حول الانتخابات في سوريا
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
محمد هيثم عياش
تلقيت قبل ايام رسالة عبر البريد السريع الـ /ايميل / من أحد اخواننا الذين يعيشون في الولايات المتحدة الامريكية يخبرني بأن اعتصاما أمام سفارات سوريا في واشنطن وبرلين ولندن سيكون قبل يوم السبت 26 أيار/ مايو احتجاجا على التصويت لاعادة انتخاب الطاغية بشار اسد لمدة سبع سنوات أخرى تكون امتدادا لسنوات السبع العجاف التي تعاني سوريا من حكمه وامتدادا لسنوات القمع والهزيمة والذل الذي تشهده سوريا منذ استلام البعثيين الحكم في عام 1963 واستلام الطاغية الكبير حافظ اسد الذي أهلكه الله قبل سبع سنوات وأخذه أخذ عزيز مقتدر ليأتي ابنه بشارا الذي لا بد أن يهلكه الله كما أهلك والده والطغاة من قبله ومن بعده ، الا أنني لم أرى أي اعتصام فالمكان أمام السفارة هادئ للغاية وظننت بأن الشرطة منعت الاعتصام ولكن لم يكن هناك شرطي ، وأنا أسكن قريبا من السفارة فلو عرف موظفو السفارة مكان سكني لقصفوا منزلي بصاروخ ، الا انني وبينما كنت ذاهبا الى عملي يوم أمس الاحد 27 أيار/مايو رأيت رجلا أعرفه يهرع باتجاه السفارة التي وضع موظفوها أعلاما سورية فناديته الى اين يا هذا قال لي الى الانتخاب قلت له ألا تصلي وتصوم فأجاب بالايجاب فقلت له ان هذا نفاق كيف تنتخب رجلا يحارب الاسلام ويزرع الفتن وجعل من الشعب السوري شعبا ينظر اليه بازدراء زرع الفوضى ولا يزال يحارب الحريات ويكتم الأفواه أذلّ الاحرار واشراف البلاد ورفع من قيمة أراذل الناس ويعمل بالقضاء على الاسلام ؟ فقال لي انه إن لم ينتخب فلن يستطيع الذهاب الى سوريا ، فقلت له أنا لم أذهب الى ذلك البلد منذ 28 عاما فقال لي أنت لست أنا وتركني وذهب .
ولا أحد يستطيع أن يقول بأن الشعب السوري استكره على الاستفتاء فقد افتتحت صناديق الاقتراع وكان بإمكان أكثر الشعب السوري البقاء في بيوتهم وعدم الذهاب الى تلك الصناديق فأن النتيجة معروفة وهي فوز بشار بنسبة تصل الى ما بين 95 و 99 في المائة فالطغاة لا يعرفون الحرية وان اكثر الذين ذهبوا الى الاستفتاء كانوا بمحض إرادتهم فانه لا شك بأن الشرطة والجيش لن يذهبوا الى جميع بيوتات الناس لإرغامهم على الاستفتاء مثل ما فعلوا معنا عندما كنت مسجونا في عام 1977 فقد كنت وقتها في الصف الحادي عشر بثانوية عبد الرحمن الكواكبي في حي الميدان الدمشقي وأنا من ذلك الحي فقد قمت بتوزيع منشورات أدت الى سجني وصادف في أشهر السجن التصويت على انتخاب الطاغية الكبير واذا بنا نجد أنفسنا بين صفين من الجنود مدششين بالسلاح وفي آخر الصف صندوق لوضع ورقة التصويت بنعم أو لا فكتبت لا ، فضربني أحدهم وأمرني شاتما بأن أضع نعم فوضعت تلك الكلمة أمام لا وقام قبحه الله بكسر معصم يدي وقال لي المرة القادمة سنقطعها وعدت ادرجي والسياط ورائي .
ولا يعتبر انتخاب ذلك الشخص لبشار اسد ظاهرة شاذة بل ان هناك الكثير من المنافقين السوريين اذا ما اجتمعوا معنا قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون ومثلهم مثل قول الشاعر
يريك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
كنت أعرف رجلا كان يدرس في يوغوسلافيا السابقة فلجأ الى مدينة كولونيا مع من لجأ من لاجئي البوسنة والكروات ولا أدري كيف استطاع المجيء الى المانيا وقام بتقديم لجوء سياسي على أنه من الاخوان المسلمين وطلب مني الناس بمساعدته فقلت لهم ان هذا الرجل بوجهين الا انهم أكدوا لي حسن صلاته وصيامه وتقربه الى الله وانه يكره النظام السوري ويعمل عل محاربته فرفضت ذلك لأنني توسمت الشر منه ، وحصل على اللجوء واذا به يفتح مطعما للطعام السريع ويبيع به لحم الخنزير والخمرة فقلت له ان هذا حرام فقال لي انه لا يأكله فقلت انه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قاتل الله اليهود حُرِّم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها كما لعن في الخمرة عشرة منهم بائعها ، ثم علمت بعد ذلك بأنه اصبح مسئول المغتربين السوريين في المانيا وصديقا وفيا للطاغية الصغير بشار اسد .
وهؤلاء يعتبرون عائقا دون اي تغيير يقع في سوريا سواء بالقوة او عن طريق إبداء الراي والمعارضة السلمية ولا عجب بأن يعيش الشعب السوري ومنذ أكثر من 44 عاما حكم الطوارئ والاحكانم العرفية وطالما يوجد بهم من يؤيد الطاغوت ويعمل عل التقرب منه وينشر الدعايات المؤيدة له ، ولن يكون هناك تغيير في سوريا وطالما النفاق مزروعا في اكثرية الشعب السوري ولا يوجد بهم الجرأة على قول لا لبشار أسد نعم للاسلام في سوريا ولا يوجد منهم أن يوقف جماح كبرياء ذلك الطاغية الذي عاث في الارض فسادا اذ لا يوجد ولله الشكوى من يقؤِّمه فلا يوجد بين أبناء الشعب السوري من يعمل مثل ذلك الشاعر الجاهلي المتلمس وهو جرير بن عبد المسيح الذي قال :
كنا إذا ما الجبار صعَّر خده أقمنا له مِنْ ميله فتقوَّما
ولا تسألوا الله الخلاص من البعث ونظام أسد اذا لم نبادر بتغيير انفسنا ونوايانا ، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم .