التكتلات الداخلية في الإتحاد الوطني الكردستاني

التكتلات الداخلية في الإتحاد الوطني الكردستاني

واقع ونتائج

حسام مطلق

يسيطر حزب الإتحاد الوطني الكردستاني على الحياة السياسية في محافظة السليمانية شمال العراق, مقزماً, بعمد وخطة مدروسة, كل الأحزاب والتيارات الأخرى. وهذا الحزب يتشكل من ثلاث تيارات أساسية هي : قدامى المراكسيين أو الشيوعيين سواء الماويين أو اللينيين والذين يتزعمهم السيد جلال الطالباني ولذلك يطلق عليهم أسم الجلاليين, وتيار القوميين الإشتراكيين وهم تيار يشبه الى حد بعيد النازيين الجدد في أوربا, من حيث الروح العدائية والنزعة القومية المتطرفة, ومعظمهم من القرويين ومحدودي الثقافة أو ممن تعرضوا لأذى نفسي خلال عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين ويتزعمهم السيد ناشيروان مصطفى, ويبقى التيار الثالث وهو التيار العشائري الذي يتزعمه السيد كوسرت رسول. وللوقوف على تلك الإنقسامات وأثرها على مستقبل الحزب في تلك المدينة الجبلية لا بد من التقديم ببعض الشرح عن تشكل الجماعات ودينامية إستمرارها إضافة الى دور الزعامة فيها, بالنظر الى جنوح سكان تلك المدينة نحو تأليه الأشخاص.

تتشكل الجماعات عبر الأزمنة لسببيين أساسيين لا ثالث لهما, الخوف والأمل. وأي إدعاء أن الجماعة تنشىء على غير هذين الأساسيين باطل تماماً. ولتمكين الجماعة من الإستمرار يعمل الفائزون من وجودها على توعية افرادها بأهمية إستمرارها, عبر تعظيم عدو خارجي أو تفعيل الطموح بغد أكثر إشراقاً . وفي كلا الحاليين يسمى ذاك الفعل النخبوي "بتفعيل عاطفة الطمأنينة". هذه العاطفة التي تصبح حقل الجذب المركزي للجماعة, كملاذ من قلق وحدة الفرد في مواجهة مصاعب الحياة اللحظية أو المستقبلية. فالجماعة وسيلة وليست غاية, سواء للنخب أو للعوام. فهي تحقق للفرد الفرصة اللازمة لإشباع بعض الحاجات, تلك الحاجات المتباينة في حدتها وفقاً للفرد وطبائعه الخاصة. ويكون مجال حركة الفرد في جماعته مترنح بين السيطرة والتبعية, وفي المستوى المعتدل من الإستقطاب يكون الفرد مجرد فائز بالرغبات الخفيفة.

ولكننا لا نستطيع أن نتصور عملية إنتاجية جماعية, بغض النظر عن بساطتها أو تعقيدها, دون دور رفيع وفاعل لقائد أو رئيس. وينقسم فعل الزعيم بين نمطين أيضاً, فهو متسلط أو وسيط .على أن تلك الزعامة يمكن أن تكون منتقلة أو منقسمة أو متنقلة ومنقسة في آن . وهذا ما يميز المجتمعات المتحضرة عن تلك القابعة في غياهب الديكتاتورية حيث يحتفظ الزعيم بدور المحرض والمقرر. ففي المجتمعات المتحضرة تقوم السطلة على انتقال واقتسام, ويكون الزعيم بذلك وسيط أكثر منه مقرر نهائي, كما يمكن للزعيم أن يصبح هئية أو عدة هيئات ( مجلس النواب – مجلس الوزراء – مجلس الشيوخ – مجلس الرئاسة ...الخ ) وهذا هو الإنقسام. والجماعات تستخدم لتحقيق الهدف وسيلة ترتكز على عدة محاور وهي:

أولاً- الإمثتال القيمي : ويقصد به الإلتزام بروح التراتبية التي قامت عليها الجماعة وإحترام رمزية الرئاسة, سواء أكانت تلك الرئاسة فرداً أو هئية .

ثانياً- الصمود في وجه الإنحراف : ويقصد الإلتزام بالأسس والأهداف التي قامت عليها الجماعة, عبر سلسلة من المثل التي غالباً ما يتم استقائها من القيم الجمعية السابقة للنشوء, سواء أكانت قيم دينية أو عشائرية, وعدم تحويل الجماعة الى مزرعة خاصة عبر الحفاظ على الغنائم مقتسمة ولو بقدر ضئيل من العدل بين أعضائها.

