أفكار مبدئية لمستقبل الحكم في سورية
أفكار مبدئية لمستقبل الحكم في سورية
م.نجدت الاصفري
في البداية دعني اعترف انني لست من المتخصصين في التخطيط لسياسات الامة والوطن خصوصا اذا كان الوطن جريحا معلولا يحاول ان يلملم جراحه النازفة التي سببها حكم اقل ما يوصف به انه كان ولا يزال ضد مصلحة شعبه فأقصاه عن ركب الحضارة وتركه عاريا في وقت تقفز الشعوب الاخرى الى مستويات نحتاج للحاق يها الى دهر طويل.
إلا انني و بما أستطيع فلن أتأخر في إبداء الرأي اصبت او أخطأت ، لأن الوطن إن احتاجني بذلت ما استطيع ولن أتأخر عن المشاركة فرب رأي صائب جاء من غيرما صاحب اختصاص ، وإن كان ما أصابنا خلال النصف قرن الماضي جعل اكثرنا اخصائيين في حل ما أوقعنا به قدرنا من حاكم ظالم وشلة باغية حوله
إنني ما دخلت معترك السياسة إلا فداء لوطن موحد فإذا كانت الارض غالية غلاء الدم الذي يسري في عروقنا من خيراتها فإن حبها لم يكن محصورا في قاع صفصفا بل بأرض يتحرك فيها شعب عريق أسس حضارات وبنى مجتمعات وساهم في ركب الحضارة العالمية لقرون عديدة ، كما خاض حروبا ضحى فيها بالدماء وبذل الغالي والرخيص للحفاظ على لحمة الارض والانسان امام الطامعين على اختلاف انواعهم ومصادرهم شرقيين او غربيين .
ملء التاريخ والازمان سواء كان الشعب غالبا او مغلوبا في معاركه للذود عن حياض هذا الوطن يمثل بكل اطيافه باقات متلاحمة متعددة بديعة تبذل في سبيله المهج والارواح وما حدثنا التاريخ بتقاعس او تنكب زمرة او فئة من مكوناته عن المشاركة في التضحية والفداء. فقد استلمنا الوطن كتلة واحدة من الاجداد ويقع على عاتقنا شرف المحاظة عليه كما ورثناه لنورثه لمن بعدنا ازهى وأحسن لا أسوأ واصغر . فلم يخطر لنا في بال ان نجاهد ونكافح الا من اجل وطن ان لم يكن يضم بلاد العرب كلها فليكن على الاقل ان نحافظ على ما بأيدينا . ولنا فيما يجري في العالم حولنا مثل يحتذى ، فهذه اوروبا التي لايربطها رابط من الروابط الاساسية كاللغة والدين والقرابة... تتوسع يوما بعد يوم بإنضمام المزيد من الدول المجاورة والتي كانت على مر العصور اعداء يتقاتلون واذا بهم اليوم يتحدون لعلمهم ان اليوم عصر التكتلات ، فالقوة مع الكثرة ، والمنعة بالوحدة ، والتقدم بالمشاركة.
لا أشك ان الجميع يكره ما فعله المستعمرون من تقسيمنا الى دول فتات يقصد بذلك ابعادنا عما كان مصدر عزتنا وقوتنا .. وإن كنا لا نستطيع الوحدة لامور لا تخفى على احد فعلى الاقل ان لا نزيد ضعفنا هزالا و لا اوطاننا تقسيما .
فالفدرالية – على ثقلها على النفس – لا تؤدي لطموحنا لبلد واحد ليس خلايا واكواخ بل كان ولا يزال وسوف يبقى بلدا واحدا للجميع يحمل كل فرد هموم هذا الوطن من ادنا الى اقصاه.
ان اية فكرة تقوم على مسميات متعددة مهما كانت تهدف الى تقسيم او تحجيم او فدرال او .... كلها مرفوضة جملة وتفصيلا.
لقد عفى الزمن عما كان سائدا فى العصور الوسطى حيث الجهل والفقر والانظمة الديكتاتورية خلقت نظام ( الدولة المدينة) او في عصر العثمانيين (نظام الاقطاعات) او عصر الاستعمار الذي فتت وقسم ..هذه الازمنة لن تعود ما لم تجد الدول التي ورثت الاستعمار فينا لعملاء يأتمرون ويتآمرون على اهلهم واوطانهم لكن اهلنا قد اصبحوا الان في مستوى لا يتقبلون ان يستغلهم طامع في ارضهم وجهدهم ليكونوا خدما له.
مع سوء ما بلانا القدر في محنة هذا النظام الاحمق بمقدار ما نفعنا ان فتح عيوننا على ابواب الفساد والدمار التي عانينا كلنا بلا استثناء منها لنتجاوزها ونتجنبها. فإن شعور الحاكم الطاغية ان بقاءه في الحكم مرهون ببقائه بالسلطة جعلنا اول المنادين بتحديد فترة الحكم للحاكم بعد خلاصنا منه قريبا انشاء الله حتى ولو كان عبقريا فريد المواصفات .( كالقائد الخالد.. والقائد الرمز..والقائد الملهم....)
وقبل ان اقفل باب الحديث عن شكل الدولة القادمة بعد زوال هذا الحكم البغيض اود ان اذكر نفسي واياكم بأن عدونا الاول (اسرائيل) هو المستفيد الوحيد من اية خطوة تشدنا الى الوراء في الضعف والتفكك والتناحر، واذا كان لي ان اذكر بمخططات اسرائيل فإن اول رئيس وزرائها ( بن غوريون) عند استقلالها وقبولها في الامم المتحدة حضر الاحتفال وقال -:
إن اسرائيل التي تحتفلون اليوم معنا بقبولها عضوا في منظمتكم الموقرة ، هذه الدولة الفتية والصغيرة لن تستطيع ان تعيش بسلام وأمان ضمن هذا الخضم الكبير من الكراهية من قبل الدول المحيطة بها ، ما لم تتقسم هذه البلاد الى دويلات صغيرة ضعيفة تكون اسرائيل الاكبر والاقوى بينهم .
ينشأ السؤال هنا ما إذا كانت الانظمة المحيطة بها تقوم اليوم على خدمة هذا المخطط الرهيب. والشواهد امامنا الآن قائمة بما يوحي ان المخطط يتفاعل ، فهل نزيد الطين بلة؟؟ ونضع انفسنا سواء عرفنا او جهلنا في خدمة العدو.
لذلك لا أرى إلا ان نكون بلدا واحدا مندمجا بكل اطيافنا لأن في ذلك قوة ومنعة لاتتوفر في التفرق والتناحر ونجد انفسنا إما في سباق للتسلح ، او ان نرمي انفسنا في احضان من يستطيع تقديم الحماية المصطنعة مغموسة بذل المستعمر الظالم.
إن الامثلة كثيرة اليوم حولنا من الانظمة المندمجة والتي تتميز عن بقية اقطار العالم بتقدمها ورقيها -:
هذه الولايات المتحدة التي تضم 50 ولاية يقوم فيها نظام واحد إلا ما كان مخصصا لبعض الولايات حسب طبيعتها الجغرافية والبئيية لها..( رئيس ، وعملة، وجيش، وعلم ، وبرلمان )... واحد ، مع ان التناقضات كثيرة لكنها تبقى ثانوية ما دام الجميع سواسية امام القانون والدستور يكفل للجميع حريته الاساسية في العيش الكريم والحرية الشخصية في التعبير والعبادة...الخ
وهذه المانيا الاتحادية التي تحوي مزيجا متناغما في مجتمع متعدد المذاهب والمعتقدات ( بروتستانت ، كاثوليك ، مسلمون) اما من حيث الاعراق والعصبيات فهناك( البافاريين والفرنك والجرمان والبرويس والسكسون والدويتش والشليزيين ) مع ذلك يضمهم بلد واحد يتربع على عرش العالم الصناعي بلا منازع .
وهذه سويسرا التي لا يجتمع شعبها على لغة واحدة فلغاتهم الثلاثة تدل على مصدر المواطنين من الايطاليين والفرنسيين والالمان.. مع كل هذا تعتبر رائدة في نظام فريد يتمتع اهله باحترام العالم اجمع .
ان اختيار الديمقراطية الحقيقية لنشر العدالة الاجتماعية وتساوي المواطنون في الحقوق والواجبات واتاحة الفرصة امام المواطنين لانتخاب ممثليهم بحرية تامة تحت اشراف هيآت عالمية نزيهة للتعبير عن تطلعاتهم لمستقبل واعد مشرق هو الضمان لتبديل ما نحن فيه اليوم لما نحلم به من غد كريم نستطيع ان نتمتع بخيرات بلادنا المعطاءة.
لا شك ان اول الطريق صعب تحف به مشاكل ورثناها عن هذا النظام الزائل بسبب ما عانيناه على يديه من كبت وحرمان لكل حقوق الحياة الحقة.
إن الغاء الماضي ونسيانه بكل تبعاته والتطلع الى المستقبل هو رهان الشعب على تغير حاله من سيء الى حسن ، وإن ممارسة الديمقراطية اسما وعملا هو الخيار الاوحد امامنا لمستقبل منير. إن تاهيل المواطنين لممارسة الديمقرطية هو شيء جميل خصوصا عندما يحس المرء بقيمته وكرامته فليس هناك سجون او معتقلات إلا لمن خرق القانون وتعدى او تجاوز حدوده على حساب الاخرين ذلك القانون الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الرعية بلا تفريق او تمييز .
الحصن الحصين لحماية مستقبل هذا الوطن واهله هو لجنة من المخلصين اصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة يضعون دستورا يتماشى مع العصرالذي نعيشه ويتجاوز الألاعيب والمصالح الخاصة سواء لقبيلة او فئة او جماعة.. تكون مصلحة الوطن والمواطن هي الهدف الحقيقي .... ليست كتلك الدساتير التي لا تسوي قيمة الحبر الذي كتبت به. وأظن ان رحم هذه الامة الخيرة قد اكرمنا بكفاءات في اعلى المستويات العلمية تحتضنهم اليوم افضل الجامعات العالمية ولا بأس أن يشاركهم
نخبة من رواد العالم في هذا المجال ليكون المولود خال من كل الشوا ئب والعلل.
إن الاخلاص في تشخيص المشاكل ورسم العلاج بأيد خبيرة ومخلصة هو الضمان لوضعنا على الطريق الصحيح الذي يقودنا الى مستقبل مرتجى.
إن برلمانا منتخبا باسلوب نزيه ومباشر هو الاسلوب الفعال لوصول ممثلين حقيقين يتحدثون باسم الشعب ويقررون نيابة عمن انتخبهم ما يرونه في مصلحة الجميع.
بالتوازي مع البرلمان تقوم جمعيات المجتمع المدني تكون عين المواطن واذنه تناقش بشفافية وحرية امور الوطن والمواطن ليتأكد النخب ان البرلمان الذي انتخبه يمثل طموحاته وآماله وان لايكون هناك انحراف عن الاهداف الحقيقية التي انتخب البرلمان من اجله ، كذلك يشعر المواطن انه في قلب الحدث يراه ويسمعه ويشارك
في صنعه. هذه المنتديات تحميها حصانة مقدسة يكفلها الدستور ولا يضايقها حاكم ارعن او مخبر اخرق. فلا يخاف مريدها من عين مراقب او اذن جاسوس .
الاحزاب السياسية هي واحة لتبادل الاراء السياسية وتفاعلاتها لها كامل الحق في طرح مشاريعها وبرامجها فمن حاز على رضى الشعب واقترب من آماله وطموحاته حسب الظروف المتغيرة بتغير المناسبات والاحوال على الساحة الدولية وانعكاساتها على الشعب وما يمس مصالحه مما لايتوفر بالضرورة لكل مواطن تشغله ظروفه الحياتية والمعيشية ان يتابعها بنفس القدرة للاحزاب وسياسييها فتدار فيها بحرية نقاشات معمقة تغني الحدث وتظهر الصورة جلية امام الشعب وممثليه مما يزيد اعضاء البرلمان علما في امور قد لاتكون في اصل اختصاص اعضائها .
الجيش هو ذلك الجندي الذي انيطت به امانة الدفاع عن اهله وبلده . وتلك هو حدوده في ممارسة دوره في الوطنية المرجوة منه ، يتلقى اوامره من قيادة همها التدريب والتخطيط لجيش جاهز لحماية الوطن (اهله وماؤه وارضه وسماؤه) الجيش لايصنع القرار السياسي ولايتدخل فيه الابقدر ما يتلقى الاوامر من المسؤولين عن ذلك فينفذها بحزافيرها مستميتا من اجلها
كل مهماته محصورة في اللياقة والجاهزية القتالية ليس ضد اهله ووطنه بل ضد كل من ينتهك كرا مة وحصانة وامن الوطن . السياسة لا يمارسها العسكري بتاتا في أي ظرف او مكان.
كل ما اوجزته فيما سبق مرهون بمواطن صالح منفتح العقل سليم التفكير يرتفع الى مستوى المسؤولية في سبيل وطن ومواطن يرفعه الى مصاف ما يليق به من قدسية وكرامة ويحفظ هذا الوطن في حاضره وللاجيال القادمة خاليا من الامراض التي عصفت بالامم البائدة عندما فرط ونام حماتها عن رعايتها.