ومضات محرضة

ومضات محرضة

عبدالله القحطاني

ضحايا الإجرام الأسدي.. وقرابين التخلّص من تَبعاته!

   1) الضحايا :

·             سلسلة الضحايا اللبنانية ، معروفة في لبنان ، منذ دخلت قوّات حافظ أسد إلى لبنان ، في أواسط السبعينات من القرن الماضي ، حتى خرجت قوّات ابنه من هذا البلد الشقيق ، المنكوب بآل أسد !

·             سلسلة الضحايا السورية ، معروفة في سورية ، منذ استلمت أسرة أسد ، مقاليد السلطة في سورية ، بانقلاب حافظ على رفاقه ، في اللعبة السخيفة ، التي سمّاها الحركة التصحيحية ، في أوائل السبعينات من القرن الماضي !

·             المحكمة الدولية على الأبواب ! وقد اكتمل ملفّ الإدانة الصارخة ، لجلاوزة أسد ، بقتل الحريري ، ومَن معه ، ومَن بَعده ، مِن أبناء الشعب اللبناني .. وربّما تمتدّ خيوط التحقيق إلى مقتل مَن قَبله !

·             الضحايا السوريون ، لا تشملهم المحكمة الدولية ! لأن قتلهم بالآلاف ، على أيدي الأسرة الأسدية ، يعَدّ شأناً داخلياً ! إذا تذكّرته منظّمات حقوق الإنسان ، فهذا فضل منها ، ومِنّة ! وإن كان ما يزال محفوراً في ذاكرة الشعب السوري ، وسيظلّ كذلك ، سنين طويلة ، مادام الذي يجب عليه أن يسعى لإزالته ، من صفحة أبيه ، يلهث جاهداً لتعميقه ، ليكون وسامَ نبل وفخار على صدره ، هو أيضا ، كما هو على صدر أبيه !

2) القرابين :

 * هم الضحايا الجديدة ، التي يفكّر آل أسد ، بالتضحية بها ، للتخلّص من عقوبات الجرائم التي ارتكبوها في لبنان !

* الأسماء المرشحة منهم ، هي قيدَ التداول ! فهي خاضعة للأخذ والردّ ، على ضوء المعطيات المتعدّدة ، المحيطة بالموقف كله ! ومِن هذه المعطيات :

- جدوى التضحية بالشخص ، في إبعاد آل أسد عن العقوبة ، أو إبعاد العقوبة عنهم !

- قوّة الشخص ، وأهميّته ، وإمكانية التضحية به ، دون إحداث مشكلات أمنية ، أو سياسية ، داخل أجهزة السلطة الحاكمة ، وداخل الطائفة ، التي تحكم الأسرة البلادَ باسمها!

- قوة الضغوط الدولية على آل أسد ، للتعاون التامّ مع المحكمة الدولية :

(1) فإذا كان الضغط خفيفاً ، مثلاً .. يمكن التضحية بضابط خفيف الوزن والأهمية ..! و( ليس له أمّ تبكي عليه ) كما يقال .. مثل : رستم غزالة !

(2) وإذا كان الضغط أثقلَ قليلاً ، فيمكن التضحية بشخص ، مثل بهجت سليمان ، أو محمد ناصيف !

(3) وإذا ازداد الضغط أكثر من ذلك ، فقد يفكّر الأسدان بشار وماهر ، بضرورة التضحية بصهرهما ، آصف شوكت .. برغم المعارضة الشديدة من أختهما بشرى ، زوجة آصف !

فإن الأمر إذا وصل إلى نواة الحكم ، وهي مجموعة الخمسة ( بشار.. ماهر.. آصف.. أنيسة.. بشرى ) وكان لابدّ من التضحية بواحد منها ، فقد تتعقّد الأمور كثيراً ! فليس من السهل التضحية بآصف ، الغريب عن الأسرة ! وذلك لأنه صار منها ، بالمصاهرة ..! وصار له دعم قويّ داخلها ، يتمثل بزوجته ! وقد تتعاطف معها أمّها ، وقد يشدّ معهما أقرباء الأمّ مِن آل مخلوف ؛ أصحابِ النفوذ الأمني والمالي الواسع في البلاد ! وإذا كانت التضحية ببشار، أو ماهر، غيرَ ممكنة .. فماذا يبقى !؟ ومَن كبش الفداء ، الجدير بأن ينقذ الأسرة من العقوبة ، وينقذها ، بالتالي ، من التفكّك المنتظَر، في حال عدم وجود ضحيّة دسِمة ، مقنِعة للقضاة الدوليين !؟

