نظام الزمرة الأسدية يُعيد إنتاج الهزيمة

نظام الزمرة الأسدية يُعيد إنتاج الهزيمة

مسارات الخروج من الكابوس الحزيرانيّ

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

بعيداً عن الفلسفة الشاذّة لنظام البعث الأسديّ، لا يمكن لأي عاقلٍ عربيٍ ومسلمٍ أن يُنكِرَ إحساسه العميق بالهزيمة الحزيرانية المنكَرة، التي صنعها لنا نظام أحادي شموليّ بعد أن سيطر على مفاصل الدولة وأنفاس شعبها، واستخدم الدبابة وسيلةً للقفز إلى السلطة واقتحام القصر الجمهوريّ، بدل أن تكون وسيلةً لتحرير الأرض والعِرض والإنسان.. وهكذا، فقد بدأت الهزيمة تتغلغل في أحشائنا منذ أن قفز العسكريون إلى كرسيّ الحكم، فارّين من مواقعهم التي يجب أن يكونوا فيها عند جبهات الدفاع عن الوطن والشعب والأمة!.. وتقدّمت بنا الهزيمة إلى أعماقٍ جديدةٍ من الهاوية، مع تقدّم القافزين إلى السلطة في مشروعهم الاستبداديّ، بدءاً من تنفيذ نظرية الحزب الحاكم القائد الوحيد للدولة والمجتمع، فاختصروا الوطنَ في الحزب الحاكم، والدولةَ في شخص الضابط العسكريّ المغتِصِب للحكم، والشعبَ في المنتمين إلى عصابات الحزب والزمر المقرَّبة منها، التي تمارس الطواف حول الكرسيّ الذي يتشبّث فيه ربّهم البعثيّ الأسديّ الجديد!..

في المفهوم الشاذّ لنظام البعث الأسديّ لم تكن هناك هزيمة، فما دام الحاكم البعثيّ بقي حاكماً، وما دام وزير الدفاع -المسؤول الأول عن الانكسارات والهزائم- بقي في موقعه، ثم رُقِّيَ إلى رتبةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ أعلى، وتوِّجَ رئيساً للجمهورية مدعوماً من قِبَل العدوّ الصهيونيّ والنظام الغربيّ والدبابة المسروقة من الجيش الوطنيّ السوريّ.. ما دام الأمر كذلك، فنحن لسنا نعيش واقع الهزيمة، بل واقعات الانتصارات المتتالية، حتى لو ضاع نصف الوطن، وأهدِرَت مع ذلك الكرامة الإنسانية الوطنية!..

حين تمرّ الذكرى الحزيرانية كل عام، يقفز إلى أذهاننا فوراً، أنّ هزيمة حزيران كانت هزيمةً للنظام السياسيّ، وللمنهج الحاكم، وللنظريات الاستبدادية القائمة حتى هذه اللحظة.. فليس أخطر على الوطن وشعبه من حاكمٍ مستبدٍ يصادر الحرية والكرامة، وينتهك الحقوق الإنسانية، ويسدّ منافذ الانفتاح السياسي والاقتصادي والمدني، ويُطبِق على أنفاس العباد، ويتاجر بالوطن وأهله، ويُشرع كلَّ الأبواب أمام الفساد الاقتصادي والإداري والسياسي والأخلاقي والتربوي والتعليمي والثقافي والاجتماعي والمالي.. ثم يورِّث كل هذه الكوابيس إلى الولد الغرّ والزمرة الفاسدة وشركاء السوء من بعده، فيكملون مشوار الفساد والهزائم، ويحوِّلون الوطن ومصيره إلى ركامٍ يتطاير مع كل نسمةٍ داخليةٍ أو خارجية!..

