الوسع الإستراتيجي للقضية الأحوازية
الوسع الإستراتيجي للقضية الأحوازية
أبو أصول الأحوازي
من الداعي للأمل كثيرا في القضية الأحوازية هو تعدد الاتجاهات لدى مناضليها في داخل الأحواز أو خارجه, مما يوحي إلى أصالة الحق الأحوازي في نفوس شعبه المقداد بشتى ميوله و اتجاهاته.
فترى على سبيل المثال من يؤمن بأسس الديمقراطية- أي شكل من أشكالها- بعد ما يتكلم عنها ينهي خطابه بحق المواطن الأحوازي في تقرير مصيره؛ و إذا كان يميل إلى العولمة تراه يتقبلها مشترطا الهوية الأحوازية أولا أو ذلك الذي يتأمل الحلول من المجتمع الدولي لا يرضى بإقصاء الأحوازيين عن حقهم الشرعي في تقرير مصيرهم و هكذا الآخرون. فالكل يؤمن بالحقوق المسلوبة من الشعب الأحوازي بالأخص حق تقرير المصير و لا احد يختلف عليها مع التيارات الأخرى من الأحوازيين. هذه الإمكانية تعطي القضية أبعادا واسعة حيث تجعلها قادرة للتكيف مع الظروف و الأجواء الجيوبوليتيكية على كل الأصعدة. و هنالك الكثير من النماذج في تاريخ النضال الأحوازي التي تدعم وجود هذه السعة الإستراتيجية في القضية الأحوازية و إمكانيتها على التطور نظرا لوضعها الراهن. فلما آلت الظروف في جغرافية إيران إلى ثورة الشعوب تقدمت القضية الأحوازية بإحدى طاقاتها- بإنتماءات يسارية بالأحرى - و شاركت في تلك الثورة حتى أثمرت في الأحواز أسمى الإنجازات, من توحيد الصفوف الأحوازية مأمومة بقيادة واحدة إلى إدراج صفحة جديدة زاهرة في تاريخ بطولات الأحواز الحديث. ومن ثم لما تغيرت المتغيرات و سقط قناع المفترس ترى النضال الأحوازي يتكيف مع الحالة و يخلق إنتفاضة الأربعاء السوداء معرضا طاقات الشعب الأحوازي للدفاع عن حقوقه و هويته حتى الشهادة و إذ كانت جماعية. و في فترة الحرب العراقية الإيرانية كانت قد ظهرت حينها وجوه جديدة بانتماءات قومية حديثة تختلف استراتيجيا كل الاختلاف مع سابقاتها من الحركات الوطنية لكي تلد فترة النضال السري في الثمانينات من القرن المنصرم. و هكذا بعدها و قبلها من نماذج أخرى التي ترمي إلى السعة الاستراتيجية الواسعة في القضية الأحوازية. المثير للأنتباه في هذه التغيرات إنها لم تكن على المستويات الفكرية أو السياسية أو حتى الإستراتيجية فقط, بل كانت تتكيف حتى مع الأوضاع الجغرافية, حيث كانت تنتقل من فترة إلى أخرى من مدينة إلى مدينة أخرى في الأحواز.
هذه السعة الإستراتيجية لدى القضية الأحوازية قد تمثلت في تشكيل أو تطور التيارات الأحوازية في الخارج خاصة بعد انتفاضة نيسان المجيدة عام 2005. ففي ظل السياسات التعسفية الإيرانية و هروب و لجوء المناضلين الأحوازيين في شتى بلاد العالم خلال العقود الثلاث الأخيرة كانت قد تشكلت الأحزاب الأحوازية وفق الشروط و الأعراف الدولية في تلك البلاد لكي من خلالها تستمر هذه الطاقات بمطالبتها بالحق الأحوازي بشتى المجالات وكذلك لإيجاد الرابط النشط بين الشعب الأحوازي و المجتمع الدولي لنقل الأحداث من الشارع الأحوازي و إليه كما حصل في انتفاضة نيسان المجيدة التي كانت تنقل هذه الأحزاب أخبارها بالتفصيل إلى الخارج والكل بحسب انتماءاتهم أنجزوا ما تمكنوا عليه. لا شك أن هنالك أخطاء كانت تحصل عند هذه التيارات حينا بعد حين و لكن هذه الأخطاء لا توحي إلا إلى فاعلية الكثير منها و انتهاءها إلى تجارب سياسية و قدرات جديدة من حقها أن تساهم في تطور هذه التيارات.