ثالثاً- آلية التطوير الذاتي : ويقصد به إمتلاك الجماعة للعناصر المشاكسة التي تكثر من الأعتراض على الصيغ المتداولة, ولكن تحت سقف غرض نشوء الجماعة أساساً. وهؤلاء يوصفون من قبل أصحاب النفوذ بالسفهاء والخونة ولكنهم في حقيقة أمرهم العنصر الحاسم في إستمرار الجماعة, فهم في عرف التغير الإجتماعي الإصلاحيون.

رابعاً- الروح العدائية المقننة : ويقصد بها العمل على محاربة الخارجي بقدر ما يكون هذا الخارجي مهدداً لروح الجماعة, وألا يستشر العداء نحو كل ما هو خارجي فتفقد الجماعة الحلفاء الخارجيين الذين تحتاج إليهم حتى بين أعدائها, غانيك عن ضياع فرصة الإندماج القيمي, وتوليد أعداء جدد هي في غنى عنهم. ونزوح الجماعة نحو العدائية المفرطة يبقيها في حالة من العزلة, وكلما كانت الجماعة منعزلة كانت معايرها ضيقة ومتصلبة وبذلك تكون, وعلى عكس ما يعتقد أعضائها, سهلة الكسر والإختراق, بالنظر الى التناقض الحاصل بين ضرورة التطور وعوامل التماسك غير العملية.  فعزلتها الطويلة تجعلها تحتفظ بمعاير متناقضة جذرياً مع الجماعات الآخرى مما يعني أن تطويرها يقود إلى إنهيار كامل لها . وهذه الحالة توصف بالفرادة والهشاشة, فالجماعة متميزة موضوعياً عن الجماعات الأخرى ولكن بمستقبل إنساني هش .

خامساً- ارتفاع معدل التجانس بين الطرح الفكري والممارسة العملية ويقصد ألا ينظر المثقفون والساسة لمبادىء وتكون ممارساتهم مناقضة لتلك القيم مما يدخل المتلقي في حالة من التشرذم تقود الى تهتك حتمي للأخلاق الجمعية.

في تناولنا للعناصر الخمس السابقة وطريقة تعامل الاتحاد الوطني الكردستاني معها نجد التالي :

1-في قضية الإمتثالية فإن العناصر القيادية في الحزب دخلت في معركة علنية ومكشوفة خلال الصيف المنصرم من أجل إحتكار الرئاسة. حيث تحالف كل من السيد كوسرت رسول مع السيد ناشيروان مصطفى وقاما بالسيطرة على بعض المواقع الحساسة في المدينة من خلال انتشار واسع لكل من قوات الآسايش " الأمن القومي " التي يسيطر عليها تيار القوميين الإشتراكيين, ورجال العشائر الموالية للسيد كوسرت رسول. وقد كان وقع الأمر على السيد جلال الطالباني وأنصاره قاسياً حتى أن أزمة قلبية محدودة الأثر ألمت بالسيد جلال الطالباني وهو ما بدى عليه واضحاً خلال إجتماعه المؤجل مع السيد مسعود البرزاني بعيد التمرد العسكري بأيام قليلة. وهذا التمرد لم يحسم من قبل أعضاء الإتحاد الوطني أنفسهم بل حسمته التهديدات الأمريكية, فالعبث بإستقرار الشمال هو أخر ما يرتجيه الأمريكيون في عراق عاصف أساساً. ولكننا من المحصلة نستنتج أن روح الإمتثالية في الحزب تساوي الصفر, فالعلاقة بين القيادات هي علاقة الذئاب في رؤوس الجبال قائمة على التحفز وليس على الثقة.

2-في نقطة الصمود في وجه الإنحرافات فإن الهمس في المدينة أصبح مسموعا جداً عن التجاوزات المالية الحادة والشائنة التي يغرق بها المتنفذون. بل إن السبب الأهم في انطلاق التمرد الذي سبقت الإشارة إليه كان الحصص المالية, والتي ينظر إليها هناك على أنها غنائم حرب التحرير المزعوم للعراق. ومما دار في الغرف المغلقة أن كل من السيد كوسرت رسول وناشيروان مصطفى قالا للسيد جلال الطالباني خلال مفاوضات التسوية: إن فوز أقربائك بالمشاريع المهمة في المدينة أمر غير منصف, وهو بعيد عن روح العمل الوطني. فأجاب السيد جلال الطالباني : الفضل يعود لكم فأنتم من فتح هذا الباب في العمل الوطني .

