مذكرة إلى رئيس وأعضاء مجلس الشعب السوري

اللجنة السورية لحقوق الإنسان

اللجنة السورية لحقوق الإنسان

مذكرة إلى رئيس وأعضاء مجلس الشعب السوري

لإلغاء القانون رقم (49) لسنة 1980

في الذكرى السابعة والعشرين لإصدار مجلس الشعب السوري قانوناً يحكم بالإعدام على منتسبي الإخوان المسلمين، أصدرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان مذكرة وجهتها إلى رئيس المجلس وأعضائه تطالبهم فيها بإعادة النظر في القانون المذكور وإلغائه، هذا نصها:

السيد محمود الأبرش رئيس مجلس الشعب..

السادة أعضاء مجلس الشعب..

إيماناً من اللجنة السورية لحقوق الإنسان بالدور الأساس الذي يجب أن يضطلع به مجلس الشعب في الحياة العامة، وتأكيداً على مسؤولية هذا المجلس التاريخية والوطنية والقانونية والمدنية...

وكذلك دوره في سن التشريعات والقوانين ومراجعتها، ومراقبة تنفيذها، وسد الذرائع التشريعية والقانونية التي تدخل الخلل على الحياة العامة، من خلال إساءة تفسير القوانين أو إساءة تنفيذها، أو الخروج بها عن قصد المشرع، أو تغير الظروف والأحوال التي استدعت صدورها..

نتقدم إلى مجلسكم الموقر، مطالبين بإعادة النظر في القانون رقم (49) لسنة 1980 القاضي بتطبيق عقوبة الإعدام ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وإلغاء هذا القانون الذي مثل ولا يزال يمثل حالة شاذة في الحياة القانونية السورية، عبرت عن مرحلة من التجاوز على حياة الناس وأمنهم واستقرارهم، والذي انتفت بعد سبعة وعشرين عاماً كل الذرائع المزعومة التي صدر على أساسها.

إن إعادة طرح هذا القانون على مجلسكم الموقر، ودراسته للخروج فيه بموقف، سيكون سابقة في تاريخ هذا المجلس، تثبت استقلاليته وجدارته وقدرته على مناقشة الأمور بطريقة تعبر عن ضمير الشعب السوري الذي تحملتم أو حملتم مسؤولية تمثيله.

كما أن مذكرتنا هذه تتضمن طلباً قانونياً بإحالة القانون المذكور على (المحكمة الدستورية العليا) حيث أننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان مع لفيف من رجال القضاء والقانون نطعن في دستورية هذا القانون، وحيث أن العرض على هذه المحكمة محصور بيد رئيس الجمهورية - حسب المادة (145) من الدستور السوري - أو باعتراض ربع أعضاء المجلس على هذا القانون.

لقد أثبتت وقائع سن القانون أن رئيس الجمهورية في سنة 1980، جعل نفسه طرفاً في هذه القضية، حيث تثبت الوقائع أن القانون الذي أقر في 7/7/1980 صُدق من رئيس الجمهورية في اليوم التالي مباشرة في 8/7/1980 في واقعة لا سابق لها في الحياة القانونية.

وتتوجه لجنتنا في الوقت نفسه إلى السيد رئيس الجمهورية أن يقوم بإحالة القانون إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستوريته ومشروعيته.

السيد رئيس المجلس ..

السادة أعضاء المجلس..

لن نتوقف في هذه المذكرة عند الماضي ولا عند التطبيقات المروعة لهذا القانون، ولا عند المحاكم الميدانية التي نفذته في حق الألوف من الأبرياء، كما صرح بذلك وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، ولن نتوقف عند تطبيق القانون بأثر رجعي على آلاف المعتقلين الموقوفين قبل صدور هذا القانون، دون أن يعطوا أي فرصة للإنسحاب من التنظيم لو أرادوا.. وإنما سنتوقف عند واقع القانون وتطبيقاته ومدى انسجامه مع الدستور السوري، ومع مواثيق الأمم المتحدة، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

أولاًً   : مخالفة القانون لدستور الجمهورية العربية السورية ومنظومة القوانين السورية:

فهذا القانون لم يكن يوماً دستورياً لأنه نفذ بأثر رجعي على آلاف السوريين، فقد نصت المادة (الثلاثون) من الدستور السوري: (لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يكون لها أثر رجعي، ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك)، ولكن القانون نفذ بأثر رجعي وما يزال..