(5) إذا كان غازي كنعان ، قد ذهب من كيسِه وكيس أسرته ، في مرحلة ( الحَنجَلة !) قبل بداية الرقص .. وإذا كان ناحروه الذين نَسبوا إليه نحرَ نفسِه ، معروفين لدى أهله ! فهل ثمّة مشروع جديد ، قبل بداية المحكمة ، للتضحية بضحيّة جديدة ، من وزن غازي كنعان، (على البَيعة) !؟ وهل هؤلاء المرشّحون ، المحتمَلون ليكونوا أضاحيَ ، على غرار كنعان ، يَعرفون أنفسهم !؟ وإذا عرفوا أنفسهم ، فهل يستطيعون الرفض ، أو التحرّك لإنقاذ حلوقهم ، من رصاصات كتلك التي مزّقت حلقَ غازي كنعان !؟ أسئلة مطروحة على أصحابها ، الذين لا نعرفهم ، لكن لا نتصوّر أنهم لا يعرفون أنفسهم !

(6) ولابدّ ، قبل نهاية هذه السطور، من التذكير بالقلق البالغ ، الذي كان واضحاً في خطاب بشار الأسد ، في بدايات التحقيق الدولي مع أركان نظامه ، حين أشار في خطبة له ، أمام مجلس الشعب السوري السابق ،  إلى الضغوط الدولية عليه ، مِن قِبل المجتمع الدولي : ( إمّا أن تقتلوا أنفسكم .. أو نقتلكم نحن !) . وهذا كافٍ ، للتدليل على أن الضحيّة المرشّح لإنقاذ الأسرة ، لن يكون أبداً من الوزن الخفيف ! وإن كانت الأوزان الخفيفة قد تأتي على سبيل المناورة والتجربة .. مادامت دماؤها لا تكلّف الأسرة الأسدية شيئاً ! وغازي كنعان مثَـل واضح ، لا يَخفى على بصير!

سياسة الأفراد والشعوب .. والسفن الثلاث !

1- سفينة نوح : للنجاة من الطوفان ، نجاة الأفراد ضمن تجمّع عام ، يفرّ من الموت المحتّم ، الذي يجلبه الطوفان ! وواضح أن الناجين هنا ، هم أتباع النبيّ ومصدّقوه، ولو كانوا قلّة ! 

2-  سفينة الخضر وموسى (سفينة الحكمة) : التي كانت لمساكين يعملون في البحر، فأمر الله الخضر أن يخرقها في عرض البحر، لتنجو من مصادرة ملِك ظالم ، يأخذ كل سفينة غصباً ! وأراد الخضر، بأمر من الله ، أن يعلّـم موسى درساً في الحكمة ، ومضمونه : أنْ ليس كل ما يراه المرء صواباً ، أو خيراً ، هو صواب أو خير ،  بالضرورة ! وليس كل ما يراه خطأ ، أو شراً ، هو خطأ أو شرّ ، بالضرورة ! فقد يكون الصواب هو ما يراه الناس خطأ ، والخطأ هو ما يراه الناس صواباً ! وكذا الأمر، فيما يتعلق بالخير والشرّ ! وهذا عائد إلى الحكمة الربّانية ، التي لا يظهر الكثير منها للبشر( وعسى أن تَكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ).

3- سفينة المجتمع المتماسك المنظّم : وهي السفينة التي وردت في الحديث النبوي : مَثل القائمِ على حدود الله ، والواقع فيها ، كمثَـل قوم استَهموا على سفينة ، فأصاب بعضُهم أعلاها ، وبعضهم أسفلَها . فكان الذين في أسفلها ، إذا استقَوا مِن الماء مرّوا على مَن فوقهم . فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ، ولمْ نؤذِ مَن فوقنا . فإذا تركوهم وما أرادوا ، هلكوا وهلكوا جميعا .. وإذا أخذوا على أيديهم ، نجَوا ، ونجَوا جميعاً !

4- ما صلة هذا كله ، بسياسة الأفراد والشعوب :

· سفينة النجاة : إن الفرد يحتاج إلى من يثق به ، ويطمئن إليه ، حتى يسلمه مصيره، ويركب في سفينته ، لينجو بحياته من الأخطار ، بسائر أنواعها ، بما فيها ظلم السلطات الحاكمة ! وليس بالضرورة أن يكون الشخص ، صاحبُ السفينة ، نبياً ! كما ليس بالضرورة ، أن تكون السفينة مادّية ، من خشب أو نحوه .. بل الجانب المعنوي الرمزي ، هنا ، هو الأصل !

· سفينة الحكمة :

ـ الأصل في المجتمعات البشرية ، أن تتصرّف وفق سنن الحياة التي تَحكمها ، آخذةً بالأسباب ، متوقّعة النتائج المترتّبة عليها . وهذا ما فعله موسى حين أنكَرعلى الخضر خرقَ السفينة ، وعدّ ذلك شيئاً عظيماً ، برغم أنه صحِبَه ليتعلم منه :( قال أخَرقتَها لتُغرقَ أهلَها لقد جئتَ شيئاً إمْراً)، فهو نبيّ أوحيَ إليه بشريعة ، فيها قواعد وأحكام وضوابط ! وهذا هو الأصل في السلوك الإنساني عامّة !

ـ الأمور التي يراها الإنسان أمامه ، ولا يدري ما ذا وراءها من الحكمة ، يكِل أمرَها إلى الله ، ويردّد الآية الكريمة : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) .. ففي هذا راحة للنفس ، التي يقلِقها ما تراه من قسوة وظلم وجور، ولا تستطيع أن تفعل شيئاً تجاهه ! وفي هذا التسليم لحكمة الله ، خير كبير في الدنيا والآخرة .. لأنه في الدنيا يَصرف عن الإنسان الإحساس باليأس ، ويدفعه إلى متابعة نشاطه ، واستنفار أقصى ما لديه من طاقات ، ذهنية وبدنية ، للتغلّب على العقبات التي أمامه ، والتي تحول بينه وبين الوصول إلى أهدافه ، النبيلة العليا ، الفردية أو الجماعية ! وفي الآخرة ، ينال الفرد المؤمن ، ثواب التسليم لله ، والتوكّل عليه !

* سفينة المجتمع المتماسك المنظّم :

  وهي الرمز الذي يختزن سنن العلاقات الاجتماعية ، وحياة المجتمعات المستقرّة المتحضّرة المنضبطة ! فالمجتمع ، بسائر أفراده ، كركّاب سفينة في البحر! وأيّ خرق لها ، أياّ كان نوعه : خلقياً ، سياسياً ، اقتصادياً ، ثقافياً ، أمنياّ .. هو جريمة بحقّ المجتمع كله (ركّاب السفينة جميعاً ) ! أياً كان مَن يَخرق هذه السفينة ، حاكماً أم محكوماً ، صغيراً أم كبيراً ، عالماً أم جاهلاً ! وقد وردت أمثلة عدّة ، في كتاب الله ، تذكر نماذج مِن خرق سفنِ المجتمعات ، مِن قِبل الحكام ، ومن قِبل المحكومين! منها، على سبيل المثال ، لا الحصر :

-  عن قادة المجتمعات من الحكّام ، ومَن يماثلهم (الأكابر) : وإذا أردنا أن نُهلك قريةً أمَرنا مُترفيها ففَسقوا فيها فحَقّ عليها القولُ فدمّرناها تدميراً .

  - عن شعب من الشعوب بسائر أفراده : (لعِن الذين كفروا مِن بني إسرائيلَ على لسان داودَ وعيسى ابنِ مريمَ ذلك بما عصَوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهَون عن منكَرٍ فَعلوه لَبئسَ ما كانوا يفعلون) . واللعنة هنا شملت الجميع ، لأن العصاة لم يجدوا في مجتمعهم ، مَن يَردعهم ، أو يقاطعهم ، مِن غير العصاة !

-      (واتّـقوا فـتنةً لا تصيبنّ الذين ظَلموا منكم خاصّة).

-      قال رسول الله (ص) : إذا هابت أمّتي أن تقول للظالم : يا ظالم .. فقد تُودِّعَ منها !

-      قالوا : يا رسول الله .. أنَهلِك وفينا الصالحون؟ قال : نعم.. إذا كثُر الخَبَث.