3-أما عن آلية التطوير الذاتي فلا بد لنا أن نشير إلى أن نسبة جيدة من الشباب والطلبة في مدينة السليمانية ذات ميول ثقافية مرتفعة, لكن مراكز القوة تحول دون تمكينهم من الحياة السياسة السهلة. لهذا نرى الشباب الفاعل في المدينة من أصحاب المواهب العالية والسوية النفسية السليمة يتجهون للإنضمام إلى حزب زحمت كيشان الذي أجبر ممثله في الحكومة, وزير الثقافة, على الإستقالة في محاولة لتحجيم دوره في دعم المواهب الشابة في المدينة ممن مازالوا يرفضون الإنضمام للإتحاد الوطني الكردستاني. وهكذا يتخذ الحزب موقفا معادياً من المواهب الشابة مشترطاً لتمكينها الإنتماء إليه, وهو الموقف المستقى من سيرة حزب البعث المنحل.

4- تقنين الروح العدائية, نظراً لفشل الحزب في الحفاظ على الركائز الثلاث الأولى وهي: الإمتثالية – مواجهة الإنحراف – آلية التطوير الذاتي, لم يبقى أمامه سوى تغذية الروح العدائية في المجتمع, وأوكلت هذه المهمة إلى ما يعرف بجهاز " الآسايش " أي الأمن القومي الذي يسيطر على مفاصله  القومييون الإشتراكيون. ويعمل هذا الجهاز على نشر شائعات معادية للأقليات المقمية في المدينة فمرة يروجون الى أن العرب في الموصل نقلوا كميات من الماء المعدني المسموم عن طريق تجار عرب في السليمانية ومرة أن المعلبات المستوردة من هناك قد دست فيها مواد موقفة للنسل وقس على ذلك من أكاذيب يسهل تمريرها على القروي البسيط محققين بذلك ثلاثة أهداف :

أولها – التغطية على الفساد المالي والإدراي عبر تعظيم دور العدو الخارجي

ثانيا – جعل المواطن الكردي في المدينة في حالة نفسية دفاعية تبقي هذا الجهاز والمتنفذين فيه خارج المحاسبة عملاً بالمبدىء القائل: " لاصوت يعلو على صوت المعركة ".

ثالثا- تقوية الروح العدائية للخارجي للتغطية على الضعف الحاصل في روابط الجماعة .

وهكذا وكنتيجة لتكاثر مصادر التوتر الوهمية تصبح الجماعة في حالة عجز, وتصبح قليلة الإنتاج وغير قادة على إيجاد حلول خلاقة لمشاكلها الداخلية ومشاكلها مع الجماعات الآخرى. وهو ما نلمسه من أربع نقاط أساسية :

1-الفوض الإدراية في الدوائر الحكومية في المدينة, وأبرز مظاهرها سوء التنسيق بين الدوائر الحكومية غانيك عن التنيسق بين الاقسام في الإدارة الواحدة. 

2- البطالة المقنعة التي تؤجل الحل على حساب تعميق الأزمة, عبر توظيفات غير مجدية لكسب الولاء.

3- عدم نجاح مفاوضات توحيد أقليم كردستان بين الحزب ومنافسه في الأقليم الحزب الديمقراطي الكردستاني. ووحدة الأقليم هي, ولو نظرياً, أحد الأسباب الرئيسية لنشوء الجماعة " الحزب " أساساً.

4- التوتر المتصاعد والمتستمر بين القائمة الكردية والقائمة الشيعية وهم حلفاء الأمس القريب. وهو الأمر الذي دفع السيد يوسف زوزاني المستشار الإعلامي للسيد جلال طالباني وممثله الشخصي لشؤون التعليم العالي لأن يطلق التهديدات العلنية عبر الموقع الإلكتروني الناطق بأسم الجماعة" الحزب" www.pukmedia.com/witar/w2207.html بأن العراق لن يبقى إذا أصر التحالف الشيعي على مواقفه مستخدماً كلمات مثل الدمار والويلات والدماء...الخ. فالتهديد وليس الحوار هو لغة الإتحاد الوطني وأنصاره في مخاطبة الآخر, حتى مع من كانوا في الأمس القريب حلفاء التحرير المزعوم. والغريب أن السيد زوزاني سبق له أن وصف الكتابة للمواقع الإلكترونية بأنها كتابة على جدران الملاحيض, وهذا التغير في المواقف هو شكل من أشكال التناقض  في ذهنية أعضاء هذا الجماعة"الحزب" يشرح, بالإضافة الى غياب الشفافية في الإعتقال والمحاكمات والتطبيقات الإجراءية, فشل الحزب في تحقيق الإنسجام بين الفكر والممارسة. وهي النقطة الخامسة في ركائز إستمرار الجماعة.

