بحيرة في السعودية اسمها بحيرة المسك
بحيرة في السعودية اسمها
بحيرة المسك
د. محمد رحال /السويد
بحيرة في السعودية اسمها بحيرة المسك ، وهي بحيرة تختلف عن كل انواع او انماط البحيرات في الكون ، فهي ليست بحيرة عذبة ، ولكنها ليست مالحة ، او مرة ، ومحتوياتها ليست من الماء او البترول , كما وانها ليست بحيرة ميتة ، ولكنها خالية من الاسماك ، ومع انها بحيرة فانها لاتصلح للاصطياف ولاحتى للاستجمام ، ناهيك عن العوم والسباحة والغوص والغطس ، والاعجب ان المار الى جانبها وبدلا من فتح الانف والفم لاستنشاق هواء البحيرة ، فانه على العكس من ذلك فانه يغلق الفم والانف والعينين والاذنين ويرفع سرعة السيارة الى المدى الاقصى ليتجاوزها هربا من رائحتها النفاذة والتي تشاهد لهبتها في رمضاء الصيف من بعيد ، وهي بحيرة ومع اهميتها فانها غير موجودة ابدا على الخارطة الجغرافية السعودية او العالمية ، مع انها موجودة على مواقع الغوغل الفضائية ، وقد ظهر اسمها في هذه الايام لما قد تشكله هذه البحيرة في الايام القادمة من احداث عظام بدأت بشائره تطل علينا اللحظة تلو اللحظة ، والسبب في ذلك يعود في فضله لما يسمى الاحتباس الحراري والذي وبسببه فقد هاجمت الامطار الغزيرة منطقة جدة في المملكة العربية السعودية ، وتسببت هذه الامطار في غمر هذه المدينة والمكونة من اربعة ملايين مواطن سعودي اضافة الى مثل هذا العدد تقريبا من العمالة الوافدة ، وعمالة الخدمة في البيوت والتي تضاعف عددها بعد الدعوة الى سعودة الوظائف وتحول عدد الخدم السريلانكيين والفيليبينيين في البيوت الى ارقام للمباهاة والتفاخر والتنافس ، ومعهم ظهرت اجيال جديدة من الاطفال لاتتقن الا لغات الخدم مع بعض العبارات الهندية ، مع بعض التغيرات في سيكيولوجية الجيل الجديد وشيوع مايسمى الجنس الثالث او البويات او التخنث .
مايقرب من ثمانية ملايين من البشر ينتظرون اليوم وبشغف بالغ انهيار السد العالي الترابي العظيم والمبني كحاجز امام محتويات بحيرة المسك ، وهذا الانتظار القلق يشاركهم فيه موظفوا الدولة والبلديات والذين امتلأت جيوبهم من سرقة المال العام وهم الان من رواد المساجد طلبا للدعاء خوفا من انهيار هذا السد العظيم والذي سيكشف في حالة انهياره عن مدى التقدم الكبير الذي تعيش فيه امتنا وعن الاموال الطائلة التي سرقها موظفو القطاع العام والذين اختبأوا خوفا من ثورة امواج بحيرة المسك الطاغية وبالتالي فان غضب ملك البلاد هذه المرة لن يكون قليلا ولن تنفع هؤلاء اللصوص حماية او ولاية او شفاعة بعد ان تحول محتويات تلك البحيرة مسكها فتغرق به اشراف اهل جدة الافاضل والذين مازالت بيوتهم وشوارعهم خالية من مايسمى المصارف الصحية والتي مازالت تعتمد على الحفر الكبيرة ثم شفط المخلفات الانسانية وحملها في صهاريج والقائها او تفريغها ثانية في بحيرة المسك .
اهل جدة غاضبون جدا بعد ان كشفت الامطار الهاطلة عن عجز في الانقاذ والتخطيط والامداد ، وكشف عن ان الموتى والذين تجاوز عددهم العشرة الاف ولم يطف منهم على سطح الامواج الا بضع عشرات نالت رعاية الدولة اغلبهم بعد ان فرض ملك البلاد مليون ريال لكل جثة تعلن عن نفسها ، اما من بقي تحت الرمال والطين والاوحال فعلى الله ومنه وحده العوض ، ويضاف الى ذلك الاف السيارات والتي لم يشمل اصحابها التعويض بسبب ان الحادث وقع قضاء وقدرا وشيمتنا الرضى بالقضى وحمد الله عليه .
