سورية : اغتيال الشيخ الخزنوي يتعرض للطمس
سورية : اغتيال الشيخ الخزنوي يتعرض للطمس
الشيخ معشوق الخزنوي |
محمد الحسناوي * |
ما معنى أن يتعرض شهود مقتل الشيخ محمد معشوق الخزنوي إلى القتل واحداً تلو الآخر ؟ ما معنى أن ترفض السلطات السورية إشراك محققين محايدين من الحقوقيين السوريين أو ممثلي المجتمع المدني أو أطراف عربية أو دولية لتحقيق الشفافية المطلوبة في جريمة سياسية يراد تقزيمها وتحويلها إلى جريمة جنائية عادية ؟ ومتى كانت الروح الإنسانية البريئة ، حتى في الجريمة العادية تهون على المسؤولين والأطراف ذات العلاقة ؟ وما معنى اضطراب الرواية الرسمية في الزعم أولاً أن الشيخ الخزنوي راح ضحية خلاف مالي (عائلي ) ، ثم الانتقال إلى الزعم بأن ذلك خروج على الطريقة الصوفية والاشتغال بالسياسة ، لكأن السياسة حكر للحزب الحاكم إلى (الأبد) ، يتكفل باستمراره بعض أبناء الأسرة السورية الواحدة ضد إخوتهم وأشقائهم ؟
الجدير بالذكر أن آخر مبتكرات القمع الأمني اصطناع عملاء مدنيين ( مليشيات الحزب الحاكم : الشبيبة – اتحاد الطلبة – مواطنين مغررين... ) أو رجال أمن وشرطة بألبسة مدنية لقمع الحراك الشعبي المدني في شوارع دمشق وحلب والقامشلي وبقية المحافظات السورية ، كما قمعت اعتصامات المعارضة في ساحة يوسف العظمة بدمشق أكثر من مرة هذا العام ن وساحة عرنوس 12/6/2004م وأمام البرلمان في دمشق 9/12/2004م ، وتظاهرة طلاب كلية الهندسة في حلب 24/5/2004م ، وتظاهرات الإخوة الأكراد في مدينة القامشلي في آذار 2004م وما بعده مرات . إنها إعادة إنتاج الحرب الأهلية في سورية ، سواء بسواء بالفوضى الأمريكية الخلاقة في الشرق الأوسط .
للعلم إن الدكتور الشيخ محمد معشوق الخزنوي ذو شخصية منفتحة على الآخر ، وله حضور فاعل في عدد من المنابر المحلية والإقليمية والعالمية المهتمة بالحوار بين الأديان والحضارات ، بصفته نائب رئيس ( مركز الدراسات الإسلامية في سورية ) الذي يرأسه الدكتور محمد حبش ، كما يحظى بمكانة متميزة في الوسط السياسي الكردي والشعبي ، وهو ابن أسرة عريقة في العلم الشرعي والخدمات الاجتماعية شمال شرق سورية ، وهو في الوقت نفسه من الشخصيات الإسلامية القليلة المهتمة بالشأن السوري العام ، ينتقد السياسة السورية تجاه حقوق الأكراد السوريين . وكانت السلطات السورية قد سحبت قبل عام كتاباً له من الأسواق بسبب ذكره لـ (كردستان ) . يضاف إلى ذلك أنه قبل اختطافه بقليل في10/5/2005 م من وسط العاصمة دمشق .. عاد من جولة أوروبية ، حيث شارك في شباط (فبراير) الماضي بندوة عن ( الأديان السماوية ) عقدت في أوسلو بدعوة من الحكومة النرويجية ، والتقى الجاليات الكردية والسورية ، كما التقى المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية علي صدر الدين البيانوني ، واتفق معه على إصدار بيان باسم الجماعة ، يوضح فيه موقف الجماعة مفصلاً في حل المسألة الكردية السورية ، واستجاب لطلبه .
