متى يفقد الوطن قيمته عند أهله

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

البيئة التي يعيش فيها الإنسان وفيها جذوره الممتدة من الآباء والأجداد تعني عنده الوطن الأم ,وغلاوة الوطن نابعة من أنه عاش فيها ونشأفيها ويحيط به أقرباءه وجذوره الممتدة بأعماق تاريخ تلك البيئة .

في الماضي والحاضر والمستقبل فلا بد من وطن يعيش عليه الإنسان .

وتثبت قدميه في هذه الأرض ويدافع عنها بكل ماؤتي من قوة , يحمي بها نفسه وأهله وماله .

ويتعلق الإنسان بوطنه لدرجة أنه مستعد أن يهب نفسه تضحية في سبيل ذلك الوطن الأم .

ومهما بعد عنه ولكن الحنين لاينقطع من داخله أبدا .

وفي سورية وطني وبلدي وفيها نشأت وترعرعت وجذوري كلها هناك وفروعي وثمراتي , فلا بد من أعمل كل جهدي وبذل ماعندي فداءا له , كقاعدة أساسية وتعبر عن موقف البشر جمعاء كالموقف هذا .

وإن عدنا لهذا البلد والذي يعشقه الغريب قبل القريب .

ولكن مالذي يعنيني من هذا الوطن ؟

الوطن هوخيمة لي وظل يحميني من الحر ودفيء لي في البرد , وترابه تقدم لي الحياة وسبلها , وأعيش على أرضه بالحرية التي وهبها الله للإنسان .

والأمن فيها لحمايتي من الأشرار واللصوص والخارجون عن القانون , والجيش لحماية الوطن من الأعداء وحامي الحدود , لكي أنهل من خيره وأنام بأمان بعد يوم شاق من العمل . والأهل بجانبي ويمارسون حريتهم مثلي , والقضاء فيه هو الفاصل بين المتخاصمين , والثروة في البلد محمية لأهله وللجميع , والحاكم فيها يمثل المجتمع كله وعونا للأحرار وضد الفساد والمفسدين .

عندها أقول هذا وطني الأم , ولا مكان لوطن آخر بديلا عنه وأفديه بمالي ونفسي وأولادي إن تعرض لأي خطر خارجي وعدو يريد النيل منه ولن يستطع العدو في هذه الحالة مهما علت قوته أن ينتصر علينا .

وفي المقابل لذلك , فمنذ أن وعيت سيطر البعث على مقدرات الأمور في البلد , واتخذ الطائفية عنوانا له وجعل كل امكانياته العسكرية متجهة للشعب والحفاظ على الحكم , وتورط في حربين كانت نتيجتها الهزيمة والإنكسار , ولكي يداري الخيبة تحول للداخل وظهرت الأمور العكسية كلها والشاذة وينفذها القائمين على أمر الدوله .

فظهر الفساد والإفساد من حماية من النظام ونهبت الأموال بأيدي الأحباب والأقرباء , وتحول الأمن إلى منتهى الوحشية ضد أبناء الوطن , فبدلا من أن يكون هوالحامي لأمنهم اختصروها بأحرف (أ , ش)اسرق الشعب , واقتل واضرب وعذب كل من لايروق لك فليس عليك رقيب .

وتحول الوطن من جمال الجنة في الأرض إلى الجحيم في الدنيا والآخرة .

فلا مكان لحر فيها ولا مكان لصوت ينادي فيها بالخير وكل من ينطق بكلمة من هنا وهناك (فأنت تضعف الشعور الوطني ) , وتسلل الأمن لكل بيت وكل زاوية , والجيش مستعد لإرسال آلاف الجنود في مقابل واحد أو اثنين قالوا لا .

سبعة آلاف جندي من الوحدات الخاصة وأربعين طائرة مروحية وناقلات جنود حطت في منطقة تطارد ثلاثة خارجين عن القانون الغير دستوري بالأصل . ولم يجدوهم وعادوا بعد ذلك للوطن .

فأي وطن هذا بسبعة آلاف جندي يحتل منطقة بكاملها داخل البلد ولا يوجد أي خطر مهدد في أمن البلد ولو حولت عملية الإنزال هذه للجولان لكانت حررته.

فالسارق إن كان من أهل النظام يرفع لمكان أعلى إذا فضح بين الناس والضعيف يحاكم ويقتل أو ينتحر في العتقلات .

فالحرية فقط لمن لف حول العائلة ولا محاسب لهم والأمن له السلطة المطلقة والقضاء وإن وصل الشخص للمحكمة فهو صادر من قبل الأمن قبل أن يصل القضاء ومهمة القاضي فقط قراءة نص الحكم الصادر من الأمن لاغير .

وإن تكلمت وقلت أنا مظلوم وأريد بالعودة إلى هذا الوطن ليتقدم الصفوف في الحرية والعدالة وتطبيق القانون قالوا لك أنت تريد أن تحطم إرادة الصمود عند البلد .

فكيف لبلد امتلك الفساد هذا والظلم القائم منذ مايزيد عن الأربعين سنة وذهب من جراء ذلك الألوف وفي السجون لايعلم إلا الله العدد , ويدعي أنه سوف يقاوم ويمانع.

فكالذي يتحدى عدوا عنده أولاده العشرة والمتحدي قهر أولا ده العشرة وشردهم في بقاع الأرض او غياهب السجون او تحت الأرض ولا يملك سلاحا ولا قوة . ويصبح في هذه الحالة كحمل رضيع بين يدي ذئب كاسر.

أما بالنسبة للشعب الذي لاقى ويلاقي تلك المآسي فما قيمة الوطن عنده ستكون .

يدور حوله ولا يستطيع الدخول وإن خرج منه ولو عشرات الآلاف من الكيلومترات بعيدا عنه يبقى يتملكه الخوف والقشعريرة من النظام .

وهنا يكون الوطن فاقد أهميته عند أبنائه وإن حصل عليه أي اعتداء خارجي فليس فارق عنده , فالعدو والنظام عنده في كفة واحدة وقد يزيد عنده هواه في تأييد العدو ولو في قلبه .

فالوطن لم يقدم له لاالخير ولا الأمان ولا الحياة الكريمة وحتى في أدنى صورها .

هنا الوطن ليس له قيمة في نفس الشخص وفي أبنائه وهي قيمة مؤقتتة تزول بزوال سبب الكره .

فهل يعي النظام السوري حقيقة الأمر هذا وأن أي فرصة للإنقضاض عليه فلن يجد ملجأ لاهو ولا من لف حوله وفسد البلد به وأفسده .

والناصح في الأمر عليه أن يراجع ذلك ليضمن حب الناس لبلدهم وقادتهم لاأن يكونوا في نظر الغالبية العظمى ألد أعدائهم .