سوريا بعد الأسد

سوريا بعد الأسد

د.خالد الأحمد *

(4)

يتخوف بعض السوريين ، وبعض العرب ، من تغيير النظام الأسدي الذي أهلك الحرث والنسل ، في سوريا ولبنان ، وساهم في هلاك العراق ، ولن يتورع عن إلحاق الأذى بأي دولة عربية .... يتخوفون من تغييره ... ويتخوفون من البديل الذي سيحل مكانه ، ويتصورون الفوضى التي حلت بالعراق ، لذلك يخافون من تغيير النظام الأسدي ...

لذلك ومن متابعة مسيرة المعارضة السورية الداخلية والخارجية ، تجمعت لدي معالم واضحة ، وأهداف مؤكدة ، اتفقت عليها فصائل المعارضة السورية ، داخل سوريا وخارجها ، ترسم هذه المعالم والأهداف صورة لسوريا المستقبل ، سوريا ما بعد الأسـد ، سوف أعرضها في هذه الحلقات بإذن الله عز وجل .

العلويـون بعد سقوط حكم الأســد :

يتخوف العلويون من سقوط النظام الأسـدي ، ويقال لهم أن كثيراً من السوريين عامة ، والحمويين خاصة سيثأرون منكم ، لأن معظم جنود سرايا الدفاع وكثير من الوحدات الخاصة التي قتلت المواطنين الأبرياء في حماة وحلب وإدلب من الطائفة العلوية ....وقد تابعت هذه القضية من خلال أدبيات المعارضة السورية في الخارج والداخل ، ومن أدبيات جبهة الخلاص الوطني ، ومن أدبيات جماعة افخوان المسلمين ، وتصريحات كبار قادتها ، ووصلت إلى المعالم التالية :

1-        لاتحمل المعارضة السورية عامة ، والإخوان المسلمون خاصة ، أوزار النظام الأسدي للطائفة العلويـة ، لأن أوزار النظام الأسدي لاتحملها الجبال ، فكيف تحمل لطائفة من الشعب السوري ، كما أنه ليس من العدل أن تشمل الطائفة العلوية كلها بأوزار النظام الأسدي ...

ومع ذلك تنطلق أسئلة صادقـة اليوم ، بعد أن صار سقوط بشار وحكمه أمراً وارداً ، تقول هذه الأسئلة : ماذا يحـل بالعلويين بعد سقوط هذا النظام !!؟

وأتابع جوابي على ذلك الذي بدأته في الحلقة (3) من هذا الموضوع :

في عيد الأضحى الماضي التقيت بزميل بعثي ، وجلست أتحدث أمامه حول كتاب باترك سل الذي يؤكد أن جـد حافظ الأسد ليس علوياً ، وأن الطائفة العلوية لاتتحمل أوزار الأســد ...

كان زميلي البعثي يصغي بانتباه ، وكنت أتوجس أن يثور في وجهي كل فينة ، ولكنه قال واستغربت مماقاله : ـ هذا كلام جديد وجريء وثمين ويستحق الانتباه ...

لذلك شجعني زميلي البعثي على طرح بقية المشروع فقلت :

 والطائفة العلوية مظلومة ، عندما نحملها أوزار حافظ الأسد ، لم يستفد من فتات موائده أكثر من نصف الطائفة ، وبقي نصفها الآخر محروماً فقيراً بائسـاً ...

عندئذ لم يستطع زميلي البعثي أن يصمت فقال :

لا ... يا أستاذ هذا الرقم غير دقيق ... أنت ربما بعيد عن سوريا ولاتعرف الواقع ، الذين استفادوا من حافظ الأسد من العلويين لايزيدون على (20 – 25 % ) فقط ، وهم أبناء أسرة الأسـد ، وأخواله ، ومخلوف ، وأنسباؤه ، وأقاربه ، وباقي عشيرته ،وبعض أزلام الطائفة الذين استفادوا من حكمـه بشكل خيالي ... وهؤلاء لايتعدون (25 % ) من الطائفة العلوية ، في حين بقي (75 % ) من الطائفة يعيش في الفقر ، أو تحت خط الفقر مثل نصف الشعب السوري كما يقول نائب رئيس الجمهورية السيد عبد الحليم خدام ...

وتابع قائلاً : منذ أشهر زرت قرية من قرى العلويين ، شرق طرطوس ، تبعد عن الطريق العام كيلومتراً أو اثنين على الأكثر ... هذه القرية قد يصل سكانها ثلاثة آلاف نسمة ، يشربون ماء العين ( نبع طبيعي ) ، كما كان أجدادهم يفعلون ، تأتي النساء ، ومعها الحمير ، وقد حمل عليها برميلان ، فتملأهما بماء العين يدوياً ، ثم تعود بالحمار إلى البيت .

والطريق الذي يصل القرية بالطريق العام والذي لايزيد عن (1 ـ2 ) كلم لايزال بدون رصف أو سفلتة ، كما أن شوارع القرية كذلك غير ممهدة أو مسفلتة ...

 قلت لـه : ربما الموقع وعـر جداً ، ويصعب تمهيد الطريق ، وشوارع القرية !!؟

أجاب زميلي البعثي :

لا ... أبداً ... العقيد صبرة خازم صبرة ، من أزلام الأسد ، وهو قائد فرع المخابرات العسكرية في البادية ( تدمر وما حولها ) ، حوّل معظم الإسمنت المخصص للبادية لمصلحته الشخصية ، وبنى قصراً في الجبل ، في مكان أكثر وعورة من هذه القرية ، وبناه منعزلاً ، وحده بعيداً عن الآخرين ، بعد أن شـق له طريق الإسفلت قبل أن يسكن فيه ، ومهد المنطقة المجاورة له ليزرعها بأشجار الفاكهة والأزهار ...

ثم أردف زميلي البعثي يقول :

القرداحة وماحولها تطورت ألف مرة ، بالمقارنة مع بقية الجبل ، وفي القرداحة وماحولها قصور تفوق القصور في دمشق وضواحيها . والطرق تصل للقرداحة من كل الجهات ، تمشي وسط الجبال والصخور ، تلمع وتتلوى في الوديان كالثعبان ، وبني فيها مطار خاص لاستقبال طائرة الأسد الخاصة ....و ... و ....

و( رامـي مخلـوف ) بن محمد مخلوف ( خال ) بشار الأسـد ، أعطي امتياز شركة الاتصالات للخليوي ، وحرمت الخزينة السورية (700) مليون دولار لأجل عيون ( ابن الخال ) ، ويصل دخل الشركة حالياً إلى (2) مليون دولار يومياً ....

أما تركـة جميل الأسـد ، شقيق حافظ الأسد ، وهو رجل بسيط ، فقد وصلت ( 4 ) مليار دولار ، كما كشف ذلك خلافات ولده ( منذر ) مع آخر زوجات والده ...

أما النهب الذي وفـره حافظ الأسد لأخيه رفعت ، كي يثبت حكمه ، فقد بلغ حـد الخيال الذي يكاد العقل أن لايصدقه .... ) انتهى كلام الزميل البعثي . وفي مقال لمحي الدين اللاذقاني أخيراً يذكر أن ثروة آل الآسد تصل أربعين مليار دولار ..وأجزم أن هذا الرقم صغير جداً لثروة آل الأسد ، وأذكر بأن رصيد باسل الأسد في سويسرا كان كذا وعشرين مليار دولار ، كما ذكرت الصحف ، وبعد أن كتب له والده عقد زواج بعد موته ، حصل على نصف الرصيد ...

1-        ينبغي توسيع السؤال وتعديلـه ليكون : ماذا يحل بأزلام النظام الأسدي بعد سقوط بشار !!؟ فأزلام النظام ليسوا من العلويين فقط ، بل فيهم عدد كبير من المواطنين السـنة ، وغيرهم أيضاً ...وهؤلاء الأزلام موجودون في الجيش بنسبة قليلة ، وفي المناصب المدنيـة بنسـبة كثيرة ، فماذا يحل بهؤلاء الأزلام كلهم من سنيين وعلويين وغيرهم !!؟

2-        وجواب ذلك : أن المشكلة في أذهان السوريين الذين لم يعرفوا حاكماً مدنياً ، موظفاً يعمل ويسهر على راحة الشــعب ، السـوريون لايعرفون إلا الحاكم ( المتألـه أو المتفرعن ) ، أما الحاكم الذي لايستطيع أن يقتل مواطناً واحداً إلا بعد إحالته على القضاء الحـر العادل ، ومحاكمته وتمكينه من الدفاع عن نفسـه ، في المحكمة الأولى ، ثم التمييز ، ثم يصدر قرار القاضي بعد محاكمة علنية نزيهة ... هذا الكلام لايصدقه الشعب السوري لأنه لم يـره ، ولم يقرأ عنه ، ولم يسمع بـه في سوريا ...

3-        المشكلة في أذهان السوريين ، أو قل في هذا الجيل الذي ولد في أوائل الستينات وعاش حياته كلها في قانون الطوارئ ، حتى صار أمراً عادياً عنده ، ورأى الجيش متحكماً في حياة الشعب ، يتدخل في الصغيرة والكبيرة ، حتى في قضايا الزواج والطلاق ، ويهمل أو يترك عن عمـد حمايـة الحدود ، وتحرير الأجزاء المغتصبة من الوطن كالجولان ...معظم الشعب السوري الموجود اليوم لايعرف أن الجيش لايحق لـه الخروج من ثكناته إلا إلى سـاحة المعركة مع العـدو الخارجي ، ولايحق لـه العمل في التجارة أو الزراعة أو الصناعة ، ولايحق له المشاركة في الانتخابات إلا إذا استقال الضابط من القوات المسلحة .... لأنه طوال حياته يرى خلاف ذلك ، يرى الضابط ( الإقطاعي ) مالك المزرعـة التي يعمل فيها الجنود ( بالسخرة ) كما كان ( الأقنان ) في أوربا الإقطاعية، ويرى الضابط ( التاجر ) ويرى الضابط ( معقب معاملات ) ، ولايرى الضابط الذي يقاتل العدو الصهيوني ....

4-        المشكلة في أذهان السوريين اليوم الذين لم يعرفوا أن مهمة المخابرات العسكرية حماية الجيش ( فقط ) من جواسيس العـدو ، والعمل على كشف مخططات جيش العدو ، والتعرف على تشكيلاته وتسليحه ونوايـاه ... وأنه من العـار عند الأمم المتقدمـة حضارياً أن تتدخل المخابرات العسكرية في شؤون المواطنين ، وعندما تفعل ذلك جعلت المواطنين في مكانة العـدو الخارجي الذي كلفت بمتابعـته والتعامل معـه ...ولايعرف السوريون أن الأمن السياسي هو المسؤول عن المواطنين ، من منهم خالف القانون المعمول بـه في البلد ، وحاول مساعدة العدو الخارجي ، وبالتالي لايتعامل مع المواطنين سوى الأمن السياسي وهو جزء من وزارة الداخلية وليس من وزارة الدفاع ...