وبعد مضي عشرين يوماً على اختطافه تعلن السلطات السورية عن اكتشاف جثته مقتولاً خنقاً في مقبرة بمدينة دير الزور . وحين سلمت جثته لذويه رفضوا تسلمها ما لم تعرض على طبيب شرعي ، للاشتباه بأن اختطافه ومقتله الغامضين ينطويان على بعد سياسي ، كما أفاد ابنه مراد ، وكما تذهب إليه مؤسسات حقوق الإنسان السورية والدولية والمجتمع المدني التي دأبت منذ ساعات اختطافه الأولى ، على التنديد بالسلطات الرسمية ، محملة إياها مسؤولية الاختطاف ، لأنها مكلفة بحماية المواطنين جميعاً ، ولأنها دولة أمنية تملك أربعة عشر جهاز أمني ، فضلاً عن الحزب الحاكم و(مليشياته ) الحزبية المنتشرة في القطر انتشار الفطر ، ولها تاريخ عريق في حرفة الاغتيال السياسي داخل القطر وخارجه . وقد ذكرت ( منظمة العفو الدولية ) أن الشيخ الخزنزي ( سادس كري يقضي في السجن بسبب التعذيب أو سوء المعاملة منذ مارس 2004م ) . وقد طالب (نيل ساموندر) الباحث في الشؤون السورية في منظمة العفو الدولية .. أنه << ينبغي على السلطات السورية أن تباشر بتحقيق فوري ومستقل في وفاة الشيخ محمد معشوق الخزنوي في الحجز >> وأضاف أن << النتائج يجب أن تنشر على الملأ ، وأن المسؤولين عن تعذيبه يجب يُقدموا إلى العدالة >> .
وبسب اختطاف الشهيد الخزنوي خرجت أكثر من مظاهرة شعبية بعشرات الآلاف في مدينة القامشلي مسقط رأس الشيخ ايام اختطافه ، ثم يوم تشييع جثته في 5/6/2005 وصدرت بيانات الأحزاب السورية المعارضة - ولاسيما أحزاب الإخوة الأكراد – وفعاليات المجتمع المدني السوري ، كلها تطالب بتشكيل لجنة تحقيق محايدة مستقلة تتمتع بشفافية كاملة ، لكشف الجناة الحقيقيين ، وإنهاء ملف الاغتيالات السياسية والاختطافات الغامضة ، التي طالت عدداً من المعارضين السورين ، قبل اختطاف الشيخ الخزنوي وبعده ، من بيوتهم أو من المطار أو من الشوارع . مثل اختطاف نزار رستناوي في 8/4/2004م الناشط في حقوق الإنسان ـ الذي لم تعترف السلطات باعتقاله في مدينة (حماة) إلا حين عُثر على سيارته على باب أحد الأجهزة الأمنية ، واختطاف المحامي محمد رعدون ( رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية ) في 22/5/2005م
وفي تقرير لمنظمة حقوقية دولية ذكرت فيه /22/ اثنتين وعشرين حالة اختفاء قسري في سورية موثقة بالأسماء والوقائع ، نموذجاً لهذا النهج الهمجي ، علقت على ذلك بالقول : ( تأخذ ظاهرة الاختفاء القسري في سورية شكل الانتهاك المنظم والمستمر ، ما يجعلها وفقاً لإعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ، جريمة ضد الإنسان السوري ، يحميها إعلان حالة الطواريء والقوانين الاستثنائية ، ويشجعها حلول الأجهزة الأمنية محل الأجهزة القضائية في المحاسبة ، وتجاهل القوانين الوطنية ، وعدم الأخذ بالمواثيق الدولية ، خاصة تلك التي صادقت عليها سورية وأصبحت جزءاً من قانونها الوطني ) (موقع الرأي – حزيران ) .
