ليس بالمهاترات تعود اللحمة الوطنية
محمد فاروق الإمام
ارتفعت في هذه الأيام وتيرة الردح عند مجموعة السلطة في رام الله باتجاه حركة حماس، فقد هاجم رئيس سلطة رام الله المحتلة محمود عباس يوم الثلاثاء الماضي 13 تشرين الأول بشدة حركة المقاومة الإسلامية حماس، متهماً إياها بأنها تختلق الذرائع للتهرب من اتفاق المصالحة الوطنية، وقال خلال حفل افتتاح مبان جديدة في الجامعة الأمريكية بجنين (إن حماس تتذرع بتأجيل تقرير غولدستون للتهرب من المصالحة التي كان من المقرر التوقيع عليها في القاهرة في الخامس والعشرين من الشهر الحالي).
وأضاف (همنا الكبير والأعظم هو استعادة وحدتنا الوطنية وإنهاء الانقلاب الأسود الذي وقع في قطاع غزة وإنهاء الظلامية وإمارة الظلام التي يحاولون بناءها هناك على أنقاض أبنائنا) مضيفاً (هم مرتاحون بإمارتهم الظلامية لأنهم جلسوا فيها باسم حركة الإخوان العالمية).
هذا الهبوط في الوصف والنعت لحركة أصيلة متجزرة في الوطن الفلسطيني، جاءت من رحم مقاومة الاحتلال، ونمت وترعرعت من قاني دماء الشهداء الأطهار الذين سقطوا في ميادين الجهاد ومقاومة الاحتلال، وأجبروا المحتلين الصهاينة مرغمين على الانسحاب من قطاع غزة، ونالوا شرف ثقة الجماهير الفلسطينية في أول اختبار لهم، وفازوا بمعظم مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخابات نزيهة وشفافة لم يشهدها عالمنا العربي منذ عقود، وتصدوا بصدورهم العارية وبطونهم الخاوية لأعتى وأقوى جيش في المنطقة بما يملكه من قدرات عسكرية مدمرة ومتطورة، ومنعوه من العودة إلى غزة، وأجبروه على التراجع إلى ما وراء حدود غزة البطولة والشموخ والكبرياء والعزة والصمود، مسطرين أعظم ملحمة يشهدها تاريخنا الحديث باعتراف كل العسكريين من أصدقاء وأعداء ومحايدين ومنصفين.
وهذا الصمود دفع العالم كله ليعبر عن غضبه تجاه إسرائيل وما ارتكبته من مجازر بحق الفلسطينيين وما خلفته من دمار طال الشجر والحجر والتراب والهواء، فقامت المظاهرات التي ضمت مئات الآلاف في معظم مدن العالم، وفي مقدمتها عواصم أوروبا وأمريكا ومدنها على مدار أسابيع وأيام وشهور، والتي كانت حتى الأمس القريب تتعاطف مع الصهاينة بتأثير من الإعلام الصهيوني واللوبي الصهيوني الذي يسيطر على وسائل الإعلام في الغرب، ويمتلك المؤسسات المصرفية والاقتصادية التي تتحكم في رغيف الخبز وأجر المواطن الغربي والأمريكي.
وعندما أراد العالم أن ينصف الفلسطينيين ويجعل من قضيتهم قضية حق وعدل لما تحملوه من عنصرية المحتل الصهيوني على مدار أربعين سنة، موجهين أصابع الاتهام – ولأول مرة – إلى الدولة العنصرية العبرية التي استهانت بالإنسان الفلسطيني وقتلته وجوعته وكتمت أنفاسه وساقته إلى المنافي والسجون والمعتقلات وحاولت تدميره وتدمير حياته ومجتمعه بهدف استئصاله واستئصال قضيته، متهمة هذه الجماهير الغاضبة الدولة العبرية العنصرية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة الذين قتلوا الأطفال والشيوخ والنساء ودمروا الحجر وجرفوا الشجر وسمموا الهواء في غزة.
وعندما وقع الصهاينة في حيص بيص أمام اتهام تقرير غولدستون لهم بأن ما قاموا به في غزة يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، جاء الترياق على يد سيد مقاطعة رام المحتلة محمود عباس بتوجيه الأمر إلى مندوبه في منظمة حقوق الإنسان الدولية في جنيف لسحب التقرير وعدم التصويت عليه أو رفعه إلى مجلس الأمن لمناقشته والبت بما جاء فيه، بدعم ما يزيد على خمس وثلاثين دولة مؤثرة ومهمة في العالم!!
ولم يكتف عباس بفعلته التي يعجز الوصف على نعتها بل راح يكيل الاتهامات للطرف الآخر الذي قدم دمه وحياة أبنائه وكل ما يدب على ارض غزة وما فيها من بيوت ومدارس ومؤسسات وبنية تحتية ومستوصفات ومستشفيات ومراكز دولية أتوناً لهذا العدوان الغاشم الذي ارتكبته الدولة العبرية العنصرية بحق أهل غزة أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009.. لم يكتف عباس بسحبه للتقرير وإنقاذ الدولة العبرية ومجرميها القتلة العنصريين، بل راح يكيل لممثلي الشعب الفلسطيني الحقيقيين أفظع الاتهامات وأبشع النعوت التي لا يليق بمن يحسب نفسه أنه رئيساً للشعب الفلسطيني أو قائداً لكفاحه أن يتلفظ فمه بمثل هذه العبارات الرخيصة النابية.
أخيراً لابد للشعب الفلسطيني من أن يقول كلمته، ولابد لحركة فتح أن تعطي رأيها، بالرد على ما جاء من عبارات ممجوجة من رئيس سلطة رام الله المحتلة، والإعلان عن غضبهم لما اقترفه عباس وما جره على القضية الفلسطينية من ويلات بسحبه لهذا التقرير الذي انتظرته الجماهير الفلسطينية طويلاً، وأقل ما يمكن أن يفعله الشعب الفلسطيني اليوم وحركة فتح هو مطالبة عباس بالاعتراف بجريمته والعمل على ترميم ما اقترفت يداه، بدلاً من الاستهانة بتقرير غولدستون، والتهجم على حماس ونعتها بأقذع النعوت، وهي الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني بقوة صناديق الاقتراع والقرار الشعبي الفلسطيني، وأن يقدم اعتذاراً للشعب الفلسطيني على الخطيئة التي ارتكبها، ويعمل على إعادة بناء البيت الفلسطيني وإعادة الثقة والتلاحم بين فصائله، وليس عيباً الاعتراف بالخطأ ولكن العيب بالإصرار عليه، ورحم الله أبا بكر رضي الله عنه وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي)!!