صفقة شاليط ... السبق الصحفي ولكن
هنادي نصر الله
كلنا ننتظر بفارغ الصبر لحظة تحرير الغوالي، نأبى إلا أن نهتفّ بحرقةٍ في الصليب الأحمر كل إثنين، اعتصامٌ نمكث فيه قرابة الساعة أو الساعتين، ثم نعود إلى بيوتنا نسابقُ الزمن ودقات قلوبنا ترتجف؛ مشاعرنا تختنق؛ نتابع الأخبار بشغف، علها ترسم ملامح البسمة على شفاهنا؛ فتعطينا طرف خيطٍ عن الصفقة المرتقبة، يقولون إنها اقتربت، لكننا لم نعرف من مِن أبنائنا سيخرج؟ ومن سيبقى رهيبن السجن، بحاجةٍ إلى شاليطٍ جديدٍ ليتحرر!!.
على أعصابنا ننام ونصحو، وكلنا نخشى هذه اللحظة، نعم نخشى إتمام الصفقة كما نتمناها!، عجيبةٌ مشاعرنا حينما تختلط بالترقب والحذر، عجيبةٌ حينما نُحب النصر ونخشاه! عجيبةٌ حينما نحبُ أن يخرج أبناؤنا اليوم قبل الغد، ونرتبكُ من لحظة اللقاء!!..
هو ارتباكُ المحبين، بل ارتباكُ كل متابعٍ لقضية الأسرى وللصفقةِ المنتظَرة، ارتباكٌ سيحمسنا جميعًا ويدفعنا لأن نُظهر ملامح صمود المقاومة وجبروتها في وجه المحتل بعد أن فرضت شروطها، إرتباكٌ سيوحدنا ويُسخر أقلامنا جميعًا كي تكتب بشموخٍ عن العزة والكرامة والشهامة التي تأبى إلا أن تنتصر بعد ثلاثة أعوامٍ من مماطلة الإحتلال الإسرائيلي وتسويفه..
ارتباكٌ سيدفعنا لأن نتسابق إعلاميين وباحثين وأكاديمين ومثقفين في إبراز الصورة المشرفة والمشرفة فقط للصفقة المشرفة بكل جوانبها وأبعادها، سيما وأن الإحتلال الإسرائيلي سيحشد كل طاقاته ليخدع الرأي العام العالمي ومن قبله الإسرائيلي بأنه لم يتنازل للمقاومة، وأنه كسب الموقف وأدار المعركة لصالحه، وهذا يتطلب منا أن نكون متيقظين جيدًا لكل محاولات الإحتلال لزعزعة موقفنا، بل لكل محاولاته الرامية إلى التغطية على فشله وهزيمته بعد رضوخه لشروط مقاومتنا الغراء..
فقد يُوجه ضربة عسكرية لغزة؛ كي يُزيل آثار الفرحة والإنتصار والنشوة التي حققتها المقاومة تحديدًا حماس سيدة البيت الغزي، التي أثبتت حنكتها في إدارته وإقناع المجتمع الدولي بعدالتها وعدالة الرسالة الإنسانية التي تحملها..
من الآن علينا أن نفهم جيدًا طباع عدونا المحتل، وآلا ننشغل فقط بالصفقة متى ستُنجز، علينا أن نُفكر بالقادم وبتبعات الصفقة؛ فقد يترتب عليها أحداثًا سياسية وعسكريةً كبيرة، خاصة إذا ما علمنا بأن حماس ستُحي ذكرى إنطلاقتها قبل منتصف الشهر القادم، وبعدها بأسبوعين ستحل علينا الذكرى الأولى لحرب غزة المشئومة..
أحداثٌ عصيبةٌ تنتظرنا، تتطلب منا إبرام رؤية موحدة يشترك فيها السياسي والخبير الأكاديمي والصحفي جنبًا إلى جنب؛ بغية تقريب وجهات النظر، بما يخدم مصلحة شعبنا وقضيتنا الرئيسية قضية فلسطين ككل، الجامع والموحد لكل الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية..
صفقة الأسرى قادمة لا محالة، كلنا سنتناولها في وسائل الإعلام؛ لكن أخشى ما أخشاه أن نتسابق فقط في متابعتها كسبقٍ صحفي لهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك؛ ثم ننسى أو نتناسى أو نغفل ما بعدها..
علينا أن ندقق في تفاصيلها التي لم تكشف عنها المقاومة حتى الآن في ظل هذا التعتيم الإعلامي الكبير،بل على الكتاب أن يتوحدوا كي يُنجزوا كتابًا يُؤرخ الصفقة وأبعادها السياسية من خلال مقابلاتٍ مع السياسيين والعسكريين الذين كانوا طرفًا فيها بدءًا من لحظة أسر المقاومة لشاليط وليس انتهاءًا بعملية الإفراج وإتمام الصفقة بل بما بعدها من أجل استخلاص العبر والنتائج ..
كما يجب أن ننجز ملفاتٍ خاصة عن الأسرى الذين ستشملهم عملية الصفقة؛ لنوثق تجربتهم في السجون بكل ما تحمله من قسوة وصمود وألم؛ لتبقى درسًا يتناقله الأجيال...
وهنا إن كان من عتابٍ فإنني أوجهه إلى كل من تابع صفقة الأسيرات التي اعتُبرت مرحلية ضمن صفقة التبادل الكبرى، ولم يؤرخها ولم يُدلِ بشهادته فيها؛ فالمرحلة التي نحياها تاريخية؛ وكلنا محاسبون عليها؛ ولهذا يجب أن يكون لنا بصمةً واضحةً في توثيق ملامحها...