طعنة الخنجر.. وشبكة الحديد
أ.د. حلمي محمد القاعود
عقب فوزه بجائزة نوبل للسلام في أكتوبر 2009 م ، أصدر الرئيس الأميركي أوباما قراره بدعم القوات المقاتلة في أفغانستان المحتلة بخمسمائة مقاتل أميركي ، أي ما يقرب من كتيبتين لمواجهة قوات طالبان التي أنزلت بالأميركيين والمتحالفين معهم عددا كبيرا من الإصابات،بصورة لافتة .
كان المتوقع بعد فوز الرئيس الأميركي بجائزة نوبل للسلام أن يسحب بعض قواته على الأقل ، أو يشير إلى أنه سيسحب قواته كلها ، أملا في ترك الشعب الأفغاني المسلم الأسير ليرسم مصيره بيد أبنائه ، ويختار الطريق الذي يريده .. ولكن الرئيس الأميركي فضل أن يشعل المزيد من النار ، وأن يقتل المزيد من شعب الأفغان البائس الفقير ، وأن يصر على منهج القوة المتوحشة الذي اتبعه سلفه مجرم الحرب الصليبي جورج بوش الابن ، الذي ألقى بقواته وقوات المتحالفين معه من قوات المؤسسة الاستعمارية الصليبية في أتون حرب لا مسوغ لها اللهم إلا نهب ثروات الشعوب المطلة على بحر قزوين ، وخاصة البترول والغاز الطبيعي الموجودين في البر أو البحر .. دعك من السبب المريب المعلن ، وهو تفجيرات نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، فهذا السبب لو صح فرضا ، فإنه لا يسوغ قتل شعب أعزل آمن لا حول له ولا طول ، ولم يشارك الفاعلين أو يأمرهم بهذه التفجيرات .
ظن الناس أن الرئيس الأميركي الآتي من جذور غير بيضاء سيكون أكثر تعقلا وإنصافا ووعيا بطبيعة العلاقات بين الأمم والشعوب ، وبناء على كلامه المعسول ، تصور العالم أن الرجل سيحدث تغييرا ملموسا في السياسة الوحشية للولايات المتحدة التي ضربت عرض الحائط بالقانون الدولي ، ودمرت أفغانستان بطيرانها الحربي ، ونسفت المساجد والمدارس والمستشفيات والبيوت المتواضعة للأفغان البائسين ، وذهبت إلى العراق فأعادته إلى عصور ما وراء التاريخ لسبب كاذب وهو امتلاكه لأسلحة دمار شامل ، وأصلت الشعب الفلسطيني الأسير بنيران القوات النازية اليهودية التي تأتمر بأمرها وتتحرك بمشيئتها فقتلت ودمرت وقسمت الشعب بين فريقين أحدهما تابع للعدو الغازي القاتل ، وآخر محاصر يعاني القهر والجوع والبؤس ، وقصفت الشعب الصومالي وقتلت كثيرا من أبنائه دون ذنب أو جريرة اللهم إلا رغبة بعض أبنائه في تطبيق الشريعة الإسلامية ، وحرضت عليهم القيادة الصليبية في إثيوبيا لتحتل بلادهم وتصليهم نارا ، وتعصف بالأمل الذي كاد أن يتحقق بوحدة الصوماليين واستتباب الأمن بينهم ، كما حركت الخونة الذي شقوا الصف وتمردوا على شعوبهم في السودان ولبنان والعراق ومصر واليمن السعيد ..
الرئيس الأميركي جرد حملة عسكرية إرهابية ترافقت مع نيله جائزة نوبل للسلام (!) سماها " طعنة الخنجر " ضد الشعب الأفغاني المسلم ؛ قادها الجيش الأميركي والقوات المتحالفة معه ، فقصفت البيوت المتواضعة الآمنة ، وأزهقت عشرات الأرواح ، وأصابت المئات من الفقراء البسطاء ، ومع ذلك لم تستطع " طعنة الخنجر " أن تحقق هدفها ، ولم تتمكن من قهر المقاومة الشعبية الأفغانية التي تقودها طالبان باستبسال يصل إلى حد الشهادة . لقد قامت طالبان بحملة مضادة أسمتها " شبكة الحديد " ردا على " طعنة الخنجر " ، واستطاع الأفغان أن يوقعوا خسائر كبيرة بالحكومة العميلة والجيش الغازي الصليبي الذي لم يجد قادته بدا من الاعتراف بأن كسب الحرب في أفغانستان أمر صعب ، وفي الوقت ذاته راح البريطانيون يئنون من الخسائر التي حدثت لهم ويتوجعون ، وبدأ الحديث في عاصمة الضباب يكثر عن طبيعة الحرب في أفغانستان ومدى فاعليتها وجدواها وتأثيرها على الجيش والمجتمع في بريطانيا التي كانت عظمي ! ولم تقف كندا بعيدا عن الشكوى أيضا من خسائرها هناك!
لقد شكلت القنابل اليدوية الصنع التي يستخدمها مقاتلو طالبان منذ بداية 2009، السبب الأبرز للخسائر التي تلحق بصفوف القوات الاستعمارية الصليبية.. . وقال متحدث باسم حركة طالبان "نكبد دائماً القوات الأجنبية خسائر بهذه الطريقة (القنابل اليدوية الصنع).
ويبدو أن كثرة الخسائر دفعت بالقوات الاستعمارية الصليبية إلى محاولة تشويه سمعة طالبان ، حيث اتهمت الحركة أنها وراء قتل المدنيين ، وهو ما نفاه المتحدث باسم الحركة نفيا قاطعا ، حيث قال تعليقا على قتل ثلاثين مدنيا الصنع بحافلة في ولاية قندهار بينهم عشرة أطفال وسبع نساء و13 رجلاً بالإضافة إلى إصابة 39 آخرين ، وقال المتحدث باسم طالبان : " إنهم يريدون إذاً تدمير سمعتنا عبر هذا الحادث. لكن شعب أفغانستان يعلم من قام بهذا العمل" .
يتجاهل العالم القصف الجوي الوحشي من قبل قوات الاحتلال الصليبية في الآونة الأخيرة علي الأهالي المدنيين في الولايات الشرقية من البلاد (نورستان وننجرهار) و استشهاد عشرات من أفراد الأفغان العزل ؛ وهو ما يكشف مدى عزم الصليبيين المحتلين في القتل العام للأفغان المسلمين ، كما يكشف عن مدى هوسهم وعجلتهم في هذا الفعل الوحشي الشنيع !
إن الصليبين الماكرين يبالغون في استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا العصرية والتقدم العلمي والقتل بها من داخل أبراجهم الشيطانية إلى درجة تجعل بمقدورهم معرفة الفرق من أعلى المريخ بين الإنسان والخروف علي وجه الأرض، لكن هذا الطاغوت المتوحش المعادي للإسلام لم يتمكن في السنوات الثماني الماضية بغاراته الجوية وقاذفاته المتفوقة التي طالت الأبرياء والنساء والأطفال أن ينتصر على الشعب الأفغاني المسلم .
لقد اعترف مندوبو إدارة كابل العميلة بعد كل غارة جوية أن في هذه الغارة قتل الأهالي العزل من أفراد الشعب ، ومع ذلك يواصل الاستكبار العالمي وحشيته . ليس هدف المحتلين إضعاف المقاومة المسلحة في خنادق القتال وضربها بل قتل عامة الناس من الأهالي المدنيين ، والانتقام منهم لأنهم يرفعون نداءات الإسلام والحرية .
إن المآسي التي يعانيها الأفغان كثيرة ، ولكن الإعلام الاستعماري الصليبي لا يتناولها ولا يتكلم عنها ، وإن كان بعض أصحاب الضمير في الغرب لا يسكتون على جرائم المؤسسة الاستعمارية الصليبية ..
لقد أنتج الصحفي والمخرج السينمائي الاسكتلندي جيمي دوران فيلما وثائقيا عن مذبحة بشعة جرت لأسرى حرب من حركة طالبان وقعت العام الماضي( 2008) . لقد استسلم ثمانية آلاف أسير من طالبان بضمان الحفاظ على أرواحهم بعد حصار قندوز. أرسل 470 منهم إلى قلعة جانجي وكان بينهم الأمريكي المنتمي لحركة طالبان جون ووكر لند. وبالطبع كان تركيز وسائل الإعلام العالمية على الأميركي. ولم يهتم أحد على ما يبدو بالسؤال عما حدث للآخرين وعددهم 7500 أسير . وعمليا هناك 4500 مفقود ويعتقد أن 3 آلاف شخص قتلوا. ويصور فيلم " مذبحة الأفغان.. قافلة الموت " حاويات أرسلت إلى سجن شبرقان في داخلها كثير من السجناء ماتوا بالفعل اختناقا في حين مات آخرون عندما أطلق جنود أفغان النار ببساطة على جوانب الحاويات وأقر أحد الشهود بإطلاق الرصاص على الحاويات وقتل أسرى. ما حدث بعد ذلك أنه بسبب المجزرة التي وقعت في سجن شبرقان تم فحص الجثث للتعرف على أصحابها وبعد ذلك طبقا لرواية شاهد آخر نصح جندي أميركي (الجنود الأفغان) بالتخلص من الحاويات إلى خارج السجن قبل أن تتمكن الأقمار الصناعية من التقاط الصور. وأخذت الحاويات بعدئذ إلى مكان يسمى دشت الليل وهي منطقة صحراوية تبعد عشر دقائق بالسيارة من السجن. وهناك تم إخراج القتلى والأحياء. ألقيت جثث الموتى في حفرة ضخمة أعدت لذلك بينما جرى تركيع الأحياء أمام الحفرة وأعدموا فورا وألقيت جثثهم مع الموتى !!!
وإذا كان الشعب الأفغاني المسلم يواجه الموت والمذابح الجماعية ، ولا يهتم به أحد في بلاد الإسلام ، فيكفي أن تذكر اسم طالبان ، حتى تنهض النخب الخائنة الموالية للغرب الاستعماري الصليبي ، والكارهة للإسلام ، وتسخر منك وتتهمك بالرجعية والتخلف ، بينما هم وسادتهم يركعون أذلاء مستسلمين لما تقوله المؤسسة الاستعمارية الصليبية ..
إن طالبان تقود اليوم الشعب الأفغاني ضد الغزاة المتوحشين وهاهي سنوات ثمان قد مضت دون أن يتمكن المجرمون الصليبيون من التمتع بالراحة على أرض الأفغان أو أرض الأسود التي حطمت من قبل إمبراطورتين عظميين هما بريطانيا والاتحاد السوفيتي .. وفي بلاد الإسلام لا تقرأ عن طالبان إلا ما يقوله خدام الغرب الاستعماري الصليبي وتغطيتها للمرأة هناك ، وكأن انتهاك حرية الشعب ، وإهانته ، ونهب ثرواته جرائم لا ترقي لمستوى تغطية المرأة الأفغانية التي تتغطي وفقا لتقاليد قبلية عريقة في التاريخ ، ووفقا لمفهوم من مفاهيم الفقه الإسلامي يعمل به بعض أصحاب المذاهب !
إن شعب الأفغان الأبي البطل يحتاج من المسلمين وخاصة أجهزة الإعلام الإسلامية الوقوف إلى جانبه حتى يتحرر من الغزاة الصليبين المتوحشين ..