 بعـد أن ذكرنا بواقع الشعب السوري ، نذكر بمشروع المعارضة السورية ، في الداخل والخارج ، وقد نضجت المعارضة السورية ، في سـجون النظام ، وفي ديار الغربـة ، ورأت في ديار الغربـة كيف يعيش البشـر ؟ ، كيف تتعامل الحكومة مع المواطنـين ... [ لاحظت في الجزائر في العقد السـابع من القرن العشرين أن الموظف يرتعد خوفاً أمام المواطن إذا صرخ المواطن في وجـه الموظف الذي عقـد لـه معاملتـه ، يصرخ المواطن بكلمتين فقط يقول : ألست جزائرياً !!!؟ ، يتراجع الموظف عن بيروقراطيته ، ويحل المشكل للمواطن بسرعة ] ... هكذا نضجت المعارضة ، وذاقت طعم الذل والقهر والظلم وأعتقد أن المعارضة لن تفعل كما فعل النظام الأسدي في الشعب السوري ، وأول الفوارق الهامة :

1-        لن يكون الحكم القادم بعد سقوط بشار شمولياً ، يقوم على فـرد ، أو طائفة معينة ، أو حزب معين ، بل سيكون حكماً وطنياً تشارك فيه جميع فئات الشعب السوري ، بما فيهم العلويون والبعثيون ...وبالتالي سيكون حكماً متوازناً ، يختلف عن النظام الأسدي اختلافاً كبيراًجداً .

2-        لن يكون الحكم البديل عن النظام الأسدي حكماً عسكرياً ، بل سيعود فيه الجيش إلى ثكناته ، يتدرب ويستعد لتحرير الجولان ، ولن يسمح للجيش بالتدخل في العمل السياسي ... وسيتولى الجيش مهمته الحقيقية وهي الدفاع عن الوطن ضد العدو الخارجي ( فقط ) ... وسيكون حكماً مدنياً ، يستطيع فيه المواطن أن يقيم دعوى على رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو الوزير ، وعندما يقتنع القاضي الحـر العادل ، بعد أن يقدم المواطن أدلـة كافية ، وبعد أن يسمح للمدعى عليه بالدفاع عن نفسه ، وقد يحكم القاضي للمواطن ؛ وينفذ الحكم ...

3-        يجب أن يكون للقضاء في الحكم البديل مكانة كبيرة وعظيمة ، وأن يكون القاضي مستقلاً ، لايخضع إلا للقانون والدستور ، ومجمع القضاة ، لأن القضاء سوف يحل مشكلات كبرى ... كثير من المواطنين السوريين ظلموا وسوف يتقدمون بدعاوى لهذا القضاء ، سوف يُدعى على أزلام النظام ، من علويين ، أو سـنيين ، عرب أو أكراد ، وسوف يمثل هؤلاء أمام القاضي ، ويدافعون عن أنفسهم ، ويحكم القاضي الحر العادل ... وتنفذ وزارة الداخلية قرار القاضي ...

4-        وسوف يتقدم المدعي العام بدعاوى ضد هؤلاء الذين نهبوا أموال الشعب السوري ، ويسألهم ( أنى لك هذا ) ، وعندما يثبت أنها سرقت ، سوف يطلب منه إعادتها إلى خزينة الشعب السوري ، بقرار من القاضي ، وليس من المحاكم الميدانية ، إذ لا توجد محاكم ميدانية إلا في ساحة الحرب ، في خطوط القتال مع العدو الخارجي ، أمام أن توجد المحاكم الميداينة في سجن تدمر ، وكفر سوسة ، وفرع فلسطين ، وغيرها ...فهذا من صفات النظام الأسدي الذي سيسقط إلى غير رجعـة بإذن الله تعالى ...

5-        إذن العلويون مواطنون مثل غيرهم ، إذا تقدم مواطن بدعوى ضد أحد العلويين ، يدعي فيها أنه قتل ولده ، أو والده ، أو أخاه ، أو نهب مالـه ، واستطاع هذا المدعي أن يقدم للقاضي أدلـة كافية ، وحكم القاضي بصحة الدعوى ، سوف يُقتص من هذا العلوي بقرار القاضي ، يقتص منه الحاكم ، وقد يتقدم مواطن سني أو علوي ضد مسؤول ( سني ) فيحاكم عند القضاء ، وعندما تثبت صحة الدعوى يُنفذ فيه الحكم ... هكذا ينبغي أن يكون القضاء الحر العادل في سوريا القادمة ، قوياً ونزيهاً وعادلاً ، يخرج سوريا من أزمـة يبدو للبعض أنها مستحيلة الحـل ، ويحذر من الفوضى ، أو الحرب الأهلية ...