وهذا القانون لم يكن يوماً منسجماً مع منظومة القوانين السورية حيث يخالف روح العدالة وأساس قانون الجزاء، فقد نصت المادة الأولى من قانون العقوبات على ما يلي: (لا تفرض عقوبة أو تدبير احترازي أو إصلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه)!!

كما نصت المادة السادسة من قانون العقوبات: (لا يقضى بأية عقوبة لم ينص عليها حين اقتراف الجرم...)

ثانياً   : مخالفة القانون للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الجمهورية العربية السورية:

وفي السياق نفسه نصت الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية وخاصة المادة السادسة منها أن العقوبة إنما تنفذ (وفقاً للقوانين التي تكون سارية عند ارتكاب الجريمة..) وسورية من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية وبالتالي فهي ملزمة بها.

ثالثاً   : مخالفة القانون لميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 الموقع والمصادق عليه من قبل الجمهورية العربية السورية :

لقد أكدت المادة (54) من ميثاق الأمم المتحدة الفقرة/ج (أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين..). وإن اللجنة السورية لحقوق الإنسان ترى أن هذا القانون قد صدر بسبب عقيدة جماعة الإخوان المسلمين الدينية التي ترتكز على فهمها للإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.

والأخطر من كل ما مضى أن القانون المذكور يفرض أقسى عقوبة على مجرد انتماء نظري عقائدي أو فكري سياسي، وليس على فعل جرمي يهدد أمن المجتمع أو حياة الأفراد، مما يجعل القانون يدخل في باب التطهير الديني والعرقي الذي تدينه جميع الشرائع والأعراف ... إن القانون بوصفه هذا يخالف ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 الموقع والمصدق عليه من قبل الجمهورية العربية السورية، حيث يؤكد الميثاق على ضرورة الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وفقاً لما تضمنته الإعلانات والاتفاقات الدولية.

رابعاً  : مخالفة القانون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصادق عليه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1948 :

 كما يخالف القانون رقم (49) لسنة 1980 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصادق عليه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في كثير من بنوده ومواده، والذي حفظ لكل إنسان حقه في الاعتقاد والانتماء وفي حرية التعبير والحركة...

كما يشكل القانون رقم (49) لسنة 1980 دعوة إلى الكراهية، تقوم على أساس التمييز العقائدي والدعوة إلى إقامة نوع من التطهير العقائدي أو شكل من أشكال محاكم التفتيش التي تحاكم الناس على قناعاتهم المجردة.

وإضافة إلى ذلك يشكل القانون رقم (49) لسنة 1980 خروجاً حاداً على روح العدل والإنصاف، إذ بينما يتوجه العالم المتمدن إلى المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام حتى بشأن أعتى الجرائم والمجرمين، يستهتر القانون المذكور بحياة السوريين، فيجعل عقوبة الإعدام عقوبة عارضة تجري على لسان القاضي الذي ينبغي أن يكون في أعلى درجات الرصانة والاحترام لمجرد أن يكون المقدم إليه ابن واحد من الإخوان المسلمين!!

إن ما آل إليه أمر القانون رقم (49) لسنة 1980 اليوم أنه راح يطبق على أبناء الإخوان المسلمين وأحفادهم، ومؤيديهم، والمتعاطفين معهم.. ولدى اللجنة السورية لحقوق الإنسان حالات موثقة عديدة تثبت ذلك.

خامساً  : مخالفة القانون للميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 4/3/2004 :

كما يخالف القانون رقم (49) لسنة 1980 الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 4/3/2004 .إذ نصت المادة الخامسة من هذا الميثاق على قدسية الحياة، وعدم جواز سلبها تعسفاً، وأن عقوبة الإعدام لا تكون إلا في الجرائم بالغة الخطورة.

