هل طرد العملاء من غزة "ورطة لحماس"

هل طرد العملاء من غزة "ورطة لحماس"

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

في مقال للسياسي الأمريكي " مارتن أنديك " ترجمة مركز الشرق العربي الذي نشر في الموقع نفسه يوم 01-07-007بعنوان " حكم غزة ورطة حماس " نجده يعتمد الأفكار التالية : 

1.  الرئيس بوش هو صاحب فكرة الانتخابات في غزة والضفة التي أسفرت عن نجاح كاسح لحماس .

2.  بوش يريد لحماس أن تتحمل المسؤولية أمام الناس جميعاً لو فازت بالانتخابات التي جرت عام 2005.

3.  لم تكن حكومة إسماعيل هنية شفافة كما توقع الأمريكيون ولا قادرة على تحمل المسؤولية ولم تتبع أصول اللعبة الديموقراطية .

4.  حماس تريد وحدها السيطرة على غزة ، وقد نالت الآن ما أرادت .

5.  لن تستطيع حماس الحفاظ على الأمن في غزة فما زال في غزة جيوب تزعزع الاستقرار .

6.  إسرائيل لا تريد تضييق الخناق على سكان غزة .

7.  النظام المصري يريد إفشال حماس كي لا يمتد الإسلام منها إلى مصر ، ويخاف في آن واحد من هذا الفشل أن يؤدي إلى تأثيرات على الاستقرار في المنطقة .

8.  ستحاول حماس جمع كل أشكال الإرهاب وجماعاته ، وستفشل ! وسيتدخل العالم وإسرائيل ومصر للقضاء على حماس .

9.  فرصة حماس الوحيد لتنقذ نفسها انجاز اتفاق جديد مع فتح .

10.  قد يولد الضغط على حماس أن تقبل بالتعامل مع إسرائيل ، وهذا احتما ل بعيد المنال .

11.  وأخيراً احتمال مارتن أنديك الأقوى أن أن تنتهي حماس بقوة السلاح.

لا نشك في أن الإدارة الأمريكية رغبت بمعارضة شكلية لفتح من حماس والفصائل الأخرى بحيث تجهز فتح قائمتها وتنجح في الانتخابات بأصوات مريحة تضرب فيها عصافير كثيرة بحجر واحد يجمعها شكل ديموقراطي قائم على انتخابات نزيهة ثم وجود معارضة ترفض مفاوضة إسرائيل ولكنها دخلت لعبة الانتخابات، ولم تفز إلا بمقاعد قليلة يجعلها مكتوفة الأيدي أمام منفذي المخططات الإسرائيلية وبهذا تسقط الحركات الإسلامية – بزعم الإدارة الأمريكية وإسرائيل - في الشارع الفلسطيني وتتقلص قواعدها ثم تتحجم .. ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان ، أو كان " حساب القرايا غير حساب السرايا " فظهر تشتت فتح حين بدأت تتعدد القوائم الانتخابية وتتنافس فيما بينها ،وظهرت المساومات . وبدت للمجتمع الفلسطيني هشاشة موقفها بينما كانت قائمة حماس واضحة لا تنازع بين مرشحيها بل هم هدف واحد وجماعة واحدة ، وفوجئ الجميع بالانتصار الكبير لحماس والمستقلين الواعين والفصائل الكارهة لأوسلو ونهج الاستسلام الواضح للراغبين فيه المدافعين عنه .

ويبدو من مقال مارتين أنديك استخزاء بعض قادة فتح الذين ليس لهم كلمة في خدمة البلاد والوطن سوى التخوف على كراسيهم ومصالحهم حين ذكر أن بعضهم حذر من هذه الانتخابات وليس لهم إلا أن ينصحوا أسيادهم الأمريكيين من هذه الانتخابات ويكونوا إلى جانب الإسرائيليين في التحذير منها .

أما أن بوش كان يريد لحماس أن تتحمل المسؤولية أمام الناس جميعاً لو فازت بالانتخابات التي جرت عام 2005. فهذا يخالف الواقع بكل مناحيه ، إذ أعلن بداية عدم اعتراف إدارته بحكومة تقودها حماس ، وأمر البنوك بمقاطعتها ، وهدد من يعترف بها ، وقطع المساعدات عنها ، وأمر الأوربيين بمقاطعتها ، ففعلوا . كما أن "فتح" – بناء على تعليمات من السيدين الإسرائيلي والأمريكي – امتنعت عن المشاركة في الحكومة . ..

كانت الإدارة الأمريكية تريد انتخابات ديموقراطية شكلية تثبّت فيها عملاءها في الحكم ، فحاربت النظام الفلسطيني الديموقراطي ابتداءً لأنها فوجئت انه جاء بالشكل الذي لا تشتهيه . والعجيب – وليس هو بالعجيب – أن حماس إرهابية ولو انتخبها الشعب الفلسطيني ، وكأن الإدارة الأمريكية تتهم الفلسطينيين جميعاً بالإرهاب لأنهم مارسوا حقهم في اختيار ممثليهم بما لا يرضي الإدارة الأمريكية وعلى رأسها مستر بوش .

فكيف يحمل بوش حكومة حماس المسؤولية وهو يحاصرها من كل الاتجاهات وينعتها بالإرهاب ، ويمنع عنها مقومات الحياة من شرايين المال ومشاركة الأطياف الفلسطينية جميعاً بل إن وزيراً نصرانياً اضطر تحت التهديد أن يستقيل من الحكومة ولما يبدأ عمله فيها !

 ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له ......... إياك ، إياك أن تبتل بالماء

إن "حماس" - على العكس مما قاله مارتين أنديك – كانت شفافة حين طلبت من الطيف الفلسطيني دون استثناء أن يشارك في الحكومة لكن" فتح " بناء على التعليمات الإمريكية الإسرائيلية رفضت رفضاً قاطعا الاشتراك في الحكومة ، بل إن المجلس التشريعي المنتهية صلاحياته غيـّر – في الأيام الأخيرة من ولايته وبشكل صريح – الكثير من القوانين والصلاحيات ونقلها من رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية ، وجعل الأمن والشرطة والإعلام بيد رجال الرئيس الفلسطيني الفتحاوي ، حتى الإعلام والتلفزيون بقي بيد المعارضة ، ومنعت الحكومة الجديدة من تسييره .

وبدأ الاستفزار الأمني يتصاعد حين جُـرّد وزير الداخلية من صلاحياته في تعيين القادة ليبقى وزيراً بلا وزارة فاضطر إلى إنشاء القوة التنفيذية التي بدأ تحفظ الأمن مما لم يعجب – الرئيس- أبا مازن فاعتبرها قوة خارجة عن القانون !.

ما فعلته حماس في التصدي لزعران دحلان والأمن الوقائي أثبت أنها قادرة على تحمل المسؤولية وبشكل مشرّف على الرغم من الحصار الأمريكي والإسرائيلي والعربي المتأمرك والعملاء من الفلسطينيين .

والمثير للاشمئزاز أن أنديك يقلب الحقائق فيقول " فلما أصبح التشارك في السلطة أمراُ متعباً قامت ميليشيات حماس بعمل انقلاب عسكري وفتنة " بل نقول والحقائق واضحة : لما رأت" فتح " ومن تعمل لصالحهم أن "حماس" تزداد ثباتاً في العمق الفلسطيني طلبت من السعودية أن تشرف على الاتفاق النهائي قبل شهرين - الذي سمي اتفاق مكة – وتبين فيما بعد أن " فتح " أرادته غطاء لانقلابها على حماس ووقتاً تستفيد منه لترتيب ضربتها المزمعة وهذا سمير مشهراوي يخرج " الخبء" حين هاجم السيد هاني الحسن فقال : أن هاني الحسن أخبر الأخ خالد مشعل بانقلاب تدبره فتح لحماس ، ونعته بالخيانة لفتح ونسي مشهراوي أو تناسى أن الانقلاب الذي كانوا يودون القيام به ضد حماس خيانة للعهد الذي أبرموه مع حماس ، فلماذا يُعتبر المحافظ على العهد – أمثال السيد هاني الحسن – خائناً ، ولا يعتبر الذي يعمل بالخفاء فينقلب على العهود والمواثيق خائناً ؟!!!

لم تكن حماس تريد السيطرة على غزة كما يدعي مارتن أنديك بل كان رئيس الوزراء "هنية " حتى اللحظة الأخيرة يتصل بعباس ، ويستشيره في كل أمر ، وينبهه إلى ما يفعله الأمن الوقائي وجماعة الرئاسة وزعران دحلان من زعزعة للأمن وقتل وتعذيب ونشر للخوف والفزع في أبناء غزة . كانت الحكومة الوفاقية معطلة حتى إن وزير للداخلية بعد الاتفاق الأخير قدم استقالته حين تأكد أن هناك من يسعى لإفشال الاتفاق ...ثم لا ننسى أن الهبات المالية كانت تغدق على دحلان والحرس الرئاسي لتقويته وإضعاف الحكومة بكل الوسائل .

