تجارة...عميلة!!
تجارة...عميلة!!
بقلم: د.عصام عدوان
جامعة القدس المفتوحة – فلسطين
يجد فلسطينيو الأرض المحتلة أنفسهم أحياناً مضطرين لأخذ تصاريح سفر أو أذونات مرور إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة، أو موافقة سلطات المعابر الإسرائيلية على أسماء حجاجهم، وبالطبع لا يعترض أحد على سلطات المعابر الفلسطينية عندما تقدم هكذا معلومات للعدو الإسرائيلي نظراً للضرورة. ولكن عندما يقوم شخص فلسطيني بالحصول على بعض المعلومات الشخصية المتعلقة بأي مواطن فلسطيني في الأراضي المحتلة، ثم يقوم بتسليم تلك المعلومات طواعية إلى الإسرائيليين دون علم صاحبها، نسمي ذلك العمل: عمالة، ونسمي مَن قام به: عميلاً لإسرائيل، نظراً لمساعدته لإسرائيل دون ضرورة تقتضيها مصلحة المواطن الفلسطيني.
إن هذه الصورة تتكرر عند شراء البضائع الإسرائيلية؛ فالتاجر الفلسطيني الذي يشتري البضائع الإسرائيلية التي لا غنى لفلسطينيي الأرض المحتلة عنها، لعدم توفر بدائل عربية أو أجنبية لها، ونظراً لعدم قدرة العيْش بدونها، يكون هذا التاجر قد قدم خدمة للمواطن الفلسطيني بجانب الأرباح التي سيجنيها هو من جراء هذه التجارة. ولكن التاجر الفلسطيني الذي يجلب بضائع إسرائيلية لها بدائل فلسطينية وعربية وأجنبية، إنما هو يقدم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي، وهو غير مضطر لذلك، كما أن المواطنين الفلسطينيين غير مضطرين لها. وعليه تصبح هذه الخدمات المجانية والتي لا ضرورة لها إنما هي عمالة اقتصادية للعدو، وخيانة للوطن وللشعب الفلسطيني الذي ما فتئت إسرائيل تستنزفه بشتى الطرق، وتُسهم تجارتها في تقوية اقتصادها، ومن ثم في منحها المزيد من القوة لقتل الفلسطينيين وتدمير حياتهم، واستمرار احتلال أراضيهم.
وقد أفتى فضيلة الشيخ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر: "أن مقاطعة هذه البضائع عند وجود البديل أمر واجب شرعاً"(1).كما أفتى فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: "فكل من اشترى البضائع الإسرائيلية والأمريكية من المسلمين، فقد ارتكب حرامًا، واقترف إثمًا مبينًا، وباء بالوزر عند الله، والخزي عند الناس وإذا كان شراء المستهلك للبضائع اليهودية والأمريكية حرامًا وإثمًًا، فإن شراء التجار لها ليربحوا من ورائها، وأخذهم توكيلات شركائهم أشد حرمة وأعظم إثمًا، وإن تخفت تحت أسماء يعلمون أنها مزورة، وأنها إسرائيلية الصنع يقينًا"(2).
إن التجارة مع العدو الإسرائيلي في غير ضرورة تقتضيها مصلحة الشعب الفلسطيني التي لا غنى عنها ولا بديل لها، إنما هي عمالة للعدو وخيانة للأمة. ويجب التصدي لها على المستوى الفردي والجمعي، وعلى المستوى الشعبي والرسمي.
ورب قائل بأن البضائع الإسرائيلية ذات جودة تفوق مثيلتها الفلسطينية أو العربية أو حتى الأجنبية، فكيف تريدني أن أدع الأفضل؟ ولماذا لا ترتقي الصناعات الفلسطينية للمستوى المطلوب؟ وكيف تقول أن هناك بضائع محلية فلسطينية – أليست موادها الأولية مستوردة من إسرائيل؟. ولمناقشة ذلك أبدأ من السؤال الأخير.
فالمواد الأولية اللازمة للصناعات العربية، والتي لا يمكن الحصول عليها من مصادر أخرى سوى إسرائيل، إنما هي من جملة الضرورات التي استثنيناها. وأن تكون البضاعة جزء منها مصدره إسرائيلي أفضل بكثير من أن تكون كلها من الألف إلى الياء صناعة إسرائيلية، فعلى أقل تقدير هناك مصانع فلسطينية سوف تعمل وتشغل عمالاً فلسطينيين، وتذهب معظم الأرباح إلى جيوب فلسطينية حريصة على بناء الوطن، ونحن حريصون على تحقيق المنفعة لها ما أمكننا ذلك.
وأما القول بأن الصناعات العربية لا تراعي الجودة المنافِسة فيما تصنع، فهذه دعوة نوجهها إلى القائمين على الصناعات الفلسطينية أن يتقوا الله في منتجاتهم وفي مستقبل صناعاتهم، وليست العبرة بالربح الكثير لمدة قليلة تنتهي بإغلاق المصنع، ولكن العبرة بربح مستمر وعمل مستمر واسم وشهرة تخترق الآفاق، وكم يسرنا ويسر كل فلسطيني مخلص أن يرى ويسمع عن اسم تجاري وصناعي فلسطيني يخترق عالم الماركات العالمية، ولسوف يدعمه كل وطني حر، ولسوف نشتري بضاعته حتى لو كانت أغلى من ثمن مثيلتها الأجنبية فضلاً عن الإسرائيلية.