السعة الإستراتيجية هذه في القضية الأحوازية هي الأكثر رعبا للعدو الإيراني. فبعد ما رأت الحكومة الإيرانية إن لجوء المناضلين الأحوازيين و هجرتهم إلى البلاد الديمقراطية, على الأغلب لم يريحها من عبأ حضورهم بالقضية الأحوازية بل يبسط قدرات الأحواز الفكرية و السياسية فضلا لأيمان هؤلاء الأحوازيين بوطنهم و أرجحية وطنيتهم على حزبيتهم أو مهما كانت انتماءاتهم الإستراتيجية, فقد شاهدنا السفارة الإيرانية في دمشق و هي تخبط إلى حد التطفل ساعية للحؤول دون سفر المناضلين الأحوازيين و بكل طاقاتها في سورية و لبنان في السنتين الأخيرتين و الشاهد على هذا اعتقال المناضل الأسير سعيد حمادي(أبو شريف) و الماجدة الأسيرة معصومة كعبي مع أطفالها و دقة هذه الاعتقالات التي تظهر قمة اهتمام الجهاز ألإستخباراتي الإيراني بحساسية لجوء الطاقات الأحوازية إلى البلاد الغربية.
هذا الفزع الإيراني من حقيقة الوسع الاستراتيجي للقضية الأحوازية لم يكن الأول و لن يكن الآخر لا شك, فلقد رأينا قبلها رهبته في النيسانية المجيدة عام 2005. ما يميز انتفاضة ال15 من نيسان في تاريخ النضال الأحوازي هو عرضها لهذه السعة الإستراتيجية الفريدة لدى النضال الأحوازي و التناسق اللاشعوري الذي حصل على أساس هذه الطاقة بين كل الإطراف السياسية الأحوازية حينها. فكان البعض يهتف بكذا خطة عمل و البعض الأخر يسوق إلى كذا مشروع و بعضا آخرين كذا و كذا, لكنهم جميعا كانوا مؤمنين بمشاريعهم السياسية و استراتيجياتهم, حتى أخيرا و بدعم الشعب الأحوازي الأبي استطاعوا أن ينفذوا هذه الاستراتيجيات المختلفة و يخلقوا النيسانية المباركة ليتوجوا بها تاريخ نضالهم لمبادئهم المشتركة مع حدة اختلافات استراتيجياتهم و بعضا تناحرها. هذه السيناريو تظهر عبقرية القضية الأحوازية في إمكانيتها للحضور في كل الساحات النضالية من جانب و من جانب أخر مدى علم الحكومة الإيرانية بهذه العبقرية التي تجعله يفزع بالقتل و الضرب و السجن دون أن يشعر بأنه يزيد من تجذر القضية عند أوساط الشعب الأحوازي الأبي. و هنا يظهر السؤال البارز في هذا النطاق:
ترى هل يعلم الأحوازيون بالسعة الإستراتيجية هذه التي تنعم بها القضية الأحوازية؟
و إذ كانوا:
هل استطاعوا حتى يومنا هذا أن يستثمروا هذه الطاقة العبقرية لخدمة مشروعهم المشترك و هو "الأحواز وطنا"؟
و في التالي و كما ذكرنا آنفا إن هذا التناسق و العمل المشترك اللذان حصلا في النيسانية المباركة على سبيل المثال كانا لا شعوريا و غير إرادي؛ و من طبيعة التفاعلات اللاشعورية أنها محكومة بظرف الزمان و عادتا تحصل ببطء شديد. و نظرا للتطورات الراهنة على الصعيدين الإقليمي و الدولي و الظروف المؤاتية للعمل الوطني فان الأحواز ليس عليه أن ينتظر أكثر من هذا. فلما ترهب أعداء الأحوازيين, مبادئهم المشتركة كحق تقرير المصير أو حقيقة اضطهاد الشعب الأحوازي, و تتيح لهم سعة إستراتيجيتهم القدرة على التكيف مع الظروف الجارية و الحفاظ على حيوية النضال الأحوازي, تصبح الحاجة إلى تقبل بعضهم الأخر و الاستماع إلى بعضهم البعض برؤية وطنية شاملة من أولى اهتماماتهم المستقبلية في مسيرة نضالهم.
أحوازكم مبارك و كل عام و انتم بالوطن