متى نكسر قيد الهزيمة؟!

متى نكسر قيد الهزيمة؟!

زينات أبو شاويش

[email protected]

لقد فضلت الصمت في ظل ظروف قاسية، كانت تعج بالمتناقضات، علي كافة الأصعدة، في الساحة الفلسطينية الداخلية والخارجية، فالهزيمة النفسية التي عقبت أحداث غزة الآليمة، وأحداث نهر البارد المؤسفة، والاوضاع المتردية للفلسطينيين العراق، أصابتني بحالة من الإعياء الفكري، فلم استطع أن أتعاطي مع كل هذه الهزائم  المأساوية في آن واحد .

 وعندما بدأت أكتب استدعت ذاكرتي كلمات للكاتب العالمي تولستوي في كتابه الحرب والسلام يقول فيها " ان المعركة لا يكسبها دائما الا ذلك الذي وطن النفس علي كسبها ..... ...ان الانتصار لا يتوقف علي القائد ولا علي رئيس هيئة اركان الحرب..... ولكنه يتقرر عندما يصيح اول جندي  " لقد خسرنا " ! " او عندما يهتف " : " لقد ظفرنا " ! .

واذا اردنا عن نتحدث بمقاييس النصر والهزيمة لتوصيف احداث غزة في حزيران الماضي، فيمكنني القول بأن ما حدث في غزة، كان هزيمة بكل المقاييس، فالكل كان خاسرا، فقد هزمنا أنفسنا بأيدنا ..أوكما قال درويش ان لم نجد من يهزمنا هزمنا انفسنا بأيدينا "، وياله له من احساس مرير ، قاس ، مؤلم ، موجع....

ولست معنية هنا  بتشريح الحالة الفصائلية والتي أوصلتنا الي هذا الوضع المأزوم، وان كان يجب التنويه ان المولد الحقيقي لتلك المشكلة بدأ من خلال الحالة الاستلابية في نفي الآخر ( أي نفي كل فصيل للآخر )، وهذا في حد ذاته يشكل حالة من الهرطقة الحقيقية لعدم استبيان الحقائق المجتمعية ودراستها علي نحو كبير من الوعي والفهم والإدراك، فكلا من هاتين الحركتين، (فتح، حماس)، ذات تأصيل بنيوي في المجتمع الفلسطيني الداخلي، وبالتالي لا يمكن الحسم بقول إنهاء او إقصاء ايا منها للآخر، فقد أعملت هذه الفصائل وللأسف الشديد معاولها في عقول ابناءها، ونشرت ثقافة الإقصاء والتي تعني بعمد او بغير عمد عدم رؤية الآخر وعدم تقدير مواقفه وآرائه والنظر إليه على أنه. خائن، وعميل، ولا يملك رؤية لحلول أزمتنا بل، والنظر إليه على أنه يتاجر بقضايا وطنه وأمته، ويتبني اصحاب هذه الافكار بنية جدلية  وفق ثقافة التخوين والاستعداء والتشويه والإقصاء مما يعزز من مساحة الاختلاف الاقصائى بديلا عن الاختلاف الاثرائى الضروري الذي يحتاجه المجتمع الفلسطيني لإثراء البيئة الثقافية بالتنوع في الطرح الفكري اللازم لمناقشة القضايا الاجتماعية المختلفة...

وللأسف الشديد ان الاقصاء بمفهومة الثقافي يتبع بنية مجتمعية أصيلة في مجتمعنا الفلسطيني بشقية الغزي والضفاوي، وينبع من ثقافة الفصيل وهو متجذر بشكل كبير في بنية الفصيلين الكبيرين" فتح وحماس" فكلاهما يتغذي علي هذه الثقافة، والتي تحمل في طياتها الكثير العنفوانية واختزال الكثير من الامور والقضايا ولن اطيل كثيرا في هذا الأمر.........

 فمتي نخرج من حيز الاقصاء الي فضاء التقاسم والمشاركة التي يصبو اليها كل ذي لب وضمير يعيش من أجل نصرة الحق والخير والفضيلة، ومن وجهة نظري انه يوجد الكثير من القواسم المشتركة بين الحركتين بداية من مشروعمها السياسي، وانتهاءا بواجباتهم الوطنية، والتي أري انه يمكن من خلالهما ان نبني جسورا للسلام المجتمعي فيما بيننا، فلتتوقف فورا حملات التشوية والتشهير بين الجميع، ولنوقف نزيف الوطن الدامي ، ففلسطين اكبر من فتح وحماس، وهي للجميع، ولنبدأ معا صفحة ناصعة نكسر بها قيد الهزيمة ونبني من خلالها جسورا للسلام الأمني والنفسي والمجتمعي ، ويحضرني في ذلك كلمات للكاتب المبدع عبد الرحمن منيف يقول فيها " ان الكثيرين يفهمون من النقد والنقد الذاتي حريتنا في شتيمة الآخر، وهذا الآخر الذي كان خصما في فترات سابقة اصبح الآن الطرف المقابل في التنظيم ، ولم يعد يكتفي بالشتائم الآن ولذلك فإن مفهوم النقد الذي يجب ان يسود ليس حريتي في شتيمة الآخرين، وانما مدي مسئوليتي في الاخطاء التي حصلت ولماذا حصلت وكيف يمكن تجاوزها في المستقبل لقد أن لنا ان نتعلم بعض الفضائل من خصومنا وان نعود الي ضمائرنا ايضا"

لذلك لابد من العودة الي صوت الحق والضمير من اجل ان ننصر هذا الوطن المحتل فان لم ينصره ابناؤه فلن ينتصر أبدا، انني لأسمع صوت خيام اللاجئين في المنافي تقول للجميع لابد من كسر قيد الهزيمة، لابد من العودة الي حلم الوطن،  لاننا شعب يريد النصر لهذا الوطن فكل انسان نبت دمه من هذه الارض وتغلغلت فيه جذروه منذ القدم ... سواء كان عالم أوجاهل ... غني أوفقير ... بل كل شريد وطريد ينتمي بدمائه الذكية الي هذه الارض المباركة، جميعهم يتحرقون شوقا، ويضطرمون غضبا، علي ما اصاب الوطن من مرض عضال، وشق صف الأخوة واحدث الهوان ... لقد أضحينا أمثولة واضحوكة بين ألسنة الاعداء، بعد ان كنا عنوانا للتضحية والشموخ والاباء، فلن انسي كلمات احد الكتاب الاسرائيليين الذي كتب مقالا بعنوان "العيش في كوبا ولا غزة المنكوبة" فلكم صفعتني كلماته... فمتي تعودون الي رشدكم وعقلكم، وماذا تريدون لهذا الوطن، ولأبنائه، كفاكم سجالات بالية، اورثتنا الحقد والضغينة، وأنبتت في نفوسنا جسورا من العنة، والمرض، والي متي تستمرون في الانجرار في دوائر الهزيمة ... هل سنتدثر بهذا الثوب اللعين كثيرا ... لقد ضاع الكثير من الوقت، ايها السادة ..يا من وضعتم مصائرنا امانة بين ايديكم،  اتقوا الله في هذا الوطن، ان الدول تشب في ارضها علي مضي الاحقاب .. وتطال منها الاهوال .. ولكن جذورها لا تموت...ان التاريخ غني بالعبر ...فهل تبصرون ؟!

 **رئيس تحرير شبكة فلسطين للإعلام والدراسات