الحسني ضحية مخالفة التعليمات الأمنية

الحسني ضحية مخالفة التعليمات الأمنية..

أم شهيد الحق والواجب؟؟؟

م. محمد خليل

[email protected]

لايخفى على أحد ما آل إليه وضع ناشطي حقوق الإنسان في سورية في السنوات الأخيرة ، والواضح لأي مراقب خارجي يتابع الوضع والشأن الداخلي السوري ( وأنا منهم ) بأن هناك يدا خفية تعيث في هذا الوسط فسادا وإفسادا بشكل يدفع المواطن السوري المغلوب على أمره لليأس من اللجوء إلى أية منظمة من المنظمات الحقوقية التي تنشط على الساحة السورية هذه الأيام في حال تعرض لأي ظلم أو إنتهاك .

ولاشك بأن الحركة الحقوقية التي بدأت مسيرتها مع بداية تولي الرئيس بشار الاسد مقاليد الحكم في البلاد وشكلت في مرحلة من المراحل إحدى أهم ميزات المجتمع المدني الجديد في سوريا والذي كان في مرحلته الجنينية ، قد مرت بالعديد من الصعوبات والتحديات ، إستطاعت تجاوز بعضها بشجاعة بعض مناضليها ، وفشلت في الكثير من الأحيان للإرتقاء إلى مستوى المسؤولية ، ولعل هناك الكثير من الأسباب لهذا الفشل التي لايتسع لها هذا المقال للمناقشة والتحليل ، لكنني سأتوقف عند ظاهرة صناعة الأبطال التي تعتبر صفة مميزة نجح الناشطون السوريين وحدهم بإتقانها ، فلا يمر إسبوع إلا ونسمع أن أحد رموز حقوق الإنسان قد منع من السفر أو إستدعي للتحقيق أو ...الخ ..ولعل ما صدر من بيانات خلال الشهر الماضي بعد إعتقال المحامي مهند الحسني خير مثال على ذلك ، فقد جعلت هذه البيانات من هذا المحامي شهيدا للحق والواجب ، وإعتبرته أهم مدافع عن حقوق الإنسان في سورية!!! وإعتبر بعضهم منظمته من أكثر المنظمات السورية مهنية ومصداقية !!!! .

ومن لايعرف السيد الحسني وتاريخه المهني ..لايملك إلا أن يتعاطف معه ويدافع عنه ، خاصة بأنه بحاجة ماسة إلى هذا التعاطف بعد أن خذلته منظمته ( الأكثر مهنية...والأكثر مصداقية ) فلم تصدر موقفا من إعتقاله إلا بعد عشرين يوما من تاريخ إعتقاله وذلك في بيان مقتضب تبين فيما بعد أن أحد أصدقائه قد تبرع بكتابته !!! الأمر الذي يدفعنا للتساؤل ...أين بقية أعضاء المنظمة؟؟؟؟؟ التي لم يعرف منها إلا رئيسها المعتقل !!!

ويبدو أن الذاكرة الجمعية لأفراد الوسط الحقوقي السوري قد أخذت بالتلاشي حتى يتناسون الدور المهم والخطير الذي لعبه المحامي الحسني أثناء إعتقال الأستاذ المحامي أكثم نعيسة ، ودوره أثناء هذا الإعتقال في تغذية الصراعات بين أعضاء اللجان التي أدت فيما بعد إلى تفتيتها وشرذمتها .

والحديث عن مناقب هذا المحامي البطل في الأوساط الحقوقية السورية أكبر من أن نذكرها هنا ، ولعل أهمها الدور الذي لعبه في إجهاض المنظمة السورية لحقوق الإنسان ( سواسية ) منذ اليوم الأول لولادتها ، بعد أن قدم كافة الأوراق الثبوتية الخاصة بالأعضاء المؤسسين إلى رئيس أحد الأجهزة الأمنية ( الذي دخل متأبطا ذراعه إلى أحد إحتفالات المعارضة السورية )  وذلك عوضا عن تقديمها لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل !!!!!!!