بحيرة المسك هذه والتي تتواجد تقريبا في كل مدينة من مدن المملكة السعودية ومعها ايضا مدن الخليج ماكانت لتكون لو كان هناك مستشارون لملوك البلاد وامرائها من المهتمين بامور العباد ، وانه من اكبر انواع الحرام ان تتجمع مياه القاذورات النجسة على شكل بحيرات وتترك مكشوفة لتنقل كل انواع الاوبئة والمرض الى المحيطين بها ، اضافة الى الاخطار العظيمة جدا والناتجة عن تسرب هذه المياه القذرة الى اعماق التربة وبالتالي دخولها حوض الخزانات الجوفية والتي تعتبر مياه زمزم احدى روافدها ، ولو كان في تلك المملكة بعض علماء الاسلام المتنورين لوقفوا في وجه وجود هذه البحيرات بدلا من الركض وراء مراهق نسي فرضا من الصلاة في الوقت الذي يتركون هم فيه تلك الصلاة في حينها ، ولم تستفد المملكة والى جوارها دول الخليج عامة من التطور البيئي في الدول الاوروبية ليشاهدوا كيف تكون المرافق الصحية والتي دخلت دولا من حولهم تعتبر من افقر الدول في العالم ومع ذلك فانها حوت نظما للصرف الصحي عجزت عنه دولا تتنافخ بالعمارات الشاهقة في الوقت الذي تنتظر فيه وبرعب انفجار بحيرات المسك عليها .
ان خوف اهل جدة هو خوف كبير جدا من انكسار سد بحيرة المسك ، وبالتالي تدفق الملايين من الامتار المكعبة والتي تفيض مسكا على اصحابها الافاضل ، والخوف الاشد من اهل جدة ان تلك الامواج المتدفقة عليهم امتزجت في نفس الوقت ببقايا الوافدين الى جدة من بنغال وباكستان وغيرهم ، وهو امر لن يتقبله اهل جدة والذين امتازوا بالعزة والكرامة والذين لن يجدوا سبيلا لسعودة محتويات البحيرة الحسنة الذكر، ولهذا فان طوفان امواج بحيرة المسك على اهل جدة ان حدث فانه سيمثل كارثة انسانية وبيئية كبيرة وسيدفع اهالي جدة ثمنها وهذا بسبب التخلف في التخطيط للحاق بركب الحضارة والتي اخذ البعض قشورها وفهموها تطاولا في البنيان وتكاثرا بالغلمان ولم يستطع البعض ان يفهم ان الحضارة هي رقي النفس وتعليمعها كما قال كتاب النور : قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها.
وانا مع اهل جدة اشاركهم هذا القلق ، لا بل واشاركهم المزيد من القلق ، فمن غير المعقول ابدا ان مدينة كبيرة بهذا الحجم السكاني والمهم مازالت بدون مصارف صحية في الوقت الذي تفتح الى جانبها احدث جامعة في العالم ، اساتذتها غرباء وسكانها غرباء وطلابها غرباء وعمالها غرباء وضيوفها غرباء ، ليقال ان المملكة فيها احدث جامعة في العالم ، ولان هذه الجامعة لن تقف ابد سدا منيعا في وجه طوفان بحيرة المسك ، ولن تغطي ابدا على الرائحة القذرة التي تملأ ليالي مدن المملكة بسبب فقدانها للمصارف الصحية والتي عمرها في دول كسورية ومصر والجزائر مائة عام.
ان مما يؤسف له ان الاف المليارات من الدولارات والتي صبها الكريم تعالى على الجزيرة العربية بفضل انتماء ابنائها لصاحب رسالة النور ، لم تجد طريقها ابدا لتجفيف تلك البحيرات وتجفيف منابعها ،وتركت اسم المملكة وجيرانها معطرا برائحة المسك من بحيرات المسك.