أشهر قادمة وحاسمة في سورية

أشهر قادمة وحاسمة في سورية

أنس العبدة

مع انتهاء المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي تبخرت آمال الذين ظنوا أن النظام قد وعى الواقع وأنه عازم على التغيير من منطلق المناخ السياسي العام الداخلي والخارجي ومن منطلق شخصية بشارالأسد الذي ظن البعض أنه فعلا رجل الإصلاح والتغيير. لكن توصيات المؤتمر الهشة والمضحكة بعثرت حتى البقية الباقية من المصداقية للرئيس الشاب، وأكدت للجميع أن النظام الاستبدادي يصعب بل يستحيل إصلاحه، ولا بد من تفكيكه وإجبار رجاله على حضور دروس إجبارية في المشاركة المدنية وتقبل الآخر، والتخلي عن العنف والاستئثار بالسلطة. وهكذا بدلا من أن يتغير النظام ويتجه ولو قليلا نحو الانفتاح على أهله في الداخل، اختار التقوقع على الذات وحماية مكتسبات القلة ومتابعة سياسة التضليل وخداع الناس بمقولة أن ما هو آت أفضل مما فات، ومحاولة الانفتاح على الخارج ؛ وهكذا دواليك يعيد  النظام صناعة أكاذيبه واستهلاكها، آملا أن يجد آذانا صاغية. 

ما حدث في المؤتمر القطري ليس إلا عملية مكياج زادت النظام قبحا وأبعدته أكثر فأكثر عن شعبه، ووسعت الفجوة بينه وبين الدول المجاورة والبعيدة على حد سواء. ويبقى السؤال الذي يدور على شفة كل مواطن سوري: هل يستطيع النظام ان يحافظ على تكاتفه ويبقى في السلطة دون أن ينهار كما هو متوقع له؟ من الصعب التكهن بزمن التغيير وسرعته، لكن ما هو ثابت من القراءة الموضوعية للأحداث هو أن عمر النظام في تناقص، وهذا التناقص يزداد سرعة كلما أمعن النظام في تكرار الأخطاء وتجاهل ثوابت التغيير وحقائق الواقع. ويبدو أن النظام قد اختار سرا في مجالسه الخاصة وفي اجتماع للرئيس الحالي مع ضباط من الجيش المضي قدما على سياسة الرئيس السابق حافظ الأسد وهي تعميق السطوة الأمنية ولكن بقبضة حريرية، وتحديث الاقتصاد عن طريق توسيع دائرة المستفيدين منه، وكذلك إجراءات شكلية تتعلق بمتابعة الخطاب المهترئ بالتحرير ومواجهة  العدو الصهيوني وضرورة إعداد قوات مسلحة رادعة ضد هذا العدو الغاصب!

أما على الصعيد الأمني، فقد بدا واضحا من التعيينات الأخيرة التكريس الكامل للسلطة بيد عائلة الاسد، وبالذات بيد أخيه ماهر وصهره آصف شوكت. فالنظام لا يثق بأحد ولا يمكنه ان يفتح الباب أمام عناصر غريبة تدخل الجهاز الأمني؛ فالأمن والعسكر هما الأداة التي تبقيه في السلطة. فوجود هؤلاء ضمانة للنظام وأداة ترهيب وتخويف للذين يفكرون في الانقلاب او العمل ضد مصلحة الطبقة التي تدير هذا النظام. وهكذا فبدلا من ان يعمد النظام إلى تخفيف القبضة الأمنية ويشعر المواطنون أنهم شركاء في أمن الوطن، استمر في التقوقع والاستئثار بالنفوذ في هذه المؤسسة التي يهدر فيها الملايين من أموال الشعب السوري، لا لرصد اسرائيل وإنما لمراقبة المواطن المنهوك المتعب 

وعلى الصعيد الاقتصادي فكان ما يمكن تسميته الترقيع والتلبيس على الناس واضحا للعيان. فقد حاول النظام من خلال اختيار عبدالله دردري نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد، الإيحاء بأنه بدأ عملية الفصل بين الحزب والدولة، وأنه بدأ يعطي الاقتصاد الأولوية التي يستحقها. لكن هذا الفصل لا يزال حبرا على ورق وليس له أية قوة في الميدان الواقعي. فما هي صلاحيات هذا الوزير؟ وما هي صلاحية حتى رئيس الوزراء؟ فالاقتصاد السوري كما يعرف الجميع لا يمكن تحسينه بقرارات ارتجالية وتغييرات في الأشخاص إنما يحتاج إلى تغييرات على أرض الواقع والاعتراف أولا بفشل كل السياسات الماضية التي لم تنتج إلا اقتصادا وهميا ليس له أساس أو مقومات يمكن أن تشكل بداية لنهضة حقيقية. ومن أولويات النجاح الاقتصادي، كما هو معروف لمن يملكون أدنى معرفة بالشأن الاقتصادي: الشفافية وقطع دابر الفساد. فضعف العنصر الأول واستفحال الثاني أصبحا سمة عامة للإقتصاد السوري ولا يمكن من دون تفعيل الأول والتخلص من الثاني النهضة بهذا القطاع؛ مما يعني بالضرورة مد يد الإصلاح للمؤسسة الأمنية التي أثرى رجالها كثيرا من الاقتصاد وعلى حسابه!! وهذا ما لا يمكن أن يقدم عليه النظام. 

أما فيما يخص التحرير ومقاومة اسرائيل، فحتى النظام بدأ يدرك عبثية رفع هذا الشعار دون محتوى حقيقي. فالمقاومة كانت ولا تزال في عهد النظام الثوري البعثي شعاراً وليست عملاً، وأنفق أبناء سورية البلايين على السلاح الذي لم تطلق منه رصاصة باتجاه الأرض المحتلة، ناهيك عن نوعية هذا السلاح وما إذا كان يستحق هذه الأموال الهائلة التي انفقت عليه. ولهذا كان المؤتمر  القطري ولأول مرة خجلاً من مسألة الصراع مع اسرائيل ولم يشكل محورا مهما لها في مداولاته. فالتحرر الإعلامي وتكنولوجيا الاتصالات حررت المواطن السوري من خدع الإعلام الموجه، وكشفت له أضاليل كانت حتى حين تصدقها شرائح لا يستهان بها. لم يعد للنظام ذلك الوهج، ولم يعد قادرا على إخفاء حقائق تصل لكل مشاهد في كل لحظة إما عبر التلفاز او الانترنت اوالاذاعات الكثيرة. لقد وعى المواطن أمور السياسة وأضحى على دراية بها، و أصبح الآن بإمكانه أن يشاهد و أن يستمع للمعارضين في الداخل و الخارج من الذين لا يريدون للبلاد سوى الخير. وبوسعه ان يميز بين من هو الوطني ومن هو العميل!

قد يجد البعض في تقوقع النظام ومضيه في طريق الاستئثار بالسلطة ونبذه للآخرين من ابناء الوطن دليلا على قوته وقدرته على المضي قدما، لكن الواقع يكذب ذلك كله. فالنظام أصبح عاريا امام الجميع؛ فهو يصارع امريكا ويطلب رضاها من جهة، ويحارب اسرائيل ويستجدي السلام معها، ويصف ما يجري في العراق مقاومة ويسلم رجالها للامريكان والحكومات الأخرى، ويصر على البقاء في لبنان فيجبر على الخروج منه مرغما. لقد فشل النظام في كل رهاناته فلا الخارج يثق به ولا يريد التعامل معه لأنه لم يعد لديه شئ جديد يمكن له أن يقدمه؛ ولا الداخل يرى به الأمل المنشود ولا يحب أن يبقى كالسيف مسلطا على رأسه. لقد بدأت إرهاصات التغيير وما تحتاجه سورية حقاً هو وعي أكبر من الشعب وتضحيات في سبيل نيل الحرية والانعتاق من نير التسلط والظلم؛ وعسى ان يكون المؤتمر القطري العاشر هو آخر المؤتمرات إيذاناً ببداية جادة لعهد من التغيير الحقيقي تشرق به شمس الحرية على أرض من العدالة لبناء دولة القانون على أسس راسخة وثابتة.