إعلان دمشق – بيروت

إعلان دمشق – بيروت،

بيروت – دمشق.. معاناة شعبين

حسن الهويدي*

[email protected]

لم يكن دخول (جيش النظام السوري) إلى لبنان من أجل الشعارات التي رفعها حافظ الأسد، وإنما لثقة هذا النظام الأكيدة أن لبنان أهم بكثير من جميع أوراقه بما فيها الجولان (دورا وإستراتيجية).

هذا التدخل المخابراتي /العسكري طيلة أعوام طويلة أصاب العلاقات بين الدولتين والشعبين بخلل واضح ترك أثرا سلبيا على العلاقة بين الشعبين الجارين، واخص  بالذكر هنا معاناة الشعب اللبناني من ذلك الوجود، حيث أطلقت يد المخابرات السورية وافلت لها العنان، تعيث فساداً وإفسادا في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللبنانية.

فعمل على اختراق البنى الاجتماعية والثقافية، لصهرها وإعادة إنتاجها بما يتوافق مع مصالح تلك الأجهزة، وشبكات المافيا التي تقف وراءها، محولا "لبنان الدولة" إلى "حديقته الخلفية"، وممعنا في تعميق الفرقة بين أبناءه، ممارسا سياسة تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ. تاركة إرثا ثقيلا على اللبنانيين يلح على ذاكرتهم وعلى وجدانهم، ومؤثرة سلبا على علاقة الشعبين، ومصالحهما الحقيقية.

"السلطة الأمنية" أضحت اليوم، تعيش وتراهن على أثرها الذي تركته في لبنان، تحرك أشياعها كيفما تشاء فشبحها متواجد على كل شبر من الأرض، تراه ولا تراه، فهو الآن من النسيج الأهلي وخارجه، وليس غريبا أن الكثير من اللبنانيين ما زالوا يعيشون هاجس ذلك التواجد، رغم الانسحاب العسكري القسري للقوات السورية نتيجة الضغط اللبناني الشعبي، والضغط الدولي، بعد عملية الاغتيال الوحشية التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري.

خمسة عشر عاماً والشعب اللبناني يعاني من القمع والاستبداد كما يعاني الشعب السوري طيلة أربعين عاما من حكم البعث، وحكم الفرد المستبد، الذي حكم البلد، عبر أساليب القهر والقتل والتهجير، وليس مثال حماة ببعيد، فسيرته يعرفها اللبنانيون، والفلسطينيون، والسوريون، أودعهم السجون، واعدم في تدمر العديد منهم، بتهمة معاداة الثورة وأهدافها ، الثورة التي قدمت الشعب السوري واللبناني والفلسطيني على مذبح واحد هو القهر والجوع وانعدام الكرامة.

هذا التاريخ، وهذا الخلل في علاقات البلدين والشعبين، أدى بمثقفين سوريين ولبنانيين إلى طرح وثيقة سميت فيما بعد إعلان دمشق- بيروت، بيروت- دمشق، حاولوا فيها وضع الأمور في نصابها وإصلاح العلاقة بين البلدين الجارين على أساس العلاقة الندية بينهما وحفظ الاستقلال الوطني لكليهما وتقديم الاعتذار عن ما جرى من أخطاء وتجاوزات في العلاقة بين البلدين، بما فيها "الأخطاء والتجاوزات" التي صرح بها الرئيس السوري في خطاب الانسحاب عام 2005، ولكنه لم يعمل أي شيء من أجل إصلاحها أو تصحيحها، أو حتى الكشف عن ماهيتها.

عامُ مرّ على إعلان دمشق/ بيروت، حيث تداعى طيف واسع من أصحاب الرأي في سوريا ولبنان، توافقوا خلالها على ضرورة العمل قولاً وفعلاً، من أجل تصحيح جذري للعلاقات السورية اللبنانية، التي أصابها الخلل نتيجة التواجد العسكري والأمني السوري طيلة خمسة عشر عاماَ.

وتاليا اتهم من وقع على إعلان دمشق.. بيروت بالخيانة، جريمتهم أنهم طالبوا السلطة بالكف عن التدخل بشؤون الشعب اللبناني وبإقامة العلاقات الطبيعية والمتساوية بين الشعبين والدولتين.وكل سوري يتصل بقوى /14/ اذار او يتحدث عن الشأن اللبناني، يعتقل ويحاكم بمواد تجرمه على انه يتصل بدولة معادية، أو اضعاف الشعور القومي حسب المواد التالية/285/و/307/و/287/ .

وهذا ما حصل مع المعتقل الأستاذ الباحث" ميشيل كيلو"والمناضل "محمود عيسى" اللذان حكما بالسجن ثلاثة سنوات ، أما خليل حسين وسليمان شمر فحكما بعشرة سنوات.

أماالمعتقل "فائق المير" عضو الأمانة المركزية في حزب الشعب الديمقراطي السوري،و يحاكم حاليا بتهمة الاتصال بدولة معادية "لبنان"، وجريمته انه حضر مع وفد للتعزية بوفاة المناضل الكبير الراحل جورج حاوي.

أخيرا وبما ان المواقف السياسية للنظام السوري، تعاني من التخبط وعدم الاتزان بما يتوافق ومصلحة الشعبين،  بسبب العزلة الدولية والإقليمية التي تعاني منها السلطة، والمحكمة الدولية الضاغطة الآن، فان السلطة مرشحة لأن ترتكب حماقات بحق المناضلين المعارضين في سورية، لذا.. يتوجب علينا جميعا ان نتضامن مع معتقلي إعلان دمشق.. بيروت. والأستاذ فائق علي أسعد (المير) وكافة المعتقلين في سجون النظام، والمطالبة الفورية بإطلاق سراحهم فوراُ ، كما يتوجب علينا العمل لكشف مصير المعتقلين المفقودين السوريين واللبنانيين في السجون السورية وطي كافة الملفات المتعلقة بهم، والعمل أيضا على إيضاح الفرق بين الشعب والنظام في سبيل عدم التضييق على العمال السوريين البسطاء الذي أحوجتهم خطط هذا النظام في التجويع والقهر. وحمايتهم من قبل الدولة اللبنانية، ومحاسبة كل من يعتدي عليهم، وتفعيل بنود الوثيقة العشر من حيث القول والفعل، وتركيز دعائمها على الأرض ، لتكون رديفا لإعلان دمشق للتغير السلمي الوطني الديمقراطي، ومبادرة المناضل الكبير رياض الترك.

              

*سجين سابق وكاتب سوري