نسأل الله عزوجل أن يزيـح كابوس النظام الأسدي عن سوريا ، وأن يهيأ لها حكماً صالحاً بعـده يخرجها من هذا النفق المظلم المجهول ... والله على كل شيء قدير ... 

(5)

يتخوف بعض السوريين ، وبعض العرب ، من تغيير النظام الأسدي الذي أهلك الحرث والنسل ، في سوريا ولبنان ، وساهم في هلاك العراق ، ولن يتورع عن إلحاق الأذى بأي دولة عربية .... يتخوفون من تغييره ... ويتخوفون من البديل الذي سيحل مكانه ، ويتصورون الفوضى التي حلت بالعراق ، لذلك يخافون من تغيير النظام الأسدي ...

لذلك ومن متابعة مسيرة المعارضة السورية الداخلية والخارجية ، تجمعت لدي معالم واضحة ، وأهداف مؤكدة ، اتفقت عليها فصائل المعارضة السورية ، داخل سوريا وخارجها ، ترسم هذه المعالم والأهداف صورة لسوريا المستقبل ، سوريا ما بعد الأسـد ، سوف أعرضها في هذه الحلقات بإذن الله عز وجل .

موقف الإخوان المسلمين من العلويين في سوريا

في أذهـان العـامة ومنهم النظام الأسدي وأزلامـه أن الإخوان المسلمين ، سيقودون حرباً طائفية ينـتقمون فيها من العلويين الذين قتلوا عشـرات الألوف من الشعب السوري  ، والعلويون هم معظم ضباط وضباط صف وجنود سرايا الدفاع ويشكلون أكثر جنود الوحدات الخاصة ؛ وسرايا الدفاع والوحدات الخاصة قتلت عشرات الألوف من المواطنين السوريين في مجازر لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ، منها على سبيل المثـال لا الحصر ، مجزرة تـدمر (1980) حيث فتحت نيران الرشاشات على السجناء في تدمر ، قتل فيها أكثر من ألف مواطن سـوري من خيرة المواطنين علماًوخبرة ونزاهـة ... ومجازر حماة وأهمها مجزرة (1982) حيث قتل فيها قرابة خمسين ألفاً معظمهم من النساء والأطفال ، ومجزرة جسر الشغور ، وهنانو، ومجازر ريف إدلب وغيرها كثير ...

و اليوم يؤجـج النظام الأسـدي الفتنـة الطائفيـة ، ويحذر الطائفة العلوية من التخلي عن دعم وحماية النظام الأسدي الفاشستي ، ويدعي أن الإخوان المسلمين سينتقمون منهم شـر انتقام ....

وهذا الإدعـاء باطل ، ويجانب الحقيقة ، لأن الإخـوان المسلمين في سـوريا أصدروا المشروع السياسي صيف (2004) ومما جاء فيه أن المواطنة وليس الدين أو العرق أو اللغة  هو أساس التعامل بين المواطنين في سوريا  ، ومعنى ذلك أن العلويين فئـة من الشعب السوري ، لهم ما للشعب السوري من حقوق ، وعليهم ما على الشـعب السوري من واجبات ، فيهم الصالح ، وفيهم الطالح ، ويدعو الإخوان المسلمون في سوريا إلى حكومة ديموقراطية ، وقضاء عـادل ، وتقدم الدعاوى للمحاكم الوطنية التي تحكم بالعدل بين المواطنين ... ولايدعو الإخوان المسلمون إلى الثـأر ، وهو عادة قبلية قديمـة لاتتناسب مع القرن الحادي والعشرين ، إنما تدعو الجماعة إلى القضاء العادل الذي يحكم بالحق ، ويـرد المظالم إلى أصحابها ....