ولعل أكثر ما يدعو للدهشة والاستغراب الحديث عن شجاعته ودوره البارز في الدفاع عن المعتقلين الذين يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة العليا بدمشق !! والأغرب من ذلك أن بعض المنظمات الحقوقية السورية والأجنبية ، قد تبنت فكرة إعتقاله على خلفية نشاطه المتميز في محكمة أمن الدولة العليا !! وهنا ينبغي لنا أن نسأل ماذا فعل الحسني للمعتقلين في محكمة امن الدولة ؟ وما هو الدور الفعلي الذي لعبه هناك ؟؟؟؟

فبالعودة إلى كافة بيانات الحسني المطولة والمليئة بالتفاصيل الدقيقة عن سير المحاكمات والاستجوابات في المحكمة ، فأننا لانجد موقفا واحدا يدين هذه المحكمة الإستثنائية أو يندد بأحكامها ..!!بل إقتصر دور هذا المدافع البارز عن حقوق الإنسان على سرد روائي للأحداث والمحاكمات وبطريقة توحي للقارئ بأنه كان متواجدا مع المتهمين طوال فترة إنعقاد المحكمة سواء جلسات التحقيق والاستجواب أو جلسات إصدار الأحكام .

ورغم أن الكثير من المحامين الذين قد حاولوا الدخول إلى محكمة أمن الدولة ومتابعة مجريات المحاكمات فيها قد باءت محاولاتهم بالفشل في أغلب الأحيان ، فإننا نرى أن المحامي الوحيد الذي يصول ويجول في المحكمة دون أي ممانعة لنشاطه كان المحامي مهند الحسني ، وذلك بتوجيهات وأوامر مباشرة من رئيس محكمة أمن الدولة العليا ( فايز النوري ) الذي ( كما أكد جميع من حضر المحاكمات من المحامين ) كان يجلسه بجانبه ويتبادل معه النكات مطلقا يده في سجلات المحكمة ينقل منها حرفيا ما يشاء !!!!! ! وبلغت درجة العلاقة والصداقة بينهما الى درجة ان الحسني "تواسط" من اجل القاضي فايز النوري لدى السفارة الألمانية للموافقة على إعطاء النوري تأشيرة دخول (فيزا) للأراضي الألمانية ليتسنى له العلاج في مشافي ألمانيا بعد ان  تم رفض طلب النوري من قبل السلطات الألمانية .

ويبدو أن الطفل المدلل لفايز النوري وجهاز الأمن القوي من وراءه لم يفهم أن دوره مرسوم ومحدد وعليه أن لا يجتهد من تلقاء نفسه خارج الأطار المحدد له ، فمن الواضح أن هناك توجها بأن يطلع الرأي العام على مجريات محكمة أمن الدولة العليا وذلك لأسباب وأهداف نعرفها لكنا لسنا بصدد تحليلها هنا ، وبدا واضحا أن الحسني قد إندمج في دوره لدرجة أنه قد صدق نفسه وقام بتزويد مؤسسات أمريكية وسفارات غربية بتفاصيل ملفات محددة في محكمة أمن الدولة وذلك دون الرجوع إلى مرجعياته الأمنية ، معتبرا مايقوم به جزء من المهمة المكلف بها ، مراهنا على أن خدماته السابقة ستشكل حماية له في حال إرتكاب أي خطأ .

وللأسف فقد غاب عن ذهن الحسني أن اللاعب الأساسي في هذه اللعبة الذي يمسك كل الخيوط بيده ويحرك جميع البيادق في اللعبة لن يعجبه هذا الإجتهاد وبأنه سيقوم بالاستغناء عنه ومحاسبته .

بالنتيجة الحسني الآن يحاكم نتيجة عدم تقديره لقواعد اللعب مع الكبار ، وسيحاكم ويدان ويسجن بأوامر من نفس الجهة التي جندته وغضت النظر عن بياناته الكاذبة التي كان يفبركها ليبقى تحت دائرة الضوء بعد ان قامت غالبية المنظمات الحقوقية السورية بإصدار تعميم يقضي بمقاطعته ونبذه بعد أن كشفت دوره في وضع العصي الأمنية في عجلة الحركة الحقوقية السورية ولعل خير مثال من امثلة كثيرة المبادرة الامنية التي قام فيها الحسني لاخراج الناشط ميشيل كيلو من السجن على ان يوقع كيلو على بعض الاوراق الامر الذي ادانته كل المنظمات الحقوقية والاحزاب السورية المعارضة والامر الذي رفضه كيلو بشدة .

في النهاية أعتقد انه يتوجب على مناضلي حقوق الإنسان في سورية الوقوف جنبا إلى حنب في المرحلة القادمة ، وإعادة الإعتبار إلى مصداقية حركة حقوق الإنسان التي ساهمت بعض الرموزالأمنية المشبوه بتشويهها ، والوقوف بحزم تجاه أي ظاهرة شاذة تحاول المساس بأخلاق المدافعين عن حقوق الإنسان ، فالساحة الحقوقية السورية بحاجة ماسة إلى مناضلين شرفاء وليس هناك مكان بعد الآن لنمور من ورق.