الصحافيون ... والقرود

وليد رباح

[email protected]

عندما مسخ الله الانسان صحافيا احتجت كل القرود في الغابة .. بعضها قال بان  الصحافي يأخذ عنا كل الصفات الجميلة ما عدا اليته .. فهي ليست حمراء كما ينبغي .. ويجب ضربه عليها صبحا ومساء حتى يتحول بياضها او سوادها الى احمرار ظاهر .. وعندها فقط يمكن ان نسمي الصحافي قردا ..

والقرد عادة يعيش حياة هانئة يحسده عليها الصحافي .. فالامتيازات التي يحصل عليها القرد يمكن ان يحصل عليها الصحافي ولكن بعد ان  يبيع قلمه وجريدته وفكره بابخس الاثمان ..

  والقرد يعيش حياة حرية بينما الصحافي لا يعيشها .. اذ يتحول في بلده الى مجرد العوبة بيد النظام .. وان لم يكن فالسجن اولى به .. ولم اسمع بقرد قد ادخلته القرود الى قفصه عقابا له على سوء افكاره .. والقرد يأكل ويشرب من خشاش الارض فلا يداهن او ينافق للحصول على معاشه .. اما الصحافي فهوب مضطر في كثير من البلدان الى النفاق والرياء والمداهنة لكي يحصل على قوته ..

والقرد لا يأكل الا اذا جاع مثله مثل باقي حيوانات الغابة .. ولكن الصحافي يمكن ان تدعوه الى حفلة فيلتهم جزءا كبيرا من الطعام حتى لو كان قد أكل منذ دقائق خمس .. وحجته في ذلك انه سوف يخزن للوجبة الاخرى .. فمن يدري .. ربما جاع ولم يكن معه ما يسد جوعه ..

واغلب الظن ان الكثير من الصحافيين سوف يغضبون لمثل هذا الكلام .. فكل الصحافيين على اختلاف مشاربهم يحترمون بدلاتهم افرنجيه وبدلات أعناقهم الملونة.. في وقت اذا ما فتشت في جيوبهم فانك سوف تجد الملاليم مجموعة في ورقيات  طويلة لشراء علبة من السجائر او لدفع ثمن فنجان من القهوة في احد مطاعم الدرجة العاشرة ..

  ولا نفتئت على الصحافي اذا ما قلنا ان بدلته التي يفخر بها ربما كانت من بقايا الاستعمار الانجليزي او الفرنسي او الطلياني ابان استعمار بلاده .. او ربما كانت لاخيه او لاحد اقاربه استعارها منه ليظهر في حفلته المدعو اليها بالمظهر اللائق .. فان لم يكن قد وجد من يستعير بدلته فانه قد .. ولاحظوا كلمة .. قد . سرقها  او سرق نقودها ممن هو غافل ..

  ولقد ارتبطت مهنة الصحافي في بلادنا بالجوع والاحتيال ( ولاحظوا اننا نتحدث عن الصحافي في البلاد وليس في امريكا )  .. فالصحافي انسان اذا ما جاع فتك .. واذا ما اشتهى شيئا ولم يحصل عليه سرق .. وان لم يكن في كرشه ما يجعله ممتلئا بذل قصارى  جهده لكي  يعمل في الحرام لكي يعيش .. واغلب الظن ان الكثير من اولئك الصحافيين المتعنطزين يسبونني ويشتمونني لانني اتحدث بالحقيقة الناصعة ..

فان دخل الصحافي مطعما فانه يأكل على النوته .. وان شرب فنجانا من القهوة فهو على الدين .. وان تغدى فهذا يعني انه قبض ثمن اعلان لتوه .. وان لم يأكل فان هذا مدعاة لكي نفكر  : ما هي الغزوة  التالية التي تجعل كرشه ممتلئا  

  وهناك نوع من الصحافيين يمكن ان نميزه عن الاخرين .. فهو يأكل احسن ما يأكل كل الناس .. ويلبس احسن ما يلبسون و ( يمتطي) سيارة حديثة لا تجاريها سيارات الوزراء .. وكل ذلك مدعاة للتساؤل : هل هذا صحافي ام ذيل ؟ وتجيب على السؤال بنفسك دون مواربة : ليس ذيلا فحسب .. بل انه مصنع  ذيول كلما اهترأ له ذيل  استبدله بآخر . فهو يمدح  النواب والوزراء ورجال الحكم وكل سائر في الطريق لكي ( يقبض) وكفه مع كل هذا مخرومه .. فهو ينفق اكثر ما ينفق على ملذاته الشخصية التي لا تعدو السكر والخمر والعربدة وقلة الحياء والحيلة والقمار وما الى ذلك من العنطزة .. لكي يظهر امام الناس انه غني وان كسبه من عرق جبينه لا من نزف قلمه المباع .

  والقرود يا صديقي القارىء انواع كثيره .. وكذلك الصحافيون انواعا كثيره .. فمنهم من يصدر جريدة يظن انها آخر اختراعات العقل البشري .. وكذلك القرود .. فانه عندما يوجه اليته نحو الهواء ليلطخ الجو بقاذوراته يظن انه يعطي ابناء  جنسه احسن ما عنده .. والصحافي يسير في الشوارع مختالا كأن الله لم يخلق سواه .. والقرد ايضا يسير في ا لغابة مختالا اذا ما كان محظوظا وسارت الى جانبه قردة على شاكلته ..

القرد يحلم ان ينام ليلة دون عراك وصراع مع القردة الاخرين .. والصحافي يحلم ان ينام ليلة واحدة دون ان تكون له عداوات مع الصحف الاخرى التي تصدر في منطقته ..

الصحافي حامض النفس زريها حتى وان كان عريانا .. والقرد يفرد هامته ويسير الهوينا قرب الاناث حتى ولو كانت فروته مليئة بالقمل والبراغيث ..

هناك عوامل مشتركة بين الصحافي والقرد .. ولو ان القرد اكثر احتراما لنفسه من الصحافي .. ومع كل ذلك فان العوامل المشتركة هذه يمكن ان تتقدم تارة وتتأخر اخرى .. فحينا ترى القرد احسن من الصحافي .. واحيانا اخرى ترى ان الصحافي قد تقدم على القرد في كثير من الامور .. اهمها ان القرد عادة لا يكتب .. وتبعا لهذا فلا  يبيع قلمه لانه ببساطه لا يمتلكه .. ولكن بعض الصحافيين يبيعون اقلامهم بابخس الاثمان .. لقاء عشاء في مطعم من الدرجة العشرين .. او لقاء اعلان يشحذونه من صاحب ( بزنس ) اشفق على الصحافي فاحب ان يطعمه ويشعره انه يأكل من عرق جبينه .. وعلى هذا .. فنحن نعتذر من اخوتنا القرود لاننا اسأنا اليهم وساويناهم بالصحافيين .. ولا يمنع هذا ان يكون العكس هو الصحيح يوما .. ولا يمنع هذا ايضا ان تكون هذه الكلمة منطبقة على الصحافيين في هذا البلد الذي نعيش فيه ..  مع التحية .