محاولة لفهم السياسة الأمريكية

د. عبد الله السوري

محاولة لفهم السياسة الأمريكية

د. عبد الله السوري

[email protected]

يحتار العـرب اليوم في حقيقـة العلاقـة بين الولايات المتحدة والحكومة الإيرانية ، فهل هما متعاديتان ؟ أم متحالفتان ؟

 وسبب الحيـرة برأيي أن كثير من العرب ، عندهم محاولة لتبسيط الأمور ، فالدولة كذا معادية لتلك ، إذن لايتصور منهما غير العداء ، وزيـد حليف لعمرو ، إذن يبقون أبد الدهر حلفاء ....

 والمتتبع لنشاط الولايات المتحدة السياسي يجده مختلفاً كثيراً عن تلك النظرة التبسيطية ، بل إنه نشاط معقد ، يحتاج إلى متابعـة وبذل جهـد كبير لفهمـه ، وتحديد معالمـه ...

 1-   أمثلـة معاصـرة :

وكي أصل لما أريـد سأذكر بعض الأمثلة عن النشاط السياسي الأمريكي منها :

1- تحالفت الولايات المتحدة مع المجاهدين الأفغان ، أو قل سكتت عن جهادهم ضد الروس ( الماركسيين ) ، وأشارت على حلفائها بدعم المجاهدين الأفغان ، وبنـاء على تلك الإشارات ذهب كثير من الرجال الأكفاء المدربين والأغنياء للجهاد في الساحة الأفغانية ضـد الماركسيين كما جمعت لهم الملايين من الدولارات ...

2-  بعد طرد الماركسيين وسيطرة المجاهدين على السلطة ، وقفت الولايات المتحدة مع طالبان ضد حلفائها ( المجاهدين ) ، بل هي التي حركت طالبان من طلاب علم شرعي في المدارس الباكستانية ، إلى مجاهدين يقاتلون ( المجاهدين ) ويستولون على السلطة في كابول ...

3- طـردت طالبان من السلطة ، وسلمت أفغانستان لحكومة عميلة للولايات المتحدة الأمريكية ...

 4- وقفت الولايات المتحدة مع ( صدام ) الذي وقف ضد تصدير الثورة الاسلامية الايرانية ، وعلى الأقل أشارت وشجعت حلفائها على دعمـه بالمال والسلاح ، وهكذا فتحت خزائن دول الخليج العربي لتصب في مستودعات التسليح العراقي ، وعملت مصانع الذخيرة المصرية ليل نهار طوال عدة سنوات لتمـد الجيش العراقي بالذخيرة ...

 5- مع العلم أن الولايات المتحدة سكتت على الأقل على نجاح الثورة الاسلامية الايرانية وتخلت عن شـاه إيـران ... فهي ضد شاه إيران ، ومع الخميني ، ثم مع صدام  ضد الخميني  ، ثم ضد صدام ومع الكويت ...وهكذا ....

 2ــ سـياسـة دائمـة التغيـر في الزمـان :

 لعل أهم سمة لاحظناها في الأمثلة السابقة ، سـمة التغير ، فالسياسة الأمريكية لاتجمد على حال واحدة ، بل هي متغيرة ، حسب تغير مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ...

فهي اليوم مع صدام ضد الخميني ، وغداً مع الكويت ضد صدام ، وهكذا تغير دائم في الزمـان ... لأن المصلحة متغيرة ، أما القيم والأخلاق فلها مقدار من الثبات لابأس بـه ، ومادامت المصلحة متغيرة ، لذلك يتغير الموقف الأمريكي تبعـاً لتغير المصلحة ....

 3-  سـياسـة متغيرة في المكان :

 في العراق ، تقف السياسة الأمريكية مع الشيعة ، وكأنها تريد منح العراق للشيعة ، وربما منحتـه وانتهى الأمـر ، وفي لبنـان تقف السياسة الأمريكية ضد الشيعة أقصد ضـد حـزب الله ، لأن وقوفها في العراق مع الشيعة ضـد السـنة ، ووقوفها في لبنان ضد الشيعة لصالح الصهاينة ...وقوفها في العراق مع الشيعة لتمزيق العراق ، وتقسيمه وبالتالي إقامة دولة شـيعية في الجنوب العراقي على الأقل تهـدد دول الخليج ، كما كان صدام يفعل ، وبالتالي تبقى دول الخليج بالحاجة للحماية الأمريكية المستمرة ....

ووقوفها في لبنان ضـد الشيعة كي لايتحقق الهلال الشيعي ، لأن سياسة الولايات المتحدة لاتسمح لحليف من حلفائها أن يصبح قوياً يستغني عنها ... وهكذا رأينا كل حليف أمريكي ، حاول الاستغناء عن أمريكا ، انتهى إلى زوال أو إضعاف ....

 4-  تـحـالف محـدود :

 والتحالف الأمريكي ، يختلف عن الحب العربي ، القائل ( أحبك موت ) أي يحبـه حتى الموت ، حب مطلق ، ويبدو أن هذا المطلق لايوجد إلا في الفكر العربي ، أما في الفكر الأمريكي فكل شيء نسـبي ...

 أمريكا ساعدت المجاهدين ( الاسلاميين ) ضد الشيوعيين ، فقط ، ولاتساعدهم ضد غير الماركسيين ...

ساعدت صدام ضد تصدير الثورة الاسلامية الايرانية ، فقط ، ولم تساعده في احتلاله للكويت أو تهديده لدولة الصهاينة . بل ( كسرت رقبته ) عندما فكر في محاربة الصهاينة ...

 ويبدو أنها تقف مع الشيعة في العراق ( فقط ) ولاتقف معهم ( وقوف موت ) كما يقف العرب ، بل وقوف ( أمريكي ) أي نسبي ، تقف معهم في العراق ، وتقف ضدهم في لبنان ...

وهذه النسـبية ساعدت الولايات المتحدة على الوقوف مع زيـد ، ومع عمرو ، حتى لو كان زيـد ضـد عمرو ، فلكل منهما نسـبة معينـة من التحالف ، تتفق مع المصالح الأمريكية ...

إذن التغير ، والنسبية  ( على الأقل ) ،صفتان لازمتان في السياسة الأمريكية ...

وهذا الموضوع كله توطئة لمحاولة فهم الموقف الأمريكي من النظام السوري ...  وفي موضوع قادم سأحاول البحث عن معنى في علاقة أمريكا بالنظام السوري ، وسأطبق هذه القاعدة كذلك ...   علنا نفهم سـر علاقة النظام الأسدي بالسياسة الأمريكية ...

والله الموفـق .