وأما الحديث عن جودة الصناعات الإسرائيلية، فرغم أن هذا الأمر بات مشكوكاً في صحته، حيث تواترت الأخبار التي تشير إلى فساد البضائع الإسرائيلية المجلوبة إلى الضفة وغزة، وقد أشارت هذه التقارير إلى تعمُّد الاحتلال توريد بضائع تالفة وسامة إلى الفلسطينيين. ومع ذلك نتساءل: كيف يصح الحديث عن جودة بضائع الاحتلال، وشعبنا يعاني من ويلاته ومن ظلم الاحتلال؟! وهل يجوز لنا البحث عن البضاعة الأجود، إذا ما كانت هي بضاعة الاحتلال؟! وهل ينشغل شعب تحت الاحتلال في المفاضلة بين البضائع ليشتري أحسنها، بينما هو يرزح تحت نير الاحتلال ويتكبد الشهداء والجرحى والأسرى يومياً على يديه؟! أفلو كنا نعيش في مصر أو الأردن، أكنا سنستورد بضاعة إسرائيل باعتبارها الأجود؟! فما موقفنا لو قامت شعوب عربية باستيراد المنتجات الإسرائيلية، أكنا سنقبل منهم هذا السلوك؟! فما بالنا نستنكر تجارة الأشقاء العرب مع إسرائيل، ولا نستنكر ذلك على أنفسنا؟!
وقد يقول قائل أن الأشقاء العرب يمكنهم الاستغناء عن الصناعات الإسرائيلية، لوجود بدائل لها عندهم، بينما لا يمكن للفلسطينيين ذلك وهم يرزحون تحت هيمنة الاحتلال. والواقع خلاف ذلك، وأعرف مَن قاطعوا البضائع الإسرائيلية والأمريكية طيلة سنوات الانتفاضة دون أن يشعروا بحرمان من شيء، فالسوق ملأى بالبضائع الفلسطينية والعربية والأجنبية الأخرى. وما من شعب حرٍّ على وجه البسيطة يستمرئ بضاعة عدوه، بل الأصل أن يحقد المرء على مَن طرده من أرضه وجرَّده ممتلكاته، وقلع أشجاره، ودمّر مبانيه...إلخ، فإن أحدنا يقاطع شقيقه إن تشاجر معه، فلا يشتري منه ويتخطاه ليشتري من بائع بعيد!! فكيف بنا نُقبل على شراء بضائع الاحتلال البغيض؟!!!!
إن الكثير الكثير من البضائع الإسرائيلية هي من قبيل الترف، فمَن الذي يزعم أن الألفوكادو، والمثلجات والمعلبات الإسرائيلية لا غنى للمرء عنها؟!! إنه ليس من اللائق بشعب يُقتل صباح مساء أن يبحث عن المترفات وأن يشتريها أيضاً من قاتله!!
يقول الأستاذ الدكتور السيد نوح من علماء الأزهر وأستاذ علوم الحديث بالكويت:"إذا كانت البضاعة من قبيل الأمور التكميلية والتحسينية فإنه من الأولى للمرء ألا يشتريها سواء كانت أمريكية أو أوروبية أو حتى محلية، فإن ألحت عليه نفسه لضعف بشري ليشتريها، فلا يشتر ممن يؤازر العدو اليهودي الصهيوني الذي يحتل بلاد المسلمين بدءاً بفلسطين، ويقتل النفوس، ويهدم البيوت، ويسلب الأموال، ويعتدي على الأعراض، ويدوس الحرمات والمقدسات انطلاقًا للقضاء على المشروع الحضاري للأمة من أوله لآخره، ومعلوم أن أمريكا أول من يؤازر هؤلاء ولذلك يحرم بشكل قطعي شراء هذه البضائع"(3).
إن مقاطعة البضائع الإسرائيلية نوع من جهاد الأعداء الواجب على الأمة الإسلامية، وعلى الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، وهي مسئولية فردية، سيُسأل عنها كل فرد منّا، وهي مسئولية التجار الذين عليهم أن يبرأوا من المال الحرام الذي يجنونه من التجارة مع الأعداء، عسى الله أن ينظر إلينا وينصرنا، وهي مسئولية السلطة الوطنية المطَالَبة بتوفير البديل الفلسطيني والعربي، ووضع العراقيل أمام التجارة مع العدو إن لم تشأ أو لم تستطع منعها. وليعلم كل مَن يتعاطى "التجارة العميلة" أنه يعين كافراً على مسلم. وقد أفتى فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: "إذا عاونت مشركًا أو كافرًا أو فاجرًا يحارب المسلمين، فأنت بذلك تقتل نفسًا مسلمة، وهذه كبيرة من الكبائر العظمى"(4).
مصادر الفتاوى:
(1) http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=25138
(2) http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=18438
(3) http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=19176
(4) http://www.islamonline.net/fatwa/arabic/FatwaDisplay.asp?hFatwaID=1520