مطاردة الغزاة القتلة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
قالت الأنباء أن أمراً قضائياً صدر بإلقاء القبض على وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفنى بتهمة ارتكاب جرائم حرب بوصفها من المسئولين عن العملية العسكرية الصهيونية التى شنتها الدولة العبرية على قطاع غزة في آخر ديسمبر 2008م ، واستمرت أكثر من عشرين يوما . وكان فريق قانوني بريطاني قد رفع دعوى أمام القضاء يطالب باعتقال ليفني التي كان من المنتظر حضورها لإلقاء خطاب أمام مؤتمر الصندوق القومي اليهودي ، وذكرت وكالة (معا) الفلسطينية للأخبار؛ أن قرار ملاحقة ليفنى صدر بعد أن تقدمت مجموعة من المحامين يمثلون أهالي ضحايا العدوان الصهيوني الأحدث على قطاع غزة بدعوى ضد وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة ومحاكمتها بوصفها مجرمة حرب.
ونقلت الوكالة عن مصادر خاصة في العاصمة البريطانية قولها إن ليفنى « موجودة الآن في لندن، وأن قوة من الشرطة البريطانية توجهت إليها لاعتقالها ولكن لم تعثر عليها»، وتعتقد المصادر أن اختفاء ليفنى «محاولة لتهريبها قبل أن يتم إلقاء القبض عليها وتقديمها للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب».(صحف يومي 14، 15/12/2009م) .
وقد تكهرب الجو السياسي في الكيان النازي اليهودي في فلسطين المحتلة بعد صدور الأمر القضائي ، وأعلن متحدث رسمي هناك أن بريطانيا بذلك العمل تحرم نفسها من المشاركة في عملية السلام (!) ، وكأن هناك شيئا اسمه السلام ، أوعملية حقيقية تصنع السلام من أصله .. ثم أعلن الإرهابي أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية النازي اليهودي أن العلاقات ستسوء بين بريطانيا والكيان الصهيوني ، وهدد بريطانيا تهديدات مبطنة إذا هي مضت في الإصرار على ملاحقة المجرمين النازيين اليهود القتلة !
التهديد والترهيب والتخويف سمات العمل النازي اليهودي لمواجهة أي موقف للعدالة في أي مكان ، فضلا عن الكذب الذي يقلب الحقائق ، ويحول الضحية إلى جلاد ، والجلاد إلى ضحية ..
وعلى مدى ستين عاما كانت هذه فلسفة القتلة النازيين اليهود ، يقتلون ويدمرون ويطردون السكان ويظهرون أمام العالم أنهم ضحايا ، وأنهم تواقون إلى السلام ، وفي ظل الخيبات العربية المتلاحقة بسبب، عجزهم المصطنع وقعودهم عن العمل والجهاد من أجل قضاياهم وحقوقهم ، استطاع النازيون اليهود أن يحققوا كثيرا من الانتصارات على العرب والمسلمين ، وأن يحولوا هذه الإنجازات إلى حقائق على أرض الواقع يتمسكون بها ، ويعدونها حقا مكتسبا لا تنازل عنه . فالاحتلال يحول الأراضي إلى ملكية صهيونية ، لا تنازل عنها ، وطرد الفلسطينيين ، وتحويلهم إلى لاجئين غرباء ، يقطع الصلة بينهم وبين أرض أجدادهم وآبائهم ، ولا يجيز لهم أن يعودوا إليها مهما كان في أيديهم من أوراق ومستندات وحجج .. ومن بقي في فلسطين المحتلة ويعيش عيشة الأذلاء العبيد ، فهو غريب يجب طرده وتحيّن الفرصة لإلقائه وراء الحدود المؤقتة التي يعملون لتكون دائمة بإقامة دولة النيل إلى الفرات ، والمسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي ، من المقدسات اليهودية التي يجب الاستيلاء عليها ، لأنها ملك الأجداد اليهود قبل آلاف السنين ، وعلى العالم أن يبل قراراته التي تتحدث عن الأراضي المحتلة ويشرب ماءها .. وهكذا يصير الضحية جلادا والجلاد ضحية !
إن مواجهة الغزاة اليهود القتلة يفرض على كل المسلمين وأصحاب الضمير في العالم أن يتحركوا لمطاردة الغزاة القتلة بالوسائل القانونية المتاحة ، ويجب أن يأخذ المواطنون الذين يؤلمهم الإجرام النازي اليهودي وتجلياته الشيطانية زمام المبادرة للعمل ؛ كل بما يستطيع وما يقدر عليه لوقف المجازر الدموية والإبادة الجماعية التي يمارسها القتلة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ، وعدم اليأس أمام التواطؤ الذي يصدر عن بعض الدول والجهات التي تخضع للسيطرة اليهودية ..