وهذا موقف جماعـة الإخوان المسلمين في سوريا يتلخص في المقابلات التالية للأستاذ علي صدر الدين البيانوني ، المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا ، والذي انتخب للمرة الثالثة مما يـدل على قبول أكثرية أبناء الجماعة لهذا الطـرح الوطني ...

  والمقال الذي يتضمن تلك المقابلة منشور بالإنكليزية على موقع "www.syriacomment.com" الذي يديره الأكاديمي الأمريكي الدكتور جوشوا لانديز ...

يقول الدكتور جوشوا لانديز :

وحين سُئل البيانوني في مقابلة مع (نشرة صادرة عن جامعة جيمس تاون الأمريكية في 11 آب/ أغسطس 2005)، إن كان العلـويون طائفة مهرطقة ( ملحدة ) ؛ أجاب:

"علي البيانوني: لا نميز ضد العلويـين، وطالما قالوا إنهم مسلمون فلا نشكك في ذلك. المشكلة في سورية تبقى سياسية؛ أقلية نخبوية استولت على الدولة وتضطهد الأكثرية".

هنا يقول البيانوني إن الإخوان المسلمين لن يشككوا في صدق انتماء العلويين الإسلامي إذا سموا أنفسهم مسلمين.

وهذه مقابلة للبيانوني مع تلفزيون المستقبل في 31 آب/ أغسطس 2006. نُشرت في أخبار الشرق  وفي موقع صحيفة المستقبل.

يرفض البيـانوني نظرية انزلاق سـورية نحو الحرب الأهلية إذا سقط النظام، مجادلاً بأن العلويين نالوا نصيبهم من الظلم والتعذيب. ويؤكد أن الإخوان لا يفرقون بين المجموعات الطائفية المختلفة في المجتمع السوري. في الواقع، هو يؤكد أن المواطنة هي أساس التعامل المتساوي مع الجميع. ويرفض وصف النظام بأنه بعثـي أو علـوي، معتبراً إياه "نظاماً محكوماً من عائلة".

المقطع المقصود هو:

(وعن إمكانية نشوب حرب أهلية في سورية، قال البيانوني: "لا خوف من حرب أهلية، والنظام هو من أوجد المشكلة"، و العلويون على سبيل المثال نالهم الظلم والتنكيل، نحن لا نميز بين فئات المجتمع السوري على أساس طائفي، بل المواطنة هي الأساس الذي يتعامل على أساسه الجميع. ومن الخطأ أن ننسب النظام إلى حزب البعث أو إلى الطائفة العلوية "فهو حكم عائلي").

(وأكدوا ـ يقصد الإخوان المسملون ) في عام 2004 أنهم يقبلون بلجنة تحقيق قضائية مستقلة تفتح ملف الثمانينات وتحدد المسـؤوليات، والإخـوان مستعدون لتحمّل أية مسـؤولية قد تترتب عليهم أمام القضاء. كما جدد التعبير عن "الألم" لجميع الضحايا الأبريـاء الذين سقطوا من كل الفئات، مشدداً على أن "الدم السوري يجب أن يكون محرماً"، و"النفس البشرية حرمها الله").

مؤشر آخر على مقاربة البيانوني المعتدلة هو:

2- مقابلة البيانوني مع قناة الجزيرة في 17 آب/ أغسطس 2006 (1). يمكن قراءتها على موقع الإخوان المسلمين ،  والعبارة التي تعنينا:

(العلويون في سوريا جزء من نسيج الشعب السوري وهم فئات، فيهم فئات وطنية كثيرة في الماضي والحاضر، النظام الـحالي حاول أن يتمترس خلف الطائفة وحاول أن يجمع الطائفة في مواجهة المجتمع السوري، لكن أعتقد أن هناك فئات كثيرة من الطائفة العلوية هي معارضة وهناك ناس مقموعين من أبناء الطائفة، لذلك أنا أعتقد أن أي عملية تغيير في سوريا قادمة لا بد أن تشترك فيها كل القوى الوطنية وكل مكونات الشعب السوري بمن فيهم أبناء الطائفـة العلويـة).

