دولة الإمارات والتطبيع مع إسرائيل
دولة الإمارات والتطبيع مع إسرائيل
حسين علي محمد حسنين
كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر
من المؤكد أن العلاقات الإسرائيلية الخليجية يشوبها المد والجزر خاصة دولتي قطر والإمارات العربية المتحدة وتحديدا بعد انفتاح أسواق الأخيرتين لدول العالم الخارجي ومنها اسرائيل ، إلا أن وسائل الإعلام فى كلا البلدين الخليجيين لا زالت ترفض شكلا وموضوعا أى نوع من أنواع التعاون التجاري والاقتصادي مع إسرائيل على الرغم من أن التقارير الاقتصادية والتجارية الدولية تؤكد وجود ذلك التعاون خاصة في مناطق التجارة الحرة الموجودة داخل الإمارات وقطر إضافة إلى مكاتب التمثيل التجاري فى الأولى التى تعمل من خلف ستار ، وفى الدولة الثانية من خلال جبل على وغيره .
أما على الجانب الآخر فان وسائل الإعلام الإسرائيلية تعلن عن كل صغيرة وكبيرة ، فقد أعلنت في يونيو2004 الماضي عن بدأ مفاوضات إسرائيلية مع مسؤولين إماراتيين حول فتح مكتب اتصال يهتم بالنواحي التجارية والاقتصادية بإمارة أبو ظبي كما هو الحال مع دولة قطر إلا أن الإعلام الإماراتي نفى ذلك جملة وتفصيلا فى الوقت الذى أكدته بعض مصادر رجال الأعمال العربية والأمريكية والإسرائيلية . وفى أوائل شهر فبراير 2005 أعلنت إذاعة اسرائيل عن فتح مكتب تمثيل تجارى إسرائيلي بإمارة دبي الا أن الإعلام الإماراتي عاد ونفى ذلك مرة ثانية . ومع ذلك فكل الدلائل تشير الى وجود تطبيع اقتصادي وتجارى غير معلن عنه فى الإعلام العربى بين دولة الإمارات وإسرائيل ، وقد بدا ذلك بشكل تدريجي منذ تأسيس مشروع التجارة الحرة بمنطقة جبل على بالإمارات .
وفى إطار تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين ذكر فى 17 فبراير عام 2005 أن الملياردير ورجل الإعمال الإماراتي محمد العبار الذى يمتلك شركة (اعمار) للمقاولات بالإعلان عن امتلاكه لشركة عقارية جديدة تم تأسيسها تحت أسم شركة ( إعمار فلسطين ) للعمل داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية ، وفوق ذلك صدر بيان للشركة الجديدة جاء فيه : أنه بتوجيهات من ولي عهد دبي ووزير الدفاع الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تم إنشاء شركة اعمار فلسطين . ولكن المثير هنا انه تبين أن محمد العبار كان قد بدأ فى تأسيس تلك الشركة العقارية الجديدة منذ عدة شهور خاصة وأنه أجرى اتصالات بهذا الخصوص مع النائب العمالي من عرب اسرائيل ووزير النقل السابق إبراهيم سنية وبحثا في اجتماع خاص عدد من مشاريع الاعمار بالأراضي المحتلة تتعلق بإعادة اعمار قطاع غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية فى صيف هذا العام 2005 ، وقد شارك فى تلك المباحثات المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء الإسرائيلي إيلان كوهين ، وأجريت تلك الاجتماعات التى ضمت العبار وسنيه وكوهين بمدينة القدس الغربية ( ويذكر أن تلك المباحثات شهدت اهتمام سنيه بإيجاد دور لرجل الأعمال الإماراتي فى إعادة تعمير غزة وخاصة المستوطنات المقرر إخلاؤها قبل نهاية صيف 2005 ) ، ويأتى ذلك فى الوقت الذى يسعى فيه عدد من رجال الأعمال العرب ومنها مصر الى الدخول فى مشاريع إعادة اعمار مناطق غزة والضفة الغربية فى مرحلة لاحقة .
وفى 18 فبراير 2005 أعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية ( أصاف شريف) أن رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار اقترح على الحكومة الإسرائيلية شراء المنازل التي سيخليها المستوطنون في قطاع غزة . وأضاف شريف: أن محمد العبار بحث هذا الموضوع مع المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء الإسرائيلي إيلان كوهين ، وبعد إتمام المباحثات التقى محمد العبار وكوهين برئيس الحكومة أرييل شارون لبضع دقائق ، ولكن شارون أشار الى احتمال هدم تلك المنازل وانه لا يمانع فى قيام العبار بشرائها بعد هدمها والاستفادة من الأنقاض فى إعادة بناء منازل جديدة للفلسطينيين .
وفى نفس اليوم 18 فبراير 2005 أعلنت المحطة الثانية بالتليفزيون الإسرائيلي فى خبر عاجل لها أن محمد العبار الذي يعمل في مجال العقارات ويشغل فى نفس الوقت منصب المدير العام لدائرة التنمية الاقتصادية بإمارة دبي قد اقترح لدى الحكومة الإسرائيلية شراء جميع المنازل الموجودة بمجمع مستوطنات جوش قطيف بجنوب قطاع غزة بقيمة 56 مليون دولار. وقال التليفزيون الاسرائيلى أن العبار أجرى اتصالات بهذا الخصوص مع النائب العمالي وزير النقل السابق إبراهيم سنية الذي شارك في اللقاء بين العبار وإيلان كوهين بالقدس الغربية . وقد أشار التليفزيون الاسرائيلى فى تقرير له عن نشاط العبار بأن أعماله العقارية واسعة الانتشار وان شركته (إعمار العقارية) تعد إحدى كبريات الشركات العقارية في الخليج. وهي شركة مساهمة عامة مدرجة في سوق دبي المالي. وتقدر قيمة أصول الشركة بحوالي 7.7 مليارات دولار، وتعد حكومة دبي من أهم المساهمين بتلك الشركة ، وأنها تقوم حاليا بتنفيذ 15 مشروعا ضخما في الإمارات وحدها معظمها أبراج سكنية وتجارية.
ومع تسابق الأحداث أعلن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز فى 19 فبراير 2005 بأنه يؤيد مقترحات رئيسِ مجلس إدارة شركة إعمار العقارية الإماراتية محمد العبار بالمساهمة فى إعادة اعمار غزة وشراء جميع المباني بمستوطنة جوش قطيف بغزة مقابل 56 مليون دولار أو شرائها أنقاضا فى حال إصرار المستوطنين على هدمها . جاء ذلك عقب لقاء الرجلين بالقدس الغربية . فى نفس الوقت صدر بيان عن مكتب بيريز أكد على أن الحكومة الإسرائيلية تسعي الى المحافظة على البنية التحتية بالمستوطنات، وأنها ترغب في إيجاد حل بشأن المنازل التي سيتم إخلاؤها بدلا من هدمها ، وأكد البيان على أنه تم الاتفاق على إنشاء لجان عمل بين شركة إعمار فلسطين التابعة لمحمد العبار وبين مكتب نائب رئيس الوزراء شارون ، وشدد البيان على أن شيمون بيريز يؤيد بيع مباني جوش قطيف للشركة الإماراتية .
وفى 22 فبراير 2005 أثار لقاء رجل الأعمال الإماراتي الرفيع المستوى محمد العبار ببعض كبار المسئولين الإسرائيليين موجة استنكار داخل وسائل إعلام دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد شددت وسائل الإعلام على أن الملياردير محمد العبار ( الذى يرأس شركة "إعمار" التى تعد من كبريات الشركات العقارية بإمارة دبي ، والذي يرأس فى نفس الوقت الدائرة الاقتصادية بإمارة دبي ذات النشاط العقاري الواسع ) بأنه ( أي محمد العبار) التقى فى منتصف شهر فبراير 2005 (أثناء زيارته للأراضي المحتلة) برئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بالقدس الغربية وتحدث أيضا مع الرجل الثاني في الحكومة الإسرائيلية شيمون بيريز حول عدد من القضايا الاقتصادية . وفى تلك المقابلة عرض العبار على الحكومة الإسرائيلية شراء المنازل المقرر إخلاؤها بالمستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة فى صيف عام 2005 .
وفى هذا السياق كتبت جريدة الاتحاد الناطقة بلسان حكومة أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات أن محمد العبار قد تجرأ وأدار سياسة دولة الإمارات الخارجية معتقدا بأنه كيسنجر عصره ، وقد شددت الجريدة على أن ذلك أمرا غير مقبول البتة . وأضافت الصحيفة "أن العبار حاول من خلال تصرفاته تلك إحراج دولة الإمارات باتصالاته الإسرائيلية الخاصة ، ومن ثم فهو تصرف غير مسؤول وغير مقبول . وشددت الجريدة الناطقة بلسان الحكومة على أن خطوة العبار تعد الأولى في تاريخ دولة الإمارات الناصع البياض، والتي يتجرأ فيها أحد الأفراد على تجاوز السياسة المعلنة للدولة .
وفى 23 فبراير 2005 انتقدت "لجنة الإمارات الوطنية لمقاومة التطبيع مع إسرائيل" بشدة مبادرة رجل الأعمال بإمارة دبي محمد العبار، وأعلنت اللجنة أن ما فعله العبار هو مخالفة للقانون الدولي وكذلك للقانون الاتحادي الإماراتي ( ملحوظة : لا أحد يعرف المقصود بعبارة مخالفة للقانون الدولي خاصة وان مصر والأردن والمغرب وتونس وقطر يتعاملون مع اسرائيل اقتصاديا وتجاريا ولم يقل أحد من تلك الدول أن ذلك مخالفا للقانون الدولي) . كما دعت تلك اللجنة أيضا السلطات الإماراتية إلى "التدخل الفوري لإيقاف هذه الهرولة للعبار والتي ستفسر على أنها مكافأة للعدو الإسرائيلي على جرائمه المستمرة" . يذكر فى هذا الصدد أن لجنة المقاطعة العربية لإسرائيل التى تتزعمها سوريا قد تدخلت بشدة فى هذا الشأن ضد رجل الأعمال الإماراتي لمنعه من التعامل مع اسرائيل ،وقد لعبت سوريا دورا رئيسيا فى هذا الخصوص .
الإمارات والتطبيع:
وفى 7 مارس 2005 أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة على استحياء بأن دخولها في مفاوضات مع الولايات المتحدة لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة لا يلزمها بتغييرات في مواقفها السياسية بشأن بعض القضايا الإقليمية . جاء ذلك على لسان وزير المالية والصناعة الإماراتي محمد خلفان بن خرباش الذى كان يرأس وفد بلاده فى مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التى عقدت بإمارة أبو ظبي فى 8 مارس 2005 . وأشار الوزير بن خرباش الى أن "الهدف من الدخول في مفاوضات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية هو السعي لتطوير ونمو الاقتصاد الوطني لدولة الإمارات وتعزيز موقعها الإقليمي كقوة اقتصادية رائدة في المنطقة خاصة وان ذلك لن يتأتى إلا بمزيد من التعاون وتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الإمارات والولايات المتحدة الامريكية.
الا أن تصريح الوزير ابن خرباش حول رفض بلاده التطبيع مع اسرائيل جاء ردا على هجمات وسائل الإعلام العربية والإماراتية التى أشارت الى معلومات غير مؤكدة تحدثت عن شروط أميركية تربط سير مفاوضات واشنطن مع أبو ظبي بوقف مقاطعة الأخيرة لإسرائيل خاصة وان بعض أعضاء الكونجرس الامريكى شددوا على ضرورة ربط اتفاقية التجارة الحرة بوقف المقاطعة الإماراتية مع اسرائيل وضرورة التطبيع مع حكومة تل أبيب . وأشارت وسائل الإعلام العربية والإماراتية بأن تطبيع الامارات مع اسرائيل يجعلها تخرج عن الخط العربى فى دعمها للقضية الفلسطينية . جدير بالذكر أن قيمة التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات في العام 2004 قدر بنحو خمسة مليارات دولار ويميل الميزان التجاري لصالح واشنطن التي تبلغ قيمة صادراتها للإمارات حوالي 3.5 مليارات دولار فيما تبلغ قيمة صادرات أبو ظبي للولايات المتحدة نحو 1.5 مليار دولار.
(يذكر أن كل من مصر والأردن وقطر وموريتانيا والمغرب وتونس تربطهم اتفاقات متنوعة مع إسرائيل ، كما أن هناك مفاوضات سرية تجرى حاليا بين النظام السوري وإسرائيل بأحد العواصم الأوربية ) .
المراجع
· أصاف شريف : المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية : محمد العبار اقترح على الحكومة الإسرائيلية شراء المنازل التي سيخليها المستوطنون في قطاع غزة ، 18 فبراير 2005 .
· تليفزيون إسرائيل : المحطة الثانية للتليفزيون الإسرائيلى تعلن : محمد العبار يقترح شراء جميع المنازل في مجمع مستوطنات جوش قطيف بجنوب قطاع غزة بقيمة 56 مليون دولار، 18 فبراير 2005 .
· جريدة الاتحاد الإماراتية: مسئول إماراتي يحرج دولة الإمارات باتصالاته الإسرائيلية الخاصة, ، 22 فبراير 2005 .
· شيمون بيريز: بيان صادر عن مكتب شيمون بيريز حول بشراء جميع المباني في مستوطنة جوش قطيف بغزة ، 19 فبراير 2005 .
· لجنة الإمارات الوطنية لمقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي : بيان يشير إلى انتقاد مبادرة العبار ، 23 فبراير 2005 .
· محمد خلفان بن خرباش : تصريح وزير المالية والصناعة الإماراتي حول رفض الإمارات للتطبيع مع إسرائيل ، 7 مارس 2005
· وكالة الأنباء الفرنسية: لقاء رجل أعمال إماراتي ببعض كبار المسئولين الإسرائيليين ، 23 فبراير 2005 .