أوباما مالئ الدنيا وشاغل الناس

أوباما

"مالئ الدنيا وشاغل الناس"

د. أديب طالب *

[email protected]

عندما وصف "ابن رشيق" المتنبي بهذه الكلمات، لم يخطر له إطلاقاً، أن تلميذاً في المقال السياسي، سيستعيرها منه بعد أكثر من ألف عام، وكما تعلمون، كان ابن رشيق أحد أعمدة النقد الأدبي في عصره، وكان كتابه "العمدة" من أهم ما كتب في تاريخ النقد. ليس ثمة صلة بين المتنبي وأوباما، اللهم عدا انطباق كلام صاحب "العمدة" عليهما معاً.

بعدما نجح أوباما، في انتخابات الرئاسة الأميركية، وبطريقة هي الأرقى ديموقراطياً حتى الآن، صفق له كل الأميركيين، وصفق له كل العالم، لم نأخذ في حسابنا "طالبان" ولا "القاعدة" ولا المهووسين بإحياء الخلافة الإسلامية، ولا الحالمين بإحياء المشروع القومي العربي، أبناء "الرسالة الخالدة"، والتي تم دفنها في حزيران 1967، ولا جماعة كيم ايل، ولا جماعة الحرس "الباسيج"، فكل هؤلاء أقرب للقرون الوسطى منهم الى القرن الواحد والعشرين.

بعد لحظات من ذاك التصفيق للرئيس، بدأ الأميركيون ومعهم أحرار العالم، التنافس والتباري بالنقد والمحاسبة والاستجواب لمن صفقوا لنجاحه، حول مصداقية وعوده التي قطعها آن ترشحه، ومدى وفائه بها بعد فوزه، وهذا شأن كل المجتمعات الديموقراطية الحديثة، وإلا لما استحقت شرف اسمها.

في المجتمعات الديكتاتورية، يتبارى الناس في الخوف من الحاكم، أو في مدحه، أو في السوءين معاً، وهذا أمر ليس من الندرة بمكان، في منطقتنا السعيدة الآمنة الواعدة. ولسنا هنا في صدد المقارنة بين المجتمعات، إلا أنه لا بد من التنويه السالف.

النقد للرئيس أوباما لا يجامل ولا يتجمل، ودليلنا هنا، واضح وقريب المنال. الناخبون في المجتمعات الديموقراطية، لم يكتفوا بالنقد اللفظي لرؤسائهم، وانما قد جسدوه بمواقف عملية، عندما لم يجد الناخبون الأميركيون نضجاً كافياً قريباً لثمرة أوباما التغييرية الحوارية داخل أميركا وخارجها، أوقعوا الرئيس وحزبه الديموقراطي بنكستين جزئيتين حيث خسر انتخابياً حاكميتي ولايتي نيوجرسي وفرجينيا، وكان هذا بمثابة انذار لاحتمال خسارته "انتخابات منتصف الولاية الرئاسية" في تشرين الثاني نوفمبر 2010، وهذا ما قد يؤدي الى خسارة حزبه السيطرة الراهنة على واحد من مجلسي الكونغرس أو الاثنين معاً. لم يكتف الناخبون بالتذمر والتحسر والهجاء، كما يفعل ناشطو الحرية في المجتمعات الديكتاتورية، وانما حاسبوا رئيسهم وحاكموه ونفذوا حكمهم فيه دون تباطؤ أو تأخير، أتاحه لهم نظامهم الديموقراطي، وليس هذا هو السر الوحيد لتخطي الرأسمالية أزماتها، ولكنه سر رئيس.

الحديث عن الرئيس أوباما هو الشغل الشاغل لناس السياسة في أميركا، صقورهم وحمائمهم: "انه رئيس متردد"، "انه رجل تسويات ولا يملك الجرأة على القتال"، "لا ...انه مؤيد لحرب ومعاد لحرب رغم وعده بالعداء لها". يقول روبرت كاغان من معهد كارنغي للسلام الدولي: "يرى الكثيرون منا أن الحوار الذي بدأه الرئيس يقصد مع إيران هو نهاية في حد ذاته، وليس وسيلة للوصول الى النهاية. ورد في كتاب "الجرأة على الفوز" للمدير السابق لحملة أوباما الانتخابية ديفيد بلوف: انه مثالي ولكنه في نفس الوقت براغماتي هادئ، وواثق من نفسه، متأن ويميل لتأمل الأشياء من مسافة بعيدة.

في مناخ سياسي حيوي متنوع حر مسؤول، يقدر النقد أن يصحح "أخطاء الرئيس أو يخفف تباطؤه، أو يضع حداً لـ"تردده"، أو يقوي الجرأة على القتال لديه.

الجمعة 4 ديسمبر 2009

طهران، بكين، برلين رويترز، أ ف ب، وكالة "مهر" أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمس، أن الجمهورية الإسلامية تستعد للمشاركة في "مرحلة إدارة شؤون العالم".

المقارنة هنا سوريالية وهي تحت بند "شر البلية ما يضحك".

ملأ أوباما الدنيا وشغل الناس عاماً قبل رئاسته وعاماً بعد رئاسته، وقد يبقى كذلك أعواماً تالية، إلا أن "الرؤساء الى الأبد في الدول التي تستعد للمشاركة في إدارة العالم"، قد لا تأخذ من كتب التاريخ أكثر من سطر أو نصفه: "حكم الديكتاتور.... شعبه من... ومات في.....".

               

*معارض سوري