أمّا أن إسرائيل لا تريد التضييق على أهل غزة فهذا أيضاً يكذبه التصريحات الصادرة عن الإسرائيليين وعباس وحكومة طوارئه والإدارة الأمريكية والتي تكررت على لسان كبار مسؤوليهم في أن الاعتناء بالمواطن في الضفة الغربية الذي يقابله التضييق على الفلسطيني في غزة قد يؤزم الموقف فيها ويؤدي إلى التذمر ، ثم الثورة على الحكومة الشرعية . وعلى هذا فالمواطن الفلسطيني عند الانقلابيين الفتحاويين الفاشلين – مع احترامنا للعناصر الوطنية فيها - لا قيمة له ، فليجعْ وليتألمْ مادام هذا الألم وهذا الجوع يوصلان إلى الثورة على االإسلاميين . وبهذا يتبين إنسانية هؤلاء الانقلابيين الوصوليين أصحاب مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " ويبدو أنهم وأسيادهم أحسوا بالخطأ الفادح الذي وقعوا فيه فعرّاهم حين صرّحوا بهذا الأمر فعادوا يلحسونه ومن ثَمّ ينفونه .

أما النظام المصري فقد صدق فيه أنديك – وهو كذوب – فما يفعله النظام المصري من اعتقالات في صفوف الإسلاميين ، وتلاعب بالانتخابات المصرية ، والتضييق على الإسلاميين أمر يزداد شراسة فالعلمانية لا تريد نظاماً إسلامياً على تخومها يعضد مثيله في مصر ، لكنّ "حماس" كانت واقعية في التعامل مع مصر فقد رأوا من إخوانهم في مصر كل عون ، وقد ذكر المقربون من الأمن المصري أن قادته كانوا ممتعضين من دحلان الذي قد ثبت أنه كان يحاول زعزعة الأمن والاستقرار فيها . وقد نبهت حماس المصريين إلى ذلك

أما أن حماس ستحاول جمع كل أشكال الإرهاب وجماعاته فهذه نغمة ممجة بتنا نسمعها كثيراً ، وما عادت تنطلي على الأمة ، وماذا يقول العدو غير هذا ؟ فالإسلاميون عندهم إرهابيون ، وكل مسلم يحب دينه لا يرضى للغرب أن يستبيح بيضته ، ولا يسكت على الضيم ، ويجاهد في سبيل الله كل عدو لله وكل عدو يحتل أرضه ويسلب حقه . ومن العجيب أن يوصف من يعتدي على حقنا ويذل أمتنا حراً شريفاً خيّراً ، ويكون من يدافع عن دينه ووطنه وأمته إرهابياً معتدياً !!!

وأنديك هذا يستعدي الجميع على الفلسطينيين لأنهم لا يرضون الدنية ، ولا يسكتون عن حقهم ، ولا يذلون لباطل ويتمنى للمسلمين- وحماس منهم – ويتمنى لهم نهاية مفجعة على أيدي الإسرائيليين والنظام المصري . أما الإسرائيليون فقد قال الدكتور الزهار في لقاء إذاعي : ليبدأوا ، وسيجدون ما لا يتوقعون ، وأما المصري المؤمن فلن يكون معول هدم يهدم ما بناه أخوه ، ولن يكون للظالم عوناً ، وسيفكر النظام المصري كثيراً جداً قبل أن يحاول قطع يده اليمنى ويكون أداة رخيصة للدولة العبرية ، فتربح ويخسر .

وستبقى الحكومة الشرعية في حماس للفلسطيين جميعاً ، تمد يدها إلى الشرفاء من أبناء الوطن بكل أطيافه ، فهي بهم قوية ، وهم بها أقوياء أما الخونة فلهم مزابل التاريخ ولعنة الله والشعوب .

أما القوة فلا بد أن تكون مدعومة بالحق ، والله تعالى يقول : "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم و آخرين من دونهم"... ورحم الله الشاعر الجزائري إذ يقول

 الحق والرشاش إن نطقا معاً ....... عنت الوجوه وخرّت الأصنام

لا نظن "حماس" في ورطة من طرد العملاء ، فقد طال اصطبارها عليهم ، بل نعتقد جميعاً أن ما فعلته تنظيف للجسم من الدم الفاسد ، واستئصال للورم الخبيث الذي يضعف الأمة ، وعملية كان الرجال الأحرار ينتظرونها ..

لما صاح المشرك لنا عزى ولا عزى لكم ، اعلُ هبل ، اعل هبل، نادى عمر بأعلى صوته بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله مولانا ولا مولى لكم ، الله أعلى وأجل ، الله أعلى وأجل .