لماذا نريد النجاح لحماس؟

لماذا نريد النجاح لحماس؟

مازن كم الماز

[email protected]

في الوقت الذي يجزل فيه الغزل و المديح للقوى المعادية لحماس و يجزل فيه العطاء من أولمرت و رايس و ما يسمى باللجنة الرباعية و النظام العربي الرسمي لأي طرف أو حكومة لغرض الإطاحة بشعبية حماس و محاصرتها وصولا إلى إلغائها إضافة إلى محاولة خلق حالة رهابية من مشروع حماس الإسلامي بقصد تبرير تسلط هذه القوى على شعوبنا و الترويج لانسداد أفق التغيير الديمقراطي خارج إطار سيطرة هذه القوى لنقلها بصراحة و بصوت عال أننا نريد أن تتمكن حركة حماس بالفعل من أن "تنجح" , أن تتمكن من بناء حالة سياسية و اقتصادية تشكل النقيض لحالة تسلط سيطرة البيروقراطيات الفاسدة الفردية على شعوبنا حالة تتمكن من تجاوز وضعية القهر و الفساد المفروضة على شعوبنا إلى إرساء حالة بديل يقوم على خيار الشارع و لصالح هذا الشارع..

هنا لا بد من فهم الأسباب التي تحدونا لإبداء هذه الرغبة القوية في نجاح مشروع شعبي يستمد شرعيته من خيار شعبي واضح لا لبس فيه مهما كانت مرجعيته الفكرية في مقابل "شرعية" الأنظمة البيروقراطية التي ترتكز على انتخابات ال 99% و خارج إيهامات الأنظمة و محاولتها إقامة فزاعات لإبعاد "خطر" أي تغيير ديمقراطي عن عروشها و محاولة أمريكا و إسرائيل أن تحول إرادتها إلى الجزء الأهم من شرعية أي وجود أو ممارسة سياسية في منطقتنا..لا بد هنا أيضا انطلاقا من هذا الموقف تحديدا التشديد على ما قد يساعد في تحول هذه الحالة إلى مثال حقيقي للتغيير إلى مثال حقيقي لهذا البديل الديمقراطي الشعبي ( ليس بالمعنى السائد في أواسط القرن الماضي )..

هنا يبقى الأساس في الموضوع أن حماس وصلت إلى السلطة باختيار شعبي و من خارج بيروقراطية السلطة لكن من الحيوي هنا أيضا أن ينتج هذا الخيار حالة مشاركة جماهيرية واسعة تسمح بحل الأزمات جميعها ( على العكس من حالة السلطة الفردية البيروقراطية المدعومة من الخارج ) بما ينسجم مع مصالح هذه الجماهير و أن يكرس حالة تقوم على العدالة و المساواة الحقيقية بين الناس دون أن يسمح بنشوء جيوب لفئات فوق محاسبة و نقد المجتمع خارجة على القانون باسم "القانون"..إن الاختبار تاريخي و لا يمكن هنا أن يسمح بأن تصبح تفاصيل المشروع أكبر من الناس و حالتهم أي أن توضع فوق قضايا الشارع و الوطن..خلافا لتهميش دور الناس العاديين التقليدي أمام سلطان الحكم المطلق يجب أن تصرف حماس اهتمامها إلى إعلام الناس بحقيقة ما جرى و يجري و يجب أن يعامل الجميع سواسية كأسنان المشط و يحاسب أي مسيء أو مخطئ و أولهم المسؤولين عن إعدام سميح المدهون و غيره من كوادر الطرف الآخر و يجب أن تكون مستوى الحرية الفعلية و مستوى المشاركة السياسية للجماهير تحديدا و قدرتها على محاسبة أية سلطة و تغييرها يتناسب مع اعتبار الشارع مصدر الشرعية الوحيد على أرض فلسطين أو كامل امتداد هذه المنطقة..ليس المطلوب من حماس اليوم التخلي عن مرجعيتها الفكرية بل المطلوب أن تخضع لمرجعية الشارع الذي انتخبها أن تتصرف كقوة تغيير لا كمجرد سلطة جديدة..