أما مجموع أعداد المفقودين في سجون الرأي الذين يعدون بالآلالف فقد أشارت إلى مشكلتهم ( جمعية حقوق الإنسان في سورية ) في تقريرها عن عام 2004م فقالت : ( إن السلطات لم تقم حتى تاريخه بنشر أي قوائم تلقي الضوء على أسماء المفقودين بسبب أحداث الثمانينات وما تلاها . علماً أن عدم نشر مثل هذه القوائم – بعد مرور حوالي 25 عاماً – قد تسبب بإشكالات وعذابات ، إضافة إلى فقدان المعنى ، مثل عدم إمكان التصرف بالإرث للورثة الشرعيين ، وعدم معرفة الزوجة بوصفها أهي أرملة أم ما تزال زوجة ، فضلاً عن العذاب النفسي لعدم معرفة مصير المفقود) (التقرير – ص3 ).
فاختطاف الشيخ معشوق الخزنزوي حلقة من سلسلة غير ذهبية ، أولها في قمة جبل (قاسيون ) ونهايتها في مدينة القامشلي ، ولا أدل على ذلك من حرمان ربع مليون مواطن كردي من حق المواطنة والجنسية طوال أربعين عاماً ، ومن قمع حركاتهم المطلبية السلمية العادلة بالحديد والنار وبالمواعيد العرقوبية .
وإليكم آخر وقائع الطمس المنظم لجريمة اغتيال الشيخ الخزنوي التي تدل على احتراف من مارس هذه (اللعبة ) طوال أربعين عاماً داخل سورية وخارجها . فقد أفادت مصادر (إيلاف ) يوم 20/6/2005م أن سعيد هديلة – وهو أحد المتهمين الخمسة باغتيال الشيخ الكردي محمد معشوق الخزنوي نائب رئيس مركز الدراسات الإسلامية بدمشق ، وجد مقتولاً بحادث سيارة مجهولة في مدينة حلب الشمالية دون أن تعرف هوية قاتله ، واعتبرت المصادر أن هناك جهات تريد أن إخفاء الحقيقة عن الرأي العام من خلال التصفيات المتكررة للمجموعة التي ألقت قوات الأمن القبض على اثنين منها ....إلى ذلك وجدت عائلة مدير أعمال الشيخ محمد الخزنوي الشقيق الأكبر لمعشوق الخزنوي قبره فارغاً ، ولم تعثر فيه على أية جثة ، حيث كان من المفترض نقل جثمانه إلى دير الزور ، حيث مسقط رأسه . وأعلن عن موت مدير أعمال محمد الخزنوي بعد حوالي عشرة أيام من اختطاف معشوق الخزنوي ، وتردد أنه قتل تحت عجلات قطار ، إلا أن شهود عيان رجحوا بأن الذي دهسه القطار كان مقتولاً بطلق ناري قبل إلقاء جثته هناك ، ووجدت معه بطاقة شخصية باسم محمد خلف الواوي ، وكان بحوزته 11 ألف ليرة سورية .(مرآة سورية اليوم 20/6/2005 ) .
الجدير بالذكر أن ( اللجنة العربية لحقوق الإنسان – باريس ) سبق لها أن حذرت من عملية طمس ، تتعرض لها قضية اغتيال الشيخ الخزنوي ، فقالت : ( وقد طلب عدد من ذوي المتهمين مباشرة تدخل اللجنة العربية لحماية المتهمين من مسرحية محاكمة سريعة تنتهي بإعدامهم لإخفاء الحقيقة !! )
إنها جريمة قتل سياسية منظمة تضاف إلى سجل انتهاك حقوق الإنسان السوري ، فمن سيطوي هذا السجل وإلى الأبد ؟؟
مع شكرنا لمنظمات حقوق الإنسان السورية والعربية والدولية ، فإننا مع المواطن السوري نقول بالنتيجة : ( ما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرِك ، فتولَ أنت جميعَ أمرِك ) .
* كاتب سوري وعضو رابطة أدباء الشام