الأزمة والحل ... جواباً على سؤال من أين نبدأ
الأزمة والحل ... جواباً على سؤال من أين نبدأ
م. حسن الحسن *
يتساءلُ الكثيرون ماهو الحل للقضايا المتأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية؟ ومن أين نبدأ بالعلاج؟ وجواباً عليه أقول: إنّ طرحَ الحقيقةِ كما هيَ، منْ غير أي تجميلٍ للواقع البشع والمؤلم الذي تحياهُ أمتنا، بل تحياه البشرية بأسرها، هو وحدُه الكفيلُ بوضعِ المعالجاتِ المناسبةِ لإيقافِ مآسيها، التي طال أمدُها وتباينت أشكالهُا. فما تحياهُ أمتُنا من فقرٍ وتجزئةٍ وانقسامٍ وشتاتٍ وضعةٍ وهوانٍ، إضافةً إلى احتلال الغرب لأجزاءٍ واسعةٍ من أقطارِنا، ومن نهبٍ لثرواتنا، ومن تشريدٍ لشبابِنا، إنّما مرجعُ تلك الويلاتِ هو إلى غيابِ دولةِ الخلافةِ الإسلاميةِ، تلك التي تطبقُ شرعَ الله وتُوحِّدُ الأمة وتحرر إرادتها وتعتقها من استعبادِ الغربِ لها، بل وتمنحُ العالم نموذجاً للتأسي به في بناء مجتمعاتٍ انسانية سوية.
لذلك فإنَّ الاشتغالَ بما يحققُ إقامة الخلافة، هو المُعوَّلُ عليه في تغيير أوضاع الأمة حقاً. وعليه كان لا بُدَّ من التصدِّي للعوائق التي تَحولُ دون إقامتها. ويكون ذلك فكرياً وعقائدياً من خلال بلورة أحكام الإسلام، وعرضه كمبدأ يعالج جميع شؤون الحياة، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتعليم والعقوبات، وبتبيانِ تفردهِ في تحقيق الطمأنينةِ والسعادةِ للبشرية، تلك التي تنهكها الأنظمة الرأسمالية العلمانية المتعفنة، بمختلف أشكالها القومية والوطنية والمعولمة. كما أنّ طريقة إقامة الخلافة إنما تكون بتقصد دوائر النفوذ والتأثير في عالمِنا الإسلامي، لكسبهم أنصاراً، مؤيدين وعاملين لتطبيق الرؤيةِ الإسلاميةِ التي تفرض نمطاً فريداً ورائعاً من العيش المتميزِ الرحيم.
لا شكّ
بأن المسؤوليات جسيمةٌ والحملَ ثقيلٌ والمخاضَ الذي تمرّ به الأمة الإسلامية عسير،
مما يوجب توحيدَ الجهودِ وصبَّها باتجاه ما يحققُ تحولاً جذرياً في حياتها، ويرسم
لها طريق النهضة والارتقاء. من هنا كان لا بدّ من التصدي للحملة التي تتقصدُ تحريفَ
الإسلامِ وتفريغَهُ من محتواه، لِيُوائم مصالحَ النخبِ الحاكمةِ، ولضمانِ استقرار
واستمرار نفوذِ الغربِ وهيمنتهِ على العالم الإسلامي، من دون أية عوائق تهدد ذلك،
كما هو حال الحملة السائرة لدمقرطة الإسلام بغية تفريخ إسلامٍ علماني يرسخ فصل
الدين عن الحياة في حياة الأمة.
كما كان تغيير الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين هو السبيل العملي لاستعادة سلطان الأمة وسيادة الشرع في حياتها، وبالتالي تحرير بلاد المسلمين، وإيقاف العبث بها، والحفاظ على ثرواتها وتحقيق عزتها وكرامتها، بخاصة مع فقدان الأمل من إصلاح تلك الأنظمة المقيتة المركبة بعناية ورعاية من الغرب، ومع سدورها في غيّها بشكلٍ مذهلٍ ومهولٍ، ضاربةً بعرض الحائط كافة مُسلَّماتِ الأمة ومصالحها.
والخلافةُ هي تاجُ الفروض وحِصنُ الأمة ومبعثُ الخيرات، وعليه كان صرف جهود الناس عن العمل الجاد لإقامتها، والاقتصار على الأعمال الفرعية والنشاطات الخيرية التي تشجع الأنظمة في الشرق والغرب على الاشتغال بها، بل وتحتضنها وتكافئ بالجوائز العاملين عليها، إنما هو ضربٌ من بعثرة الجهود وتشتيت المقدارت التي نحن بأمسّ الحاجة لها، حيث وصل بكاء الثكالى واليتامى وصرخاتُ المعتقلين والأسرى وأنين المرضى وأدعية المغلوب على أمرهم من الفقراء والمشردين والملاحقين لقولهم ربنا الله عنانَ السماء.
وعليه كان لا بدّ من التوقف عن ارتجال الأعمال وردات الأفعال العبثية المدمرة والمسببة للإحباط، وكان لزاماً علينا اتّباع نهج النبي الكريم في إقامته لأول دولةٍ للإسلام، والتأسي به في خوض الصراع الفكري والكفاح السياسي وطلب النصرة من القادرين عليها، بغية إقامة دولة الخلافة الراشدة الجديدة، التي بشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (ثم يكون ملكاً جبرياً...ثم تكون خلافة على منهاج النبوة). فالعمل على استعادة سلطان الأمة الذي يُحكِّمُ شرع الله في الحياة ويعلن العبودية الصرفة له دون سواه، هو الخطوة السليمة الأولى فيما ينبغي البدء به لتحقيق الخلاص للأمة الإسلامية بل وللبشرية جمعاء.
* نائب ممثل حزب التحرير المملكة المتحدة