اليوم لا يمكن سوى الالتصاق بالجماهير و الوطن , قد يكون من الغريب هنا , و المثير للاستغراب , المطالبة بنقل سلطات المؤسسات القائمة إلى الجماهير و كأن ما جرى هو ثورة شعبية على طريقة مجالس العمال لكنني أعتقد أن المخرج الوحيد أمام السلطة القائمة في غزة اليوم هو الالتصاق بالجماهير في مواجهة هذا التحالف الأسود الذي يؤدي إلى تل أبيب و واشنطن مرورا بقصور الفساد المحمية بقوى القمع التي يزعم اليوم بكل صفاقة أنها "القوى الشرعية"..من الضروري نقل صلاحيات جمع الأموال و الغذاء و توزيعها إلى لجان شعبية تمارس دورا قياديا في أماكن العمل و السكن و تعد الشارع لاحتمالات المواجهة مع العدو أي تمارس ديمقراطية شعبية مباشرة و أن تضم هذه اللجان أبناء المخيمات و الشعب المنتخبين و لو كانوا من خارج حماس أو حتى معارضيها..أتمنى لو أني أستطيع أن أخاطب كل حامل للسلاح في شوارع غزة و قياداتهم في حماس و الحكومة و المجلس التشريعي متمنيا ألا يتشبهوا بعناصر انتهاك أمن الناس و كراماتهم في ما يسمى بأجهزة "الأمن" أو المخابرات سيئة السمعة بل إني لأتمنى أن يستبدل كل حملة السلاح من أي صنف كانوا بكتائب شعبية مسلحة بجماهير منظمة مسلحة هذه الجماهير التي ستكون أكثر خطرا على أي غاز من مجموعات المقاتلين المحترفين الصغيرة عدا عن أن هؤلاء المقاتلين غالبا ما يتصرفون كمرتزقة لقادة الفصائل و التنظيمات أو "الأجهزة الأمنية" أو أي حالة فوقية على الجماهير..

إن الفجور السياسي الذي يمارسه إعلام السلاطين و بيروقراطية "السلطة" الفاسدة التي تستخدم الآن فزاعات القاعدة و إيران و "التكفيريين" بوقاحة مستفزة تمثل نفاقا سمجا يحاول بكل الوسائل أن يبرر القمع و الفساد الواقع على شعوبنا و يدعو إلى تأبيده ..ليس لدى اليساريين أو الديمقراطيين أدنى تردد في الوقوف إلى جانب الخيار الشعبي مهما كان مادام يشكل أساسا لشرعية تقوم على مرجعية المجتمع بل و لدى التيارات الأوسع بينهم رغبة شديدة في إنجاح خيار الصراع السياسي القائم على مرجعية المجتمع و تداول السلطة عبر المشاركة الشعبية بغض النظر عن القوى التي يأتي بها هذا الخيار الشعبي إلى السلطة مع ضرورة تنبيه هذه القوى إلى أنها كخيار شعبي عليها ليس فقط أن تلتزم بمصالح هذا الشعب بل أن تقبل دوما بالاحتكام لهذا الشعب و الانصياع لإرادته وأن لا تحول شعبيتها المؤقتة ربما إلى مصادرة لهذا الخيار و لحراك المجتمع في نهاية المطاف..هذا في نظرنا هو البديل الوحيد لواقع السلطة القائمة و لكنه يبقى بديلا هشا مادام إيمان تلك القوى بالديمقراطية و بالشارع مترددا بل و ثانويا أحيانا أمام اشتراطات خطابها الفكري و السياسي و مادامت خيارات هذه القوى ما تزال تراوح أحيانا حول استخدام شعبيتها لصالح تثبيت فردانيتها و إلغاء الآخر