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، والأهل في القطاع يتطلعون إلى مصر لتفتح البوابات، وتنقذ أهل غزة من الموت البطيء الذي سببه الحصار، أو أن تغض الطرف عن الأنفاق التي حفرها أهل غزة وأشراف مصر بدمائهم وأرواحهم، وقد سقط تحت الأنفاق نتيجة القصف الإسرائيلي أو انهيارها عشرات الشهداء، الذين رووا بدمائهم الزكية هذه الأنفاق، وهي الشرايين المباركة التي تحمل الغذاء والدواء وعوامل الصمود إلى أبناء غزة.
واليوم فإن مصر مطالبة بأن توقف أي محاولة لخنق قطاع غزة، وأن تخفف من إجراءات الحصار بدلاً من تشديدها، إذ أن الجوع "كافر"، ولو كان الفقر رجلاً -كما قال الإمام علي بن أبي طلب رضي الله عنه- لقتلته، ولتكن مصر كأشراف بني هاشم، الذين ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساندوه في وقتٍ اجتمعت عليه القبائل، ولتدرك القيادة المصرية أنها ستكون المسؤولة عن خنق وحصار أهل غزة، وأنها ستتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه استشهاد أي فلسطيني في قطاع غزة نتيجة الجوع أو الحرمان من العلاج.