 فالساسة والمنظرون ينادون بحقوق الإنسان ولكن رجال الىسايش اقتحموا  مقار منظمتين للمرأة في 21 تموز من العام المنصرم، وهما مركز حماية المرأة في كردستان ومنظمة المرأة المستقلة؛ واقتيدت 12 امرأة كان يأويهن المركز بالإضافة الى عدد من العاملات هناك، وهذين المركزين يعدان ملاذاً لحماية النساء اللاتي تعرضن للإيذاء. وظل مكان المحتجزات مجهولاً بعد ذلك لفترة طويلة ثم افرج عنهن وقد صرحت بعض النسوة أنهن تعرضن خلال التوقيف لدى الآسايش لإنتهاكات شديدة للكرامة وممارسات بعيدة عن الأخلاق مست بشكل مباشرخصوصيتهن الأنثوية, وللإطلاع على تفاصيل هذا الإنتهاك يمكن الرجوع الى موقع منظمة الدفاع عن العلمانية في المجتمع العراقي ODSIS http://www.equalityiniraq.com  . من جانب أخر وفي نفس الإطار فإن التلفزيون الرسمي للجماعة " الحزب " كردسات لا يمل من الحديث عن ضرورة ترسيخ الوحدة الكردية عبر العمل المشترك مع الأحزاب الأخرى وخاصة الديمقراطي الكردستاني وجعل الممارسات السلطوية جميعها تحت غطاء البرلمان الكردي بيد أن حكومة السليمانية وقعت مع شركة (بكتل) الامريكية إتفاقيتن، تتضمن الاولي بناء محطة كهربائية في ناحية (طقطق) تزود قرى وقصبات كردية في ضواحي السليمانية بالتيار الكهربائي، وتشمــــل الثانية استغلال بئر نفطي في منطـــقة (شيواشوك) كانت وزارة النفط في النظام السابق قد حفرته عام 1990 دون ان تتمكن من استثماره بسبب احداث الكويت وقتئذ، ولكنها لم تعرض تلك أي من الإتفاقين على البرلمان الكردي كما ينص دستور الإقليم. مما يثير تساؤلات حول احتمال وجود تجاوزات مالية لا يريد المسؤولين فضحها.

إذن لقد فشلت الجماعة " الحزب " في تحقيق أحد أهم أسباب نشوءها " وحدة الإقليم " بسبب منافع مالية بحتة حولت المدينة الى مزرعة يقتسم الغلال فيها بعض المتنفذين. وادخلت المواطن في أوهام خطر خارجي دفعته للتقوقع والعجز عن التجريب, وتركته فيما قلنا أنه المستوى المعتدل من الفوز بالرغبات الخفيفة, مصورة إيها على أنها مكاسب مهمة.

واقتتلت ليس فقط مع الديمقراطي الكردستاني شريك الطريق نحو الحلم الكردي بل حتى مع من أجارتهم هي في الأساس وأقصد هنا المعارك التي شنتها الجماعة  " الحزب " على أعضاء حزب العمال الكردستاني وأدت إلى مقتل وجرح العشرات نزولاً عند رغبة السلطات التركية التي تقدم لمسؤولي الحزب امتيازات مادية مجزية. كما فشلت في الحفاظ على تحالفاتها – اللائحة الشيعية-, وهي لم تحل مشاكلها الداخلية بمعزل عن التدخلات الاميريكية. وجزء غير قليل من هذا, كما قلنا, ناتج عن عدم تقنين الروح العدائية نحو الخارج, حيث تندفع ذهنية القياديين في الجماعة " الحزب " نحو العدائية بدل الحل السلمي للتطورات والإشكالات الطارئة التي لا يخلو منها عمل سياسي.

من الإشارات السابقة يصبح السؤال عن قدرة الحزب على الإستمرار والتأقلم مع متطلبات العصر الحديث, القائم على حقوق الإنسان والإنفتاح الإعلامي ونبذ العنف, مشروعة. إن المعيار الاساسي للوقوف على حقيقة إمتلاك جماعة لفرصة مستقبلية جيدة أم لا, وفقاً لجان ميزونوف المحاضر في علم الإجتماع في جامعات باريس, هو إحساسها الداخلي الجمعي بالتأقلم مع الجماعات الاخرى ومتطلبات العصر, فبقدر ما يشعر الأفراد أنهم ضحايا ويبحثون عن تبرير لسقطاتهم بقدر ما يكونوا قد أقتربوا من نهايتهم. وبقدر ما يلجأ أعضاء الجماعة إلى الألفاظ العدائية كلغة لمناقشة الآخر ومخاطبة الغير بقدر ما تكون أزمة الجماعة عميقة. لهذا تكون الإجابة على السؤال عن مدى استفحال أزمة هذه الجماعة " الحزب " سهلة جداً, إذ يكفي أن ترسل مقال إلى مركز الأعلام للإتحاد الوطني الكردستاني (www.mediapuk.com  ) لا يتفق وتوجهات الجماعة " الحزب " حتى يأتيك سيل من الشتائم تقرأ بين سطورها نهاية الجماعة " الحزب " وفقاً للرأي الميزونوفي.