هيّا بنا نتفاوض

صلاح حميدة

[email protected]

عقد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو مؤتمره الصحفي، وأعرب عن مواقفه بشكل واضح لا لبس فيها، من قضايا الاستيطان وما أصبح يطلق عليه عملية المفاوضات، أو عملية السلام، وفيما اعتبر الأمريكيون والاوروبيون بأن المواقف التي أعلن عنها نتنياهو تشكل دفعاً لما يسمى عملية السلام، وأن هدفهم هو أن يعود الفلسطينيون والاسرائيليون للتفاوض مجدداً، صرح الطرف الفلسطيني الشريك في العملية التفاوضية أن نتنياهو لم يأت بجديد، و في نفس  الوقت  اعتبرت قوى الممانعة والمقاومة الفلسطينية أن هذا الاعلان الاسرائيلي ما هو إلا خداع و بيع للوهم وخالي المضمون.

أعرب نتنياهو عن موقفه في عدة محاور رئيسية، وكان أبرزها هو إعلانه أنه قرر أن يجمد الاستيطان لمدة عشرة شهور في المناطق الفلسطينينية المحتلة منذ العام 1967م، ولهذا التجميد استثناآت، كما أنه اعتبر هذا القرار مؤلماً جداً بالنسبة له، ولكنه فعل ذلك حتى يعود الفلسطينيون إلى مائدة المفاوضات.

استثنى نتنياهو القدس من البناء والاستيطان والتهويد، وهنا  يجذّر عملياً فكرة استثنائها من المفاوضات والاقرار بكونها عاصمة لدولة الاحتلال، وهنا أيضاً، يوجد ما يسمى القدس الكبرى، والقدس الصغرى، فالقدس الكبرى تبتلع في طريقها مساحات شاسعة من الأراضي في الضفة الغربية، جتى حدود رام الله وبيت لحم والأغوار وباب الواد، وهذه سيستمر فيها الاستيطان بوتيرة متسارعة، أما القدس الصغرى والمسجد الأقصى، فحدّث ولا حرج، فالتهويد أسفل وحول المسجد وفي البلدة القديمة، واقتحام المسجد، يشهد عدواناً لم تشهده المدينة من قبل.

استثنى في خطابه عشرات الآلاف من البيوت التي بدأ ببنائها، طبعاً من غير المقبول أن يترك ثلاثين ألف بيت بدأ ببنائها بلا إكمال بناء! وهذه الوحدات الاسكانية الاستيطانية تحتاج لعشرة أشهر حتى يتم إنهاء بنائها، وطبعاً هذه الوحدات تحتاج لأكثر من مئة ألف مستوطن ليستوطنوها.

استثنى نتنياهو بناء البنى التحتية والمؤسسات العامة من خدماتية وشرطية ودينية وغيرها من تجميد البناء، وهذه أيضاً تحتاج لعشرة شهور حتى تنتهي في المستوطنات الجديدة، وطبعاً لم ينسى نتنياهو أن يقول أنه سيستأنف الاستيطان بعد العشرة شهور، وبالتالي فسيبدأ تلقائياً بعد إنهاء بناء الذي يبنى، وبعد التأسيس لبناء الجديد، سيبدأ تلقائياً ببناء الوحدات الاسكانية التي  تكمل ما بدأه خلال العشرة شهور التي أعلن أنه سيجمّد الاستيطان فيها.

أعلن نتنياهو أنهم سيتوقفون عن مصادرة أراضي جديدة للفلسطينيين خلال العشرة شهور، وهنا يتم التحايل على المستمع، من خلال تجنّب الحديث عن الأراضي التي صودرت أصلاً ولم يبنى فيها حتى الآن، ويتجنب الحديث عن أراضي الفلسطينيين التي صودرت وتصادر تحت عنوان أنها أملاك غائبين، أي الذين تم تهجيرهم بالقوة من أراضيهم من الفلسطينيين، كما لا يلتزم هذا القرار بعدم مصادرة أراضي جديدة بعد العشرة شهور.

من خلال ما سبق، ومنذ وقعت اتفاقية أوسلو وحتى اليوم، يلعب معنا الساسة الاسرائيليون لعبة التفاوض والاستمرار في الاستيطان، والتفاوض هو المهم وليس المهم أن يوصلنا إلى نتائج حقيقية، وكلما زادت وتيرة التفاوض، كلما ارتفعت وتيرة الاستيطان، وهم يستخفّون بالمفاوض الفلسطيني، بالقول له ( هيّا بنا نتفاوض) بلا أفق، وبلا سقف زمني أو عملي، وبلا تحديد أرضيات ومبادىء لهذا التفاوض، ويتمثل هذا الاستخفاف بالتعامل مع قضية المفاوضات مثل قضية اللعب، فمن يريد أن يلهي طفله عن مساءلته في قضايا لا يريده أن يسأل عنها، يقول له ( هيّا بنا نلعب) وهم يقولون للفلسطينيين هيّا بنا نتفاوض، بعيداً عن جوهر الخلاف، ويبقى التفاوض اللعب حول القشور التي لا ولن تنتهي.

من المهم أن يدرك الفلسطينيون جميعاً أن التعامل والتفاوض الملهاة، التي تتم معهم فارغة المضمون ولا جديد فيها، ولكن ماذا بعد؟  وبما أن الخلل واضح في طريق التفاوض، وهو خيار عبثي ولا جدوى منه، فلماذا لا يجلس الفلسطينيون معاً، ويفكروا بالحل لما هم فيه، ولماذا لا يؤخذ بنصيحة القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي، الذي دعا رئيس منظمة التحرير الفلسطينية للتوجه مباشرة ولقاء فصائل الممانعة الفلسطينية، والتفكير بالخطوة الفلسطينية التالية، بعد أن تبين للفلسطينيين السقف الاسرائيلي والأمريكي والأوروبي المراد لهم أن يبلغوه؟.