لقد كانت المحاولات القليلة على مدى الأعوام القليلة الماضية ، مع أن بعضها لم ينجح حتى الآن ؛ أداة فعالة في دفع القتلة اليهود إلى بذل جهود جبارة لتغيير قوانين بعض الدول الأوربية الخاصة بملاحقة مجرمي الحرب اليهود ، وقد حاولت بعض المنظمات البريطانية تقديم دعاوى ضد وزير الحرب الصهيوني إيهود باراك في أثناء زيارته الأخيرة إلى لندن ولكنها لم تنجح ، وسبق أن تمكنت من استصدار أمر اعتقال بحق الجنرال الصهيوني دورون ألموج الذي كان على متن طائرة قادمة إلى لندن ، ولكنه رفض النزول من طائر "العال" العبرية ، وعاد أدراجه إلى تل أبيب . هناك بطبيعة الحال أساليب أخرى يمكن أن تحقق نجاحا ملحوظا في مطاردة الغزاة القتلة اليهود ، وها هي محاولة منظمات حقوقية إقليمية ودولية عملت باسم أهالي الشهداء والمصابين الفلسطينيين على استصدار أحكام بحق المسئولين الغزاة القتلة اليهود ، من المحاكم الأوروبية بهدف إلقاء القبض عليهم أثناء زيارتهم للعواصم الأوروبية ومحاكمتهم.
إن هروب ليفني في أرجاء لندن خوفا من القبض عليها يمثل أول الطريق لمطاردة القتلة النازيين اليهود ، ومطاردتهم إلى آخر العالم ، وأعتقد أنه آن الأوان ليقوم أصحاب الضمير في بلادنا العربية باستصدار أحكام مشابهة من محاكمنا العربية ؛ للقبض على كل مسئول يهودي شارك ولو أدني مشاركة في قتل الفلسطينيين وإصابتهم وإذلالهم بالحصار أو الاعتقال أو الملاحقة ..
لقد كانت ليفني المجرمة تفاخر بعد أسبوعين من العدوان النازي اليهودي على غزة، بأن قتل الفلسطينيين عمل جيد ، وكذلك قتل كل من يمس بأمن الكيان النازي الصهيوني الغاصب في فلسطين ! ولم تكن تتوقع أن يتوجه إليها البوليس الإنجليزي ليقبض عليها ويقدمها للمحاكمة ، نتيجة الجرائم الوحشية التي ارتكبها جيش الدفاع النازي اليهودي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة !
لقد أعجبني ما قاله حافظ الكرمي رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا: "إن الزمن الذي كان فيه مجرمو الحرب الصهاينة يتجولون في المدن الأوروبية بكل حرية قد ولى ، وإن قادة الاحتلال سيجدون أمامهم من يذكرهم بجرائمهم التي ارتكبوها ضد الأبرياء والأطفال من الفلسطينيين".
والآن فإنه لا يجوز للعرب أن يتقاعسوا بينما العالم الغربي الذي يعد في الجبهة الأخرى يحاول أن يعاقب الغزاة النازيين القتلة ، إنه من المشين أن تفرش بعض الدول العربية السجاد الأحمر لاستقبال القتلة والتفاوض معهم .. هذا عيب بل عار على بعض أهلنا أن يفعلوه مهما كانت الضرورات التي تفرض ذلك.
لقد تظاهر العشرات من رؤساء المنظمات البريطانية والفلسطينية والناشطين الغربيين في العاصمة البريطانية احتجاجًا على زيارة ليفني رافعين لافتات تندد بالكيان الصهيوني وسط هتافات تصف ليفني بالإرهابية. ولم يكتف المتظاهرون بذلك بل كشفوا عن عمليات الصندوق القومي اليهودي الذي جاءت ليفني إلى لندن لتلقي كلمة في اجتماعاته ، فقالوا إن هذه العمليات أدت إلى استيلاء العصابات الصهيونية على معظم أراضي القرى الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948 ؛ مؤكدين أن أصحاب هذه الأراضي هم أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأمم المتحدة. كما ذكروا أن الصندوق شارك في تدمير كثير من القرى الفلسطينية وإبادة أهلها وإخلائها من سكانها ، وانتهاك القانون الدولي وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي تعد مصادرة الممتلكات والتطهير العرقي وتدمير المنازل جرائم حرب يحاكم مرتكبوها. كما أشار فرع بريطانيا للمنظمة العالمية ضد الصهيونية أن الصندوق القومي المذكور يلعب دورًا محوريا في احتلال فلسطين ، ويسهم في الفصل العنصري والجرائم ضد الإنسانية ، وطالب الفرع بمحاكمة ليفني لدورها في العدوان الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي على لبنان وقطاع غزة. وقالت هولي ستيفنس الناطقة باسم الفرع البريطاني لحركة التضامن الدولية: "إن ليفني والصندوق القومي اليهودي يتحملان مسئولية كبيرة عن الفظائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة".
أليس من العار أن يفعل البريطانيون ذلك وأمتنا العربية المسلمة نائمة في العسل ؟