3- مقابلة البيانوني مع قناة العربية في 29 آب/ أغسطس 2006، يمكن قراءتها على موقع الإخوان المسلمين :  هنا يعرب البيانوني عن تقديره لتنوع المجتمع السوري، ويقول إنه يجب المحافظة على هذا التنوع المفيد. المقطع الذي يعنينا هو:

(نحن نعتقد أن سوريا لكل أبنائها والتنوّع الموجود في سوريا سواء كان تنوّعاً عرقياً أو مذهبياً أو دينياً أو سياسياً ينبغي أن يكون حاضراً وهذا التنوّع له إيجابيات كثيرة، نحن نخشى فقط أن بعض الحاكمين في بلدنا يسخّرون الطائفة العلوية لخدمة مآربهم وهذا أمر حاصل، نحن لا نعتبر الطائفـة كلها مسؤولـة عما يجري، هناك فئة قليلة تتستّر خلف الطائفة وخلف الحزب لتمارس هذه الممارسات القمعية الاستبدادية التي تنتهك حرمات الشعب السوري).

ويتابع الدكتور (جوشوا لانديز ) فيقول :

أعتقد بشدة أن هذا من تأثير السيد خدام. خطاب جماعة الإخوان المسلمين تغير إلى حد بعيد منذ تحالف خدام معها، والسيد خدام سياسي ذكي بالتأكيد.

وهنا زل الدكتور ( جوشوا لانديز   ) وجانب الصواب ، فقد نشـرت جماعة الإخوان المسلمين مشروعها السياسي صيف (2004 ) وتداولته أكثر من ثلاث سنوات ، أي قبل تحالف السيد خدام معها ... وحسب فهمي أن الإسلام نفسـه يفرض علينا ـ كمسلمين ـ أن نتعامل مع أبناء الوطن كمواطنين ، دون النظر إلى دينهم أو قوميتهم ، أو اتجاههم السياسي ، ألم يكن اليهود مواطنين في المدينة المنورة أيام رسول الله r ، وهل عاش اليهود والنصارى وغيرهم أيضاً كمواطنين في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وفي الأندلس ... وبالتالي حق المواطنة محفوظ لكل مواطن يعيش ضمن الوطـن ...

2- ويتابع ( جوشوا لانديز فيقول ) : معروف جيداً أن البيانوني يمثل الشق المعتدل في جماعة الإخوان المسلمين. هناك أعضاء أكثر تشدداً في الإخوان في المقاعد الخلفية. على كل حال؛ فإن إعادة انتخاب البيانوني على رأس الجماعة لفترة ثالثة يُظهر عزم أعضائها مجتمعين على دعم الشق المعتدل.

تحاول جماعة الإخوان المسلمين في سورية - كما ذكرت أعلاه - أن تتخذ موقفاً سياسياً أكثر تناسباً مع ظروف سورية....

وختاماًً أقول تقدمت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ونضجت في العمل السياسي ، وقدمت طرحاً في مشروعها السياسي (2004) يصلح لدولة ديموقراطية حديثة تشمل جميع مواطنيها ولاتقصي أحداً ... وهذا لايعني إغفال الجرائم التاريخية التي حدثت ، بل لابد من قضاء عادل وقوي ، في دولة ديموقراطية قوية تحاكم المجرمين ، وتقتص منهم ...

ومن أجل سوريا الحرة الديموقراطية ندعو جميع السوريين للعمل معنا ، من أجل الخلاص من النظام الأسدي الفاشستي ...

والله الموفق والهادي إلى سـواء السبيل ....

              

    * كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية