بلير ومعايير الإسلام المقبول!
بلير ومعايير الإسلام المقبول!
م. حسن الحسن *
بعد أحداث تفجيرات
يوم الخميس 7/7/2005 التي وقعت في العاصمة البريطانية لندن، صدرت عدة تصريحات من
أعلى رأس هرم السلطة السياسية في بريطانيا، أخرجت إلى السطح كل الخبايا التي كان
يُتكهنُ بوجودها كخلفية للسياسات الممارسة اتجاه المسلمين لعقود بل وربما قرون من
الزمان .
فقد صرح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في المؤتمر العام لحزب العمال ضمن كلمة
مطولة ألقاها يوم السبت 2005-07-16 "إن ما يواجهه الغرب اليوم ليس مجرد حركة عبثية
لا تملك هدفاً، بل إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة "إسرائيل"، وإلى إخراج
الغرب من العالم الإسلامي، وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تحُكِّمُ الشريعة في
العالم العربي على طريق إقامة الخلافة لكل الأمة الإسلامية".
وبعيداً عن تحديد من هي تلك الحركة التي يُوَجِّه بلير أصابعه إليها، لننظر إلى تلك
المطالب التي نصّ عليها في خطابه،أوليست مما أجمع المسلمون على ضرورة إيجادها
قديماً وحديثاً؟ أولا تُعتبرُ تلك المطالب أحكاماً شرعيةً وغاياتٍ مثلى يتمنى
المسلمون تحقيقها! ما يعني أن المشكلة الحقيقية في أعين الغرب هي الإسلام نفسه
وليست أي شيء آخر.
وهذا ما يفسر دعوة بلير إثر التفجيرات مباشرة أصحاب القرار في العالم الغربي إلى
دعم ما أسماه أصحاب الإسلام "الموديرتس Moderates = "، وهو مصطلح راج في السنوات
الأخيرة بكثرة تحت عناوين متعددة، كالإسلاميين الحداثيين والمعتدلين والوسطيين
والمنفتحين والمتنورين وما إلى ذلك.كما تكفل بلير بتغطيتهم وبتوفير المنابر الكافية
لهم بغية صد ما أسماه الإسلام المتطرف والمحافظ والأصولي!!
ومما لا شك فيه فإن تقسيم الإسلام والمسلمين على ذلك النحو، سيجرهم إلى الاصطدام مع
بعضهم البعض، وسيوهن من توحدهم واجتماعهم خلف قضاياهم المصيرية! مما يوضح أن الغاية
من وراء تلك الدعوة هي زرع الشقاق بين المسلمين لإضعافهم ولفرض قيم معينة عليهم، من
تقبلها وعمل على إيجادها احتضنته السلطة وتبناه المجتمع ونال الامتيازات، ومن اعترض
انطرد منهما وحرم من عطاياهما.
من هنا نجد أن حديث بلير عن مطالب من نعتهم "بالمتطرفين"، من تحكيم الشريعة وإزالة
دولة "إسرائيل" وإقامة دولة الخلافة وإخراج الغرب من بلاد المسلمين، كان مقصوداً به
وضع خطوط فاصلة فيمن سيعتبر مسلماً معتدلاً مقبولاً أو متعصباً منبوذاً، أي أن بلير
قد وضع المعايير التي سيتم على أساسها التصنيف والتعاطي مع المسلمين.
وهنا يتبادر إلى الذهن، إلى أي مدى سينجح بلير في تحقيق انصياع المسلمين لمطالبه!
وهل يجرؤ مسلمٌ آمن بالله وبكتابه وبرسوله وما أوحي إليه على التنازل عن حكمٍ من
تلك الأحكام التي اعتبرها بلير من الأجندة للحركة التي ينبغي محاربتها ودعا الغرب
للقضاء عليها، مستخدماً في حملته تلك من أسماهم الإسلاميين "الموديرن"، ما يعني أن
بلير وحلفاءه في الغرب باتوا لا يتورعون عن الحديث علناً عن خططهم لمسخ الإسلام
ولفرض نمط معين له يتواءم مع مصالحهم.
إنّ المسلمين في الغرب أمام محك جديد، عليهم أن يثبتوا فيه، وأن يتجرأوا على نقاش
كل القضايا المطروحة بشفافية وجرأة وثقة خالصة بدعوتهم وبعقيدتهم، فالإسلام لا يوجد
فيه ما يخجل منه، وهو رسالة رحمة وهداية للبشرية جمعاء، وعلى الذين يتصدون لمواجهة
قضايا المسلمين الساخنة، كموضوع فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها من بلاد
المسلمين المحتلة، إضافة إلى تناول موضوع ثروات المسلمين المنهوبة وإرادتهم
المصادرة من قبل رويبضات وإمعات الغرب في بلاد المسلمين، على أولئك أن يصدعوا
بدعوتهم كما فعل الصحابة الكرام في الحبشة عندما سألهم النجاشي عن رأيهم في عيسى
عليه السلام فأجابوه بما يعتقدونه حقا، بأنه عبد الله ورسوله وليس برب كما كان
سائداً هناك، مع أنهم كانوا مجرد لاجئين اضطرهم طغيان جبابرة قريش الفرار بدينهم
إلى الحبشة، ولم يسقط الصحابة رضوان الله عليهم في فخ تأويل الإسلام بعيداً وحرفه
عن نصوصه لتأمين مصالحهم الآنية واسترضاء لأصحاب القرار والسلطة، مثلما نرى ما يقع
فيه البعض في أيامنا هذه للأسف الشديد تحت حجج واهية.
أخيراً فإنه حريٌ بالمسلمين أن يشمخوا بعقيدتهم وبإسلامهم وأن يستثمروا الأحداث
المتوالية التي تقع، في طرح وجهة نظرهم بوضوح وصراحة مصحوبة بحكمةٍ وبعقلٍ هادئ
مقنع، لا أن يبدأوا بالتفتيش عن الذرائع للي الدين وعلمنته بحجة ضغط الواقع وتمرير
العاصفة. وعليهم أن يكتفوا بتسكع حكامهم وزعمائهم بشكلٍ مهين أمام الغرب، وليحذروا
من التأسي بخنوعهم، فإنها والله آفة لا تحقق إلا مزيداً من الشقاء والفرقة والضعة
والضعف والهوان للمسلمين.
17 / 07 / 2005
* نائب ممثل حزب التحرير المملكة المتحدة