النظام السوري يقع في الحفرة أكثر من مرتين!

النظام السوري يقع في الحفرة أكثر من مرتين!

د. نصر حسن

[email protected]

ظن النظام السوري أن وصايته على لبنان كما استبداده على  سورية أبدياً , غذى ذلك مركزية دوره على الساحتين ,وساعده الغطاء الخارجي الذي توفر له ضمن مرحلة ماضية لها توازناتها , وأطلت مرحلة أخرى بواقع سياسي جديد , لم يتحسس النظام ذلك واستمر العمل بآليته السياسية الأمنية القديمة , وفشل في تصليح نفسه , أي لم يستطع عملياً من التأقلم سياسياً مع الواقع الجديد , وبرزت على السطح اللبناني  بسرعة  كل تناقضات مرحلته السابقة, وبضغط عجزه وفشله في إنتاج البديل السياسي على مستوى سورية ولبنان يمكنه من وراثة المزرعتين , قرر الهروب إلى الأمام , وبدأت عملياً سياسة التراجعات والإخفاقات والطيش الشديد في مواجهة استحقاقات سياسته في لبنان , أضاف إلى الهروب المراهنة الأمنية على ضبط الوضع الجديد في لبنان , ولجأ إلى خيار إبعاد المعارضة بكل الطرق, أخذت في لبنان شكل ثأر وأحداث دامية ,أخطرها كانت عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري , ورغم حجم الكارثة وأبعادها , واجهها بالهروب والأخطر من ذلك بالمراهنة  على دوره الأمني  لتجاوز إفرازاتها وإستمرار وصايته على لبنان , وبدأ مسلسل التهديد.

 هدد الراحل الرئيس رفيق الحريري"بتكسير لبنان فوق رأسه ورؤوس اللبنانيين " وتكسر بعضاً منه,وحدثت الجريمة الكبرى باغتياله , وراهن النظام السوري بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه , على إسقاطين اثنين , الأول إسقاط الحكومة اللبنانية الذي ينتج الثاني وهو إسقاط لبنان كله ,محصلة الإسقاطين هو تعطيل قيام المحكمة الدولية ,وانحصر فعله  ضمن هذا الخيار ولأكثر من سنتين مافتئ يبذل المحاولة "الأخوية " تلو الأخرى, لتفكيك الوضع السياسي اللبناني وإسقاط الحكومة اللبنانية , أملاً بفرض حكومة جديدة على قياس مصالحه , مستمراً بتهديد الأخوة بالثأر والأمم المتحدة وأمينها العام بالحريق , ويقرن رجوعه إلى وعيه "وأخويته "بعدم تشكيل المحكمة الدولية  أولاً وأخيراً , أبلغها دموياً إلى لبنان , ووعيداً رسمياً للأمين العام للأمم المتحدة مهدداً" إذا تشكلت المحكمة تحت البند السابع , سوف أحرق المنطقة من بحر قزوين إلى المتوسط " .

وتشكلت المحكمة الدولية بالقرار (1757) وتحت البند السابع , كان رد فعله النظري الرسمي بأنه غير معني فيها , والعملي  بتنفيذ تهديداته عبر أجهزته الأمنية وعصاباته بارتكاب جريمة الإعتداء على الجيش اللبناني  في مخيم نهر البارد ,  , فعلته تلك التي أراد  منها ضرب لبنان في عموده الفقري لشله وتفكيكه ودفعه باتجاه الحرب الأهلية , صاحبه  صخب تفجيرات متعددة في لبنان مجهولة الفاعل معروفة الملامح ,وآخرها  جريمة اغتيال النائب وليد عيدو وولده وعدد من اللبنانيين ! جريمة أخرى ارتكبت بنفس السياق , ونفس الآلية , ونفس الأدوات ولنفس الهدف "الأخوي" وهو إسقاط الأكثرية اللبنانية عبر تصفية نوابها , ومن ثم  سحب ورقة الأغلبية البرلمانية منها ,وبالتالي نسف شرعيتها العددية على مستوى الحكومة اللبنانية,  ونقل لبنان فعلياً إلى حالة الفراغ الحكومي ومايخلفه من فوضى هي مقدمة لتفجيره , ظاناً أن خزان البارود والعملاء الذي يمتلكه كاف لتفجير لبنان واللبنانيين والمنطقة , وخلق خربطة إقليمية كبيرة يكون هو الطرف المسلح القوي فيها ,لإشاعة الرعب والخوف بين اللبنانيين والعرب والعالم , للرضوخ إلى رغباته والإقرار بحاجة دوره "الأخوي" ووصايته على لبنان " القاصر " من جديد.

