طريق دمشق – تل أبيب،
هل باتت سالكة في الاتجاهين؟!
عريب الرنتاوي
عادت المفاوضات مع سوريا لتحتل مكانة متنامية على جدول أعمال "المؤسسة" في إسرائيل، فلا يكاد يمضي يوم واحد من دون أن يصدر تصريح أو تقرير أو خبر، من دون أن ينشر "تقدير استراتيجي" أو تتسرب أنباء عن توصيات محافل أمنية وعسكرية وسياسية تذهب في معظمها في اتجاه ترجيح كفة التفاوض مع دمشق على مواجهتها أو الاستمرار في التنكر لمبادراتها وتحذيراتها على حد سواء. منذ اغتيال الحريري وحتى أسابيع مضت، أدار المستوى السياسي الإسرائيلي ظهره لمبادرات التفاوض مع سوريا، سخر من منها وشكك في أهلية ونوايا القائمين عليها، بعض القادة الإسرائيليين أرجع هذا الموقف إلى ضغوط أمريكية تهدف إحكام طوق العزلة حول سوريا، وبعضهم لم ير في العروض السورية لاستئناف المفاوضات سوى بالونات اختبار هدفها كسر أطواق الحصار الدولي المضروب على سوريا، من خلال إطلاق عملية سياسية مطلوبة في ذاتها وليس لنتائجها. اليوم تبدو النغمة مختلفة تماماً في إسرائيل، فالحديث في الشأن السوري تخطى السؤال حول ما إذا كان يتعين فتح قناة للمفاوضات أم لا، إلى تفاصيل من نوع: مفاوضات مباشرة أم عبر وسيط، أي وسيط، القناة السويسرية أم التركية، فرص الاتفاق وشروط وأثمانه، وبالأخص ما المطلوب استراتيجيا من سوريا لقاء استعادتها للجولان.
قبل أولمرت، تفاوض ثلاث رؤساء حكومات مع الأسد الأب، رابين الذي ترك خلفه وديعته المعروفة، ونتنياهو الذي راهن على الحل مع سوريا لتفادي استحقاقات المسار الفلسطيني، وباراك الذي لم يختلف عن رابين في مقاربته، وآثر فتح الملفات مع سوريا بعد أن لاحت في الأفق بوادر فشله في الوصول إلى "صفقة" على المسار الفلسطيني، والأرجح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك وهو يقلب في أوراقه، الثمن المطلوب دفعه لسوريا، لكنه على الأرجح منهمك في مسعى رفع أسعار الفائدة على دمشق، ومضاعفة الفواتير السياسية والأمنية التي يتعين تحصيلها قبل السماح للأسد الابن بوضع أقدامه في مياه طبريا عملاً بوصية والده المعروفة.
هل سينتهي الجدل في إسرائيل إلى شق قناة تفاوضية جادة وجدية مع دمشق؟، أم أننا أمام مناورة يقوم بها رئيس حكومة منتهية ولايته فعليا وإن ليس بصورة رسمية ؟!...هل جاهزية إسرائيل للسلام مع سوريا متحققة؟ وهل هي أفضل من جاهزيتها للسلام مع الفلسطينيين؟...هل نحن أمام محاولة إسرائيلية للهرب إلى الأمام، كأن تهرب من استحقاقات عملية السلام في الضفة الغربية بفتح ملف الجولان والسلام شمالا؟!...هل تتصرف إسرائيل فعلاً بوحي الخشية من احتمال اندلاع حرب خاطفة على الجبهة السورية أو فتح الجولان "لمقاومة وطنية سورية" تمتد إلى لبنان؟!..كيف سينعكس تحريك المسار السوري على المسار الفلسطيني المعطل والمثقل بالعشرات من العراقيل؟!...هل نحن أمام لعبة إسرائيلية جديدة تندرج في سياق "القراءة الجديدة" للولايات المتحدة ومحور المعتدلين حيال دمشق، تقول بإمكانية – وأحيانا بضرورة – فصل سوريا عن إيران وحلفائها في لبنان وفلسطين، عملاً بتوصيات بيكر – هاميلتون – معدلة – وهو الأمر الذي لاحظناه في تحسن علاقات بعض عواصم الاعتدال العربي مع دمشق مؤخراً، ومن على قاعدة الاقتناع بأن خطط "تغيير النظام" في سوريا لم تعد ممكنة، وأن من الأفضل الرهان على "تغيير السياسات" مع كل ما يتطلبه ذلك ويمليه من ضغوط وإغراءات؟. أسئلة وتساؤلات من السابق لأوانه التكهن بوجود إجابات قاطعة حولها، لكن المؤكد أن دمشق تمر الآن في وضع إقليمي ودولي أكثر هدوءاً مما كانت عليه قبل بضعة أشهر، خصوصاً وأن التقديرات الجادة بشأن أزمة شمال لبنان وفتح الإسلام تذهب باتجاه عدم تحميل سوريا المسؤولية أقله من قبل واشنطن وتل أبيب والعواصم الأوروبية، التي لم تأخذ على محمل الجد الاتهامات الرعناء فريق الرابع عشر من آذار لسوريا في هذا الصدد.