كما نص الميثاق في مادته الرابعة والعشرين على حرية الممارسة السياسية وحرية تكوين الجمعيات والانتماء إليها.. وإن الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين هو من قبيل الممارسة السياسية.

بل الأعجب في ذلك أن السلطة التنفيذية في سورية التي استصدرت هذا القانون من مجلس الشعب تستقبل قيادات من جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي بألقابهم وأوصافهم، وتفسح لهم على المنابر وفي المجامع، وهذا يؤكد بدون أي شك البعد (الشخصي) أو (الفئوي) في تشريع مثل هذا القانون في سورية بالذات!!

تؤكد اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن معظم الذين حكموا بموجب القانون رقم (49) لسنة 1980 في السنوات الأخيرة هم مجرد أولاد أو أحفاد لمنتسبين للإخوان المسلمين، بعضهم ولدوا خارج الوطن، أو متعاطفون مع جماعة الإخوان المسلمين، ألقاهم سوء تقديرهم أحياناً أو حظهم العاثر أحياناً أخرى بين أيدي الأجهزة الأمنية في وطنهم الأصلي.

السيد رئيس مجلس الشعب ..

السادة أعضاء المجلس ..

بالعودة إلى الظروف الشاذة والمتوترة التي شهدت إقرار القانون، وبالعودة إلى محاضر الجلسة التي ناقشت هذا القانون مع الاستعجال الواضح ذي الدلالة في مناقشته وإقراره والتصديق عليه .. نجد العبارات التالية:

- رئيس المجلس يرفض اقتراح السيد جميل الأسد بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة للمنتسبين بقوله: (نحن نعاقب المجرمين ولا نعاقب أولادهم..)!! هل لكم اليوم أن تعيدوا قراءة القانون على ضوء واقع تطبيقاته بحق العديد من الشبان من أولاد المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين؟.

- لقد كان الهدف الأساس للقانون حسب مزاعم الذين أقروه: (الوقوف بوجه مخططات القتل والتدمير بحق المدنيين والعلماء والأطباء والعسكريين.. وكذلك المجازر الجماعية بالعبوات الناسفة)، وقد انتفت كل هذه الأسباب المزعومة التي دعت إلى تشريع هذا القانون منذ أكثر من ربع قرن ولم يبق للقانون غير وجهه الكالح القبيح.

- إنه وبعد أن سقطت جميع الأسباب والذرائع المزعومة التي تتحفظ اللجنة السورية لحقوق الإنسان عليها أصلاً.. وبعد أن أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سورية العديد من الوثائق، تؤكد من خلالها نبذها للعنف والتزامها بالعمل السلمي والسياسي، مثل ميثاق الشرف الوطني الصادر بتاريخ 3/5/2001، والمشروع السياسي لسورية المستقبل بتاريخ 16/12/2004، ونظراً للانعكاسات السلبية التي يشكلها هذا القانون على الأمن الاجتماعي وعلى الوحدة الوطنية التي تعتبر سورية بأمس الحاجة إليها..

نتوجه إليكم في مجلس الشعب، كمؤسسة تشريعية تتحمل مسؤوليتها التاريخية والقومية والوطنية في هذه الظروف المحرجة والصعبة ..

أولاً: لإعادة النظر في القانون رقم (49) لسنة 1980 وإلغائه في ضوء ما قدمنا من مطالعة وحيثيات.

ثانياً: تطالب اللجنة السورية لحقوق الإنسان في حال عدم إلغاء القانون، رئيس الجمهورية بوصفه، أو مجلس الشعب حسب مسؤوليته، بإحالة القانون إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستوريته.

ثالثاً: تحتفظ اللجنة السورية لحقوق الإنسان بحقها في عرض القانون على الجهات الإنسانية والقضائية الدولية المختصة، كقانون مخالف لميثاق الأمم المتحدة وللمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.

7/7/2007              وليد سَفور

رئيس اللجنة السورية لحقوق الإنسان