جانبت الصواب يا شيخ ... يا أكبر
جانبت الصواب يا شيخ ... يا أكبر
أ.د/
جابر قميحةبداية أشكر الأخ الأستاذ صلاح عبد المقصود إذ نشر في آخر صفحة من مجلة القدس (العدد 129 رمضان 1430 ـ سبتمبر 2009) أجزاء من الحوار بين الصحفية سناء السعيد وبين شيخ الأزهر، وهو الحوار الذي يتعلق بجرائم اليهود في المسجد الأقصى وكيفية تخليصه من الكارثة التي يعيشها.
سألته الصحفية:
وزير الأوقاف الفلسطيني أدان الصمت العربي عن الجرائم الصهيونية وما يحدث في المسجد الأقصي ووصفه بأنه غير مبرر وغير منطقي، فما رأيك؟
فأجاب الشيخ سيد:
لا يوجد صمت وإنما يوجد كلام في الهواء.
سألته الصحفية:
ممارسات إسرائيل تنذر بهدم المسجد الأقصي أولى القبلتين وثالث الحرمين.
قال الشيخ سيد:
يجب أن ندافع عنه جميعًا وعلى رأس المدافعين القاطنون حوله.
سألته الصحفية:
كيف يمكننا الدفاع عنه؟
قال الشيخ سيد:
بالنهي عما تقوم به إسرائيل، فإذا لم يُجدِ هذا فليس هناك مفر من القتال ذودًا عن المسجد الأقصى، إذا جاء من يهدم بيتي فسأدافع عنه وأقتل من أجله إلى أن أموت. ومن ثم لن يكون أمامنا إلا القتال. فلا فائدة هنا من الصوت الزاعق والصياح والتبكيت والقول إن العالم العربي يلتزم الصمت هذا كله لن يجدي.
سألته الصحفية:
ما معنى هذا؟
قال الشيخ سيد:
علينا تفعيل اعتراضنا على ما يحدث علي يد إسرائيل من خلال العمل على أرض الواقع، فلا مفر إذن من القتال ومن يتحدث عن الصمت هنا يجب أن يكون في طليعة من يواجه الاحتلال الذي يهدد المسجد الأقصي بالهدم، واسأل ما الذي يمكن للعالم العربي فعله؟ إنني أؤمن بعقيدة دفاع المرء عن أرضه ومقدساته، فإذا أرادت إسرائيل المسجد الأقصي بسوء فيجب عندئذ أن يتصدي لها الفلسطينيون وهم كثر وقادرون على مواجهتها، يظل واجبًا عليهم الذود عن أرضهم ومقدساتهم وعليهم مجابهة إسرائيل فإن ماتوا يأتي غيرهم ويقاتلون في سبيل حماية مقدساتهم وأرضهم.
سألته الصحفية:
ألا يمكن للعالم العربي ممارسة الضغط لكي تتراجع إسرائيل عما هي بصدده؟
قال الشيخ سيد:
أي ضغط؟ ليس هناك اليوم من يلتفت إلى الضغط، واحد جاي يهدم بيتي فماذا أفعل؟ يتعين على من في البيت والحي أن يهبوا لمنع الهدم ومقاومة الهادم. أما الحديث عن صمت القاعدين فهذا لن يجدي ولن يغير من واقع ما يحدث.
سألته الصحفية:
المسجد مهدد بالانهيار بعد أن وصل عدد الأنفاق تحته إلى عشرين نفقًا. ويقال إن إسرائيل تقوم الآن بتأسيس مدينة يهودية سياحية أسفله، الأمر الذي يدعو إلى هبَّة عربية وإسلامية.
قال الشيخ سيد:
وقبل الهبَّة العربية الإسلامية يجب أن تكون هناك هبَّة فلسطينية لكبح جماح إسرائيل.. الأولوية في التصدي يجب أن تكون للفلسطينيين ذودًا عن حرمة المكان وبترًا ليد إسرائيل. يجب على الفلسطيني أن يموت قبل أن تصل إسرائيل إلى تحقيق مبتغاها، هذا هو العلاج، أما الصراخ والتعويل على الآخر فلن يجدي أن يستصرخ المرء ويقول أدركوني لا أحد يدرك أحداً.
**********
وتتلخص رؤية الشيخ الأكبر في النقاط الآتية:
1 ـ الإيمان بمحلية الموقع، وهو المسجد الأقصى، وكأنه يهم الفلسطينيين دون غيرهم.