لقد أنتج النظام الأسديّ لشعبنا وأمّتنا هزائمَ يصعب حصرها، ما أهون الهزيمة الحزيرانية أمامها.. فحرب حزيران هزمت سياجاتٍ خارجيةٍ للوطن، أما الحرب المستمرّة التي يشنّها النظام الاستبداديّ ضد الوطن وأهله منذ أكثر من أربعةٍ وأربعين عاماً، فهي تهزم شعبنا هزيمةً داخليةً تُعتَبَر الأساس لكل الهزائم.. لذلك، فالنظام الحاكم، كان وسيبقى مسؤولاً عن كل هزيمة، لأنه غرس الحجر الأساس لها، فهو نظام يقوم في كل لحظةٍ بإعادة إنتاج الهزيمة الحزيرانية السوداء!..

الخروج من الكابوس الحزيرانيّ، وإيقاف صناعة الهزائم التي يُنتجها النظام الأسديّ على مدار الساعة القمعية الاستبدادية.. لا يقوم إلا على أنقاض الحكّام المهزومين، وأنقاض منهجهم الأحاديّ الشاذّ، وأنقاض كل ما يصنعونه لنا من فسادٍ متعدّد الأشكال والألوان!..

الخروج من كابوس الهزيمة الحزيرانية المنكرَة، لا يتم إلا بإزالة أسبابها.. إذ لابد من دحر الاستبداد والفساد، وكشف حقيقة الحكّام المغتَصِبين للحكم والوطن، والمزوِّرين لإرادة الشعب.. ولابد من سحق عوامل الهزيمة وأصحابها، الذين فرضوا علينا -بالقوّة- قوانين الطوارئ والأحكام العُرفية والمحاكم الاستثنائية والقانون رقم 49 لعام 1980م، وارتكبوا مذابح حماة وجسر الشغور وسجن تدمر ومثيلاتها، وأنتجوا لنا المقابر الجماعية والتهجير الجماعيّ والمعاناة الإنسانية بكل أبعادها، من اعتقالٍ وإخفاءٍ وقتلٍ واعتداءٍ على مختلف الحُرُمات.. لابد من دحر اللصوص الذين صنعوا لسورية وشعبها الفقرَ والبطالةَ والنهبَ والفسادَ المتعدّد الوجوه.. لابد من التحرّر من ربقة الإعلام الأحاديّ المتخلّف، ومَحْق أصحاب المنهج الاستئصاليّ الإقصائيّ.. لابد من الضرب على أيدي الحكّام الذين حوّلوا سورية كلها إلى أرضٍ مشاعٍ يعيث فيها الصفويون والفرس فساداً وتغلغلاً واحتلالاً واستيطاناً وخلخلةً للتركيبة السكانية السورية.. ولابد من بناء دولةٍ حديثةٍ قويةٍ قائمةٍ على وحدةٍ وطنيةٍ متينة، تزول فيها أسباب الظلم والاضطهاد والعزل والتمييز الطائفيّ والإثنيّ والسياسيّ والثقافيّ والفكريّ.. ولابد من معالجة التخلّف الاقتصادي والقضاء على الفساد والفاسدين.. ولابد من إعادة العلاقات الأخوية الطبيعية مع الدول الشقيقة العربية والإسلامية، وإعادة العلاقات النديّة مع المجتمع الدوليّ، ضمن حالةٍ من الاستقلال الوطنيّ الحقيقيّ.. ولابد من إعادة القضية الفلسطينية إلى حضنها الحقيقيّ العربيّ والإسلاميّ!..

نظام الزمرة الأسدية عدوّ لسورية وشعبها ما يزال يمارس في حقهما العدوان، مُنتِجاً لنا الهزائم المتتالية، الأمر الذي يدعو كل سوريٍ للانخراط في مشروعٍ وطنيٍ عامٍ واسع، ينضوي تحت لوائه كلُ أبناء سورية، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، فلا سبيل للخروج من كوابيس كل تلك الهزائم المستمرّة، إلا بإزاحة صانعها العدوّ الحقيقيّ.. فضلاً عن (إزالة آثار العدوان).. عدوان نظام الاستبداد الأسديّ وزمرته المتسلّطة على رقاب السوريين!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام