يا مبارك ... "اتق الله"

يا مبارك ... "اتق الله"

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

نعم , يا مبارك ... اتق الله . أقولها، وأظل أقولها إلى أن نلقى الله، وإنما أخاطبك بأمر وجهه الله ـ سبحانه وتعالى ـ للناس جميعًا، وللمؤمنين والمسلمين بصفة خاصة، لقد وجه الله إليهم هذا الأمر في القرآن تسعًا وستين مرة، منها:

ـ (يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) [النساء: 1].

ـ (واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) [البقرة: 194].

ـ (واتقوا الله واعلموا أن الله  شديد العقاب) [البقرة: 196]

ـ (اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [آل عمران:2]

ـ (فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) [المائدة: 100].

ـ (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا) [الأحزاب: 70].

ـ (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) [الحشر: 18].

فالاستجابة للتقوى تمتد من الأفعال والسلوكيات إلى الأقوال، مع اتخاذ الحاضر النقي التقي، أساسًا لمستقبل وضيء سويّ نافع سديد، وبها تكون شخصية المسلم سوية متكاملة ترعى الله فعلاً وقولاً.

وقد جاء في الأثر أن أحد المسلمين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا محمد اتق الله" , فقال: "نعم: أوَ لسْتُ أحقَّ أهل الأرض أن أتقي الله؟" أي أن إمام الأمة وقائدها يجب أن يكون هو القدوة المثالية العملية للأمة في التقوى.

وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إذا سمع أحدهم يقول له أو لغيره " اتق الله" يقول مشجعًا: "ألا فقولوها.. ألا فقولوها، فلا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نستمع إليها".

*   *   *

ومن هذا المنطلق أقول لك "يا مبارك.. اتق الله"

ـ فأنت تعلم أنك جعلت لنفسك من الصلاحيات والاختصاصات ما لم نره لملك ولا سلطان ولا رئيس قبلك، حتى أصبحتَ أنت الدولة , والقانون , والإدارة , والملك , والرئيس , والسلطان , والمشيئة . وحواريوك لا يفعلون ولا يقولون إلا ما يرضيك.

ـ وأنت تعلم أن عهدك..- أعني عهودك - تفوقت "تفوقًا فادحًا في الفساد والتزوير والظلم والاستبداد، وأصبح من أصول ومن أساسيات حياة شعبنا: الفقر والبطالة، وهبوط مستوى المعيشة، وتخلف التعليم، مع سقوط مركزنا العالمي . وبالمقابل أصبحت الهيمنة لأمريكا وإسرائيل، فنحن لهما تبع وطائعون.

وعلى مدى ربع قرن من حكمك ـ يا مبارك ـ ضاعت "شخصية المصري" وفقد قيمته في الداخل والخارج، بعد أن كان "عملة صعبة" على مستوى العالم كله، وفي "مصر مبارك" -- كما يسميها المنافقون - أصبحت الهجرة أملاً. وقد رأينا- يا مبارك - مئات من شبابنا يبتلعهم البحر الأبيض، وهم يهربون من مصر الفقر المباركي في زوارق مطاطية، إلى اليونان وإيطاليا، وأصبح "تهريب" الشباب المصري حرفة يمتهنها الدجالون والأفاقون والمغامرون من الليبيين وغيرهم.

ومع ذلك تتشبثون - يا سيدي - بمدِّ حكمكم العجيب ست سنوات أخرى (لأن ترك الحكم مسألة صعبة جدًّا كما صرحتَ في حديث صحفي من قبل). ومن غرائب الحقائق ـ يا مبارك - أنك لو حكمت للمدة الخامسة، أي ثلاثين عامًا، فهذا يعني أنك – منفردًا - حكمت نفس المدة التي تولى الحكم فيها الخلفاء الراشدون الأربعة (مع الفارق في التشبيه طبعًا).

وطبعًا سُمِح لتسعة بالترشيح في مواجهة سيادتكم، وطبعًا ستحصد ـ بطريقة أو بأخرى ـ غالبية الأصوات.. وسيقال : لقد هزم .. لا واحدًا .. ولا اثنين.. ولكن تسعة.. آه تسعة!! ويستخلص المنافقون من هذا الاكتساح أن الشعب متشبث بك، محب لك، ويرددون هذه المقولة على مسمعيك ومسامع العالم كله، وأنت ـ يا سيدي - تعلم .. وحواريوك من الشاذلية،، والصفوتية، ومن دار في فلكهم من النفعيين، يعلمون كذلك أنه لو ترشح في مواجهتك "واحد" من الجماعة التي تصفونها بأنها " محظورة " لتغير الوضع تمامًا "وبقي فيه كلام تاني" كما كان يقول الكابتن محمد لطيف ـ رحمه الله ـ وأنا أقول "واحد"، وليس من الضروري أن يكون محمود عزت، أو عصام العريان، أو محمد حبيب، فهذه الجماعة "المحظورة" جماعة ولادة، تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم.. وهم يد على من سواهم.

وأعود فأقول : يا مبارك "اتق الله" ؛ فأنت في الهزيع الأخير من العمر، وصدق الإمام علي كرم الله وجهه، إذ قال: " ضع فخرَك , واحطط كِبرك ، واذكر قبرك " نعم "اذكر قبرك" يا مبارك، فهو آخر دار في الدنيا، وأول دار في الآخرة. واذكر قول الصوفي المسلم "من ذكرني بقبري، ذكرني بربي، ومن ذكرني بربي قتل شيطاني، وأحيا قلبي".

فاتق الله يا مبارك.. وقد رأيناك لطيفًا ظريفًا في جولاتك الانتخابية، وتشرب فنجان شاي عند "فلاحة" , ورأيتك تحنو على طفل صغير وتقبله، قبلة حانية، أبوية من الفم. قلت سبحان الله!! إن هناك ما لا يقل عن أربعين ألف طفل يعيشون محرومين من مثل هذه القبلة، بل محرومين من نظرة أو لمسة أو كلمة حانية، وأعني بهم أبناء عشرين ألف معتقل من عشر سنين، إنهم ـ يا مبارك ـ معتقلون.. بلا اتهام .. ولا تحقيقات . ألم يخطر لك ـ يا "مرشح الحزب الوطني" ـ صورة أمثال هؤلاء حينما يسألون أمهاتهم عن آبائهم. وتأتي عليهم الأعياد فلا يذوقون لها طعمًا ؟ فهم ضائعون تائهون كاليتامى، وآباؤهم أحياء، وأنت يا مبارك تنام ملء جفنيك في منتجعك ـ أو منتجعاتك ـ الشاعرية، ألم تسمع في منامك صرخة طفل من هؤلاء مريض، لا يجد أبًا له يقف بجانبه في مرضه ؟ فلماذا لا يمتد ظرفك ولطفك وحنوك إلى آباء مثل هذا، فتأمر بالإفراج عن هؤلاء الأبرياء وأنت من أكثر الناس حديثًا عن الديمقراطية والحرية والعدل؟؟!

وأخيرًا أقولها.. فلا خير فيّ إن لم أقلها..ولا خير فيكم إن لم تستمعوا لها ,وتأخذوا أنفسكم بها , " يا مبارك ـ يا مرشح الحزب الوطني ـ اتق الله.. اتق الله .. اتق الله " .