امسح دموعك يا فقي

امسح دموعك يا فقي

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

إنها عبارة دخلت التاريخ من "أظلم أبوابه" وأسمجها، وأضلها، إنها عبارة "امسحي دموعك .. يا آمال". والعبارة سجلتها، وألحت عليها، ونشرتها على أوسع نطاق: صحف المعارضة، ومواقع "الانترنت". ويقال إن هذه العبارة وجهت ـ بعطف، وتعاطف، وحنان ممزوج بإشفاق ـ إلى السيدة الفضلى المبجلة جدًّا الدكتورة آمال عثمان، - وهي تنخرط في بكاء مر أليم -لسقوطها الفادح في انتخاب مجلس الشعب عن دائرة الدقي، وأعلن رسميًا نجاح الأستاذ حازم صلاح أبو إسماعيل، بفارق هائل من الأصوات.وهنا فزعت "المحترمة جدًّا" - والدموع تنساب من عينيها ساخنة دفاقة ـ فزعت إلى الرءوس الكبيرة جدًّا.. جدًّا، واستعاذت ولاذت بها، واستنصرتها على الرجل "الناجح" فجاءتها النجدة الإسعافية بالهاتف .. بصوت منغوم حنون "امسحي دموعك يا آمال".

وفي لحظات "قلبت" النتيجة رأسًا على عقب، ومسحت "المحترمة"دموعها, ومسحت معها قائمة من القيم النبيلة ,وأصبحت " المهزومة مهيضة الجناح "فائزة بمقعد مجلس الشعب، وأخذت العبارة بعد ذلك بُعْدًا واسعًا فقد تُوجه إلى رجل لا امرأة"،كما أخذت بُعدًا معنويًّا يرمزإلى "قلب" الحقيقة، وتحول المهزوم الساقط ـ بالأمر الفوقي السامي ـ إلى فارس منتصر فائز لا يشق له غبار , وقد لايكون هناك " دموع حقيقية " , إنما هي "غصة" مؤلمة في نفس "المحروس تربية الحِجْر" ـ بكسر وسكون "فيأتيه المدد الفوقي من الرأس الكبيرة "امسح دموعك يا فلان" وبهذه الدلالة المعنوية نتحدث إلى المفكر "الأمين المؤتمن جدًّا" مصطفى الفقي. بعد أن أصبح بالأمر" عضوًا لمجلس الشعب عن دائرة دمنهور وزاوية غزال بالبحيرة.

امسح دموعك يا فقي

وإنصافًا لك يا فقي "أقول: إذا كان الناجحون ـ عن جدارة واستحقاق ـ قد حققوا "نتيجة واحدة"، وهي الانتصار على المنافس ـ أو المنافسين ـ الآخرين، فقد استطعت أنت بانتصارك الزائف أن تحقق بضعة نجاحات، لا نجاحًا واحدًا :

فقد نجحت نجاحًا باهرًا في غرس "كراهية" الناس لك في قلوب أبناء دمنهور.. بل البحيرة.. بل المصريين جميعًا. ونجحت نجاحا باهرا في تعميق كراهية شعبنا ونقمته على النظام المباركي , وما يسمى " الحزب الوطني الديمقراطي " .

وقد نجحت نجاحًا باهرًا في أن تكون "ثاني اثنين"، إذا تقاسمت مع "آمال عثمان" العبارة الحلوة الحنون "امسحي دموعك يا آمال" (تنبيه: هذه العبارة بجرسها الموسيقى تنتصر للفن؛ لأنها تصلح أن تكون عنوانًا لأفلام ومسرحيات ـ مع تغيير اسم المنادى طبعًا ـ مثل: امسحي دموعك يا ستوته" و "امسح دموعك يا حنفي.. أو يا توتو.. أو يابو رجل مسلوخة..".

ونجحت ـ يا فقي ـ إلى حد التفوق في "القدرة على الالتهام" فأنت الوحيد ـ ربما في تاريخ مصر كلها ـ الذي اتسعت "معدته" النيابية وتمكنت من التهام هذا العدد الضخم من أصوات منافسك الدكتور جمال حشمت.

(تنبيه: حصل الدكتور حشمت على قرابة 35 ألف صوت، وحصل الفقي على ستة آلاف صوت، وبذلك يكون قدالتهم 29 ألف صوت، وهضمها في هدوء يحسد عليه).

ونجحت ـ يا فقي ـ نجاحًا باهرًا إذ رأيناك تملك الشجاعة العنترية في الإقدام على الانتحار. نعم يا مصطفى .. يا فقي ـ بيدك لا بيد عمرو ـ انتحرت سياسيًّا وفكريًّا، مهما ولوك من مناصب، واحتللت من مراكز، ورضي عنك الكبار جدًّا، فالمرجعية والتقييم والحكم عليك ليس لهؤلاء، ولكنه للشعب، الذي رفضك، وأصبحت في نظره "الحي الميت". وأنا على يقين أنك لو رشحت نفسك مرة أخرى، فلن تحصد ـ من الأصوات المشروعة ـ إلا مئات تعد على أصابع اليدين والرجلين.

ونجحت يا فقي نجاحًا باهرًا .. وبدرجة ممتاز ـ مع مرتبة القَـرف الأولى ـ في أنك تركت أهل دمنهور في مأتم .. مأتم حقيقي.. والله ـ يا فقي ـ مأتم يعيشه الرجال والنساء، والأطفال . وكل منهم ينظر إلى الآخر في صمت مذهول موجوع، ولسان حالهم يتساءل: أصحيح ما حدث أم هو كابوس منام ثقيل دميم؟

وأخيرًا تفوقت ـ يا فقي ـ مع انتحارك السياسي إذ تمكنت أنت وآمال عثمان من دق أطول ـ وأغلظ ـ مسمارين في نعش الحزب المسمى "الوطني الديمقراطي". وبذلك ساهمتما بجدارة في التعجيل بنحر هذا "المخلوق السياسي الممسوخ".

أليس من حقي أن أكرر ما سجلته في أول مقالي من أنك حققت ـ يا فقي ـ من "النجاحات" ما لم يحققه أحد، وبذلك دخلت التاريخ من بوابة أنت تعرف مواصفاتها.

اصنع ما شئت

وكنت أعتقد أنك "ستداري" وجهك، وتلتزم الصمت، ولكنك تقول في الأهرام (22/11/2005م)" لقد خضت معركة على جبهة عريضة قاومت فيها استخدام الدين من جانب، واستخدام المال من جانب آخر، ولكني تحركت كمرشح يبدأ من الحارات والأزقة، والقرى الفقيرة، ولم أترك منطقة في أنحاء الدائرة الواسعة، إلا وتجولت فيها، وتعاملت مع الناس من كل الفئات، والطبقات بصدق وشفافية، حتى ارتبطت بمجموعات كثيرة من أبناء هذه الدائرة المعروفة بخصامها التقليدي للسلطة، فكان لابد من بناء جسور الثقة والقضاء على أزمة الشك، ولقد قطعت في ذلك شوطًا طويلاً، وتمكنت من الحصول في واحدة من أشرس الدوائر على الإطلاق، وسأفي بكل وعودي لأبناء الدائرة الذين منحوني ثقتهم الغالية..."

ويختم السيد الفقي حديثه بقوله: "أنه كان من الطبيعي أن يعقب الانتخاب ضجة من الجانب الخاسر (يقصد الدكتور حشمت) وذلك من أجل إثبات الوجود وتسجيل المواقف".

عجبًا.. يا سيد مصطفى .. يا فقي . كل هذا المجهود الجبار وتكون حصيلتك ستة آلاف صوت؟؟!

ولا تعليق لي ـ بعد ترحمي على "أبو لمعة" ـ إلا أن أقول الحياء شعبة من الإيمان، وإذا لم تستحي فاصنع وقل ما شئت . وما زلت – يا فقي – تواصل منظومة الكذب , وتزعم أن الإخوان أصحاب ألاعيب , وأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة ,وأن حشمت قدم رشاوى انتخابية لشراء الأصوات أبرزها توزيع أجهزة الموبايل , حتى أصبحت النكتة السائدة – كما تزعم " الموبايل هو الحل " ( برنامج البيت بيتك . مساء الأربعاء 23-11-2005 )

وإليك الحقيقة ... وأنت تعرفها!!!

ونأخذها من لسان الرجل الصادق الأمين الدكتور جمال حشمت الذي روى لموقع إسلام أون لاين ملابسات تغير النتيجة، فأوضح قائلاً: " بعد انتهاء فرز كافة الصناديق وثبوت تقدمي بفارق شاسع، طلبت من القاضي أحمد السيد نصار أن يعلن النتيجة، فطلب مني أن أنتظر ثم بدأ يجري عددًا من الاتصالات الهاتفية مع أطراف مجهولة". وأضاف: "بعد مضي فترة من الوقت، حاولت مقابلة القاضي مرة أخرى لكي أطلب منه إعلان النتيجة، فمنعني مدير الأمن، ثم طلب القاضي مقابلتي ليبلغني بخسارتي ونجاح مرشح الوطني، وعندما طلبت من القاضي تقديم تفسير لذلك، أجابني وهو منكس الرأس: ليس لدي ما أقوله لك سوى أنك خسرت". وروى حشمت أنه بعدما علم أنصاره الذين تجمهروا بالآلاف أمام لجنة فرز الأصوات، انتابتهم حالة احتقان وإحباط جعلت الكثيرين منهم ينخرطون في حالة بكاء شديد وصراخ فبدأت أهدئ من روعهم وأطلب منهم الانصراف". وشدد حشمت أنه قام في الوقت نفسه بتحذير مدير الأمن من عدم مسئوليته عن أي ردود في الناس البسطاء الذين تضاعفت لديهم حالة الكراهية للنظام". كما حذر النائب الإخواني في البرلمان المنقضية ولايته والذي يحظى بشعبية كبيرة في دمنهور، من ردود فعل سيئة على المدى البعيد نتيجة لإصابة أهالي دمنهور بالإحباط من جراء التزوير الفاجر وحرص النظام على إنجاح رموز مكروهة من جانب المواطنين" وتابع قائلاً: "وكان هذا الإحباط ظاهرًا في ردود فعلهم الأولى حيث أزالوا وأحرقوا صور مرشح الوطني بمجرد إعلان النتيجة"

وقد تعترض –يا فقي – بأن شهادة حشمت ليست حجة ؛ لأنه أحد طرفي النزاع . فما رأيك – يا مصطفى .. يا فقي – في شهادة المستشارة الدكتورة نهى الزيني " نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية " التي حضرت عمليات الفرز , وفضحت ما وقع من تزويرصارخ ؟ ( نشرت صحيفة – المصري اليوم – شهادتها مفصلة كاملة يوم الخميس 24-11-2005 وأعادت نشرها يوم الجمعة ) . وما رأيك – يا فقي – في تأييد 137 قاضيا أشرفوا على انتخابات دمنهورلشهادة الدكتورة نهى ؟

وما رأيك – يا فقي – في تقريرالقضاة بالنتائج الحقيقية لدائرة بندر دمنهور , وحصولك على 8606 صوتا , وحصول حشمت على24611 صوتا في 137 لجنة من 160 ؟ وحتى لوكانت بقية الصناديق في صالحك لخرجت من المعركة خاسرا . علما بأن صورة كشوف نتائج الفرز نشرت مصورة في : المصري اليوم . بتاريخ 25-11-2005 .

ثم نقول للمفكر المبجل السيد الفقي لماذا الإسراف؟ ولماذا الكذب على الله والشعب؟ يا ليتك قرأت واستوعبت قوله تعالى: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) [غافر: 28].

وقوله تعالى: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم) [الأنعام: 144].

عظيمٌ عظيمٌ ... يا حشمت

لقد عرفت الدكتور جمال حشمت عن كثب من بضع سنين، فوجدت فيه "إنسانًا" بكل تحمل هذه الكلمة من معانٍ ودلالات وإيحاءات... العلم ... والتواضع ... والتقوى ... والصلاح ... وحسن معاملة الآخرين ... والزهد في الأضواء ... والشجاعة في الحق ... إلى أقصى مدى.

لذلك عاش في قلوب الناس، والتف حوله الجميع، وقد رأيت وحضرت بعض المؤتمرات التي عقدها أخيرًا فوجدت الاستجابة العميقة الحقيقية من الناس لهذا الرجل العظيم الذي رصد نفسه لخدمة الإسلام والشعب. ولا أطيل لأن الإطالة قد تغضبه، وهو الزاهد في المدح والثناء، ولو كان مطابقًا للواقع.

وأخيرًا ... يا فقي

أوجه إليك بعض الأسئلة التي تهيمن على عقلي وعاطفتي ووجداني، واعتقد أنها في نفس كل مواطن في دمنهور ... وفي البحيرة... وفي مصر كلها..

كيف تستسيغ يا فقي أن تتربع على مقعد ليس لك، وأنت تحل؟ في مجلس اقتحمته اقتحامًا، أو أقحموك فيه إقحامًا بعد أكبر عملية نهب انتخابية في التاريخ؟.

كيف تسمح لنفسك ـ يا فقي ـ أن تتكلم في مقام ليس مقامك، ومجال ليس مجالك؟.

وكيف تستبيح لنفسك ـ يا فقي ـ أن تتحدث باسم ألوف لم يختاروك، ولم يوكلوك ولم يفوضوك؟ ... وكيف ... وكيف ... وكيف؟ ولكن. تذكر ـ يا فقي ـ أن الحياء شعبة من الإيمان، وأن المؤمن لا يكون كذابًا. ولو وقفت في مجلس الشعب ـ الذي لا تستحقه ـ ونزلت عليك ومضة من ضمير فوقفت وقلت بشجاعة: "اشهدوا أيها الحاضرون أنني لا استحق مقعدي هذا، وأنني نهبته نهبًا، ومن ثم أعيد الحق إلى أصحابه، واستقيل من مجلسكم هذا".

وآه ... آه ... لو قلتها ـ يا فقي ـ لدخلت التاريخ، ولكن تدخله هذه المرة من ـ أنظف ـ أبوابه!.