2 ـ في كلام الشيخ كثير من السطحية، وإلا فما معنى: يدافع عنه الفلسطينيون، فإذا ماتوا يأتي غيرهم للدفاع عن بيتهم. وكأن الفلسطينيين لم ينفردوا من قبل في الدفاع عن غزة، واستشهد منهم الآلاف، وصمدوا إلى النهاية بعد أن دمرت غزة عن آخرها.
3 ـ ومنطق الشيخ سيد يعكس مسايرة للنظام الذي يحكم مصرنا الحبيبة الذي لا يملك الطاقة الحربية العملية التي يوقف بها الصهاينة الكلاب عند حدهم. فهم يرون، ويقررون، وينفذون، ويعربدون، وكأن مصر والبلاد العربية الأخرى لا وجود لها، وإن كانت موجودة فليس لها حساب. حتى امتدت يدهم الطولى إلى منابع النيل. وغدا نسمع ما هو أعتى وأغرب.
4 ـ ورأي الشيخ سيد في محلية الدفاع عن المسجد الأقصى يعد نقيضا غريبا لإجماع الفقهاء الذين أكدوا أن الجهاد في مثل هذا الظرف يكون فرض عين لا فرض كفاية.
وأسوق للشيخ سيد الأكبر ما يدل دلالة قاطعة على ذلك:
فإذا احتلت قطعة من أرض فلسطين، أو أي أرض إسلامية أخرى فالجهاد هنا فرض عين على كل المسلمين بلا خلاف:
فالحكم هو الجهاد لإخراج المحتل لهذه الأرض منها، وتطهيرها من رجسه، فقد أجمع الفقهاء على أن الجهاد يصبح فرض عين على المسلمين، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، إذ احتل العدو أرضا إسلامية أو اسر العدو فرداً من المسلمين، ولم يقدر أهل تك الأرض أن يرجعوا ما اغتصب، أو تخليص الأسير من الأسر، فينتقل منهم إلى الذين بعدهم. فان لم يقدر الذين بعدهم على فعل ذلك، انتقل إلى الذين بعدهم وهكذا إلى أن يعم جميع المسلمين، وهذا يسمى جهاد الدفع وهو لا يحتاج لإذن احد من حاكم أو أب أو أم أو رئيس مصلحة، لأن الأمر أهم من أن يؤخذ به إذن:
جاء في فتح القدير لابن الهمام: ( فان هجموا على بلدة من بلاد المسلمين فيصير على جميع أهل تلك البلدة النفرة وكذا من يقرب منهم ، فان لم يكن بأهلها كفاية وكذا من يقرب أو تكاسلوا ، أو عصوا وهكذا إلى أن يجب على جميع أهل الإسلام شرقاً وغرباً( فتح القدير /ص191).
وجاء في البحر الرائق لابن نجيم: ( وفرض عين إن هجم العدو، فتخرج المرأة أو العبد بلا إذن زوجها وسيده) البحر الرائق لابن نجيم حـ 5/ ص 72، وجاء في نهاية المحتاج للرملي: ( فان دخلوا بلدة لنا أو صار بيننا وبينهم دون القصر، فيلزم أهلها الدفع حتى على من لاجهاد عليه من فقير وولد ومدين وعبد وامرأة (نهاية المحتاج للرملي حـ 8/59).
**********
وأخيرا أقول للشيخ الأكبر اتق الله يا مولانا، وتأنّ في آرائك وفتاويك، واجعل الله سبحانه وتعالى مقصدك، بصرف النظر عن إرضاء مخلوق، ومن قبل كتبت في عدة مقالات فيما آخذه على ما تبدي من آراء وفتاوى ومنها: تحليل ربا البنوك، وإقامة التماثيل في الميادين والشوارع، علما بأن التمثال الواحد يتكلف قرابة 14 مليون جنيه. فاتق الله يا شيخ سيد. وقد صدق عمر بن الخطاب حينما قيل له: اتق الله يا عمر فقال: ألا فقولوها، فلا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نستمع إليها، وقبلها قيلت لسيدك وسيدي رسول الله ص : اتق الله يا محمد. فنظر إلى الرجل وقال بهدوء: أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!
وكما أقول لك يا شيخ سيد... يا أكبر: اتق الله ... واجعل صلاتك، ونسكك، ومحياك، ومماتك لله رب العالمين.