ولعل الذي جرى ويجري من تصفيات  ومن قوى الأكثرية اللبنانية تحديداً ,التي تعارض وصايته هو أقرب إلى الإدانة , تفصح عن نفسها بهدفين رئيسيين  , الأول خلخلة المعادلة الدستورية القائمة عليها الحكومة اللبنانية باغتيال نوابها وإفقادها الأكثرية العددية تمهيداً لإسقاطها  , والثاني تعطيل تشكيل المحكمة الدولية التي أقرت بموجب القرار ( 1757)  وتحت البند السابع , وجريمة  اغتيال النائب وليد عيدو هي على هذا الطريق الآثم ,طريق النظام السوري الذي حكم لبنان " أخوياً " لعشرات السنين , والمعروف أنه يملك أجهزة أمنية مخابراتية متمرسة تعرف شعاب لبنان جيداً , ولها رصيد سيئ  من الجرائم والإغتيالات والتصفيات , ويستمر بنفس النهج السابق كما في حماة وحلب وتدمر وتل الزعتر وبرج البراجنة والبارد و... , باختصار يستمر  بحالة طيش مصدرها  القرار (1757) وقلقه من صوت العدالة وقفص المحكمة الدولية , وعلى هذه الأرضية  يتصرف النظام السوري على كافة المسارات.

واليوم في طغيان هذا الجنون وسيلان تلك الدماء وتطاير تلك الأشلاء , يصر النظام السوري على نفس الأداء , الذي يعكس موقفه الثأري من لبنان , ولاأحد يجهل  ماالذي منعه و يمنعه من أداء غير هذا الدور ؟ وماالذي يمنعه من مساعدة لبنان وهو خبير به  وذو تاريخ طويل معروف ؟ لكن موضوعياً  الذي  يمنعه هو أنه نظام محاصر في سورية , ومحاصر في لبنان , ومحاصر عربياً ودولياً , وأيضاً أكثر من ذلك ,هو أنه أصبح محاصراً في خياره الأمني , أي أن الإرهاب أصبح جزءاً من طبيعته , والتفخيخ والقتل أداةً من أدواته , وتفجير لبنان أولى أولوياته ,وعرقلة تشكيل المحكمة الدولية هو محصلة أهدافه .

 وأخيراً  مطلوب من الجميع تحمل مسؤولياتهم أمام سعار نظام مستبد يملك أدوات جارحة متعددة وفاقد كل مقاييس الضبط والمسؤولية , لاغياً من سلوكه كل الخيارات السياسية  , ويتخبط  بمتاهات خياراته الأمنية , ولن يتوقف عن ذلك لافي لبنان ولاسورية ولاالعراق ولافلسطين , بل قد يتمدد أكثر إذا استمر بدون رادع ! مطلوب أداء جديد يتوافق مع درجة تصعيد خطورة الأحداث وسرعتها , والعمل على إشراك العرب والعالم بشكل سريع وواضح وبخطوات عملية إجرائية  بالتصدي للفاعل ومحاصرته  ,  وإبطال مفعول مفخخاته وأحزمته الناسفة وإلغاء دوره, تمهيدا ً للقبض عليه ومحاسبته , وذلك  أصبح  ضرورة للبنان وسورية والعرب والعالم في هذه الظروف الخطيرة الذي يدفع النظام السوري لبنان وسورية والمنطقة إلى الإنتظار على أبواب جهنم.....!.