نيران طهران ولهيبها المشتعل في صعدة
محمد فاروق الإمام
[email protected]
هكذا كان حال العرب منذ القدم بلواهم
تأتي من جيرانهم، فالتاريخ يروي لنا الكثير عن الفرس وما فعلوه بالعرب، وعن الرومان
وما فعلوه بالعرب، وعن الأحباش وما فعلوه بالعرب.
واليوم تتكرر نفس الحالة، فهذه إيران
الخمينية تفعل نفس الشيء، بعد أن ظننا أننا في مأمن منها بعد أن أعلنت طهران عن
قيام الجمهورية الإسلامية، وحسبنا أن الشاه رضا بهلوي شرطي المنطقة قد رحل بلا
رجعة.. وإذ بنا نتعرض لهجمة شرسة من هذه الجمهورية جعلتنا نترحم على أيام الشاه
التي كانت، بالنسبة لما نتذوقه على يد حكام الجمهورية الإسلامية اليوم عسل ولبن.
الجمهورية الإسلامية في طهران راحت
أبعد مما كان يقوم به الشاه.. فكل ما كان يفعله الشاه لا يتجاوز العلاقات
الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ووقوفه في المحافل الدولية ضد مصالح العرب، وتشجيع
قيام الأحلاف العسكرية في المنطقة.
أما طهران اليوم فلها أجندة ومطامع في
كل موطئ قدم عربية من بغداد حتى تطوان، مروراً بكل العواصم العربية.. أجندة تقوم
على الحق الإلهي الذي خولته لنفسها بحكم ولاية الفقيه الذي تعتقد به، والذي يخولها
– باعتقادها – حق الوصاية على بلاد المسلمين والتدخل في شؤونها الداخلية بما تراه
يخدم مصالحها ومصالح ولاية الفقيه التي تعتقد بها.. وبالتالي تصنف الناس في هذه
البلدان بين نواصب كفرة (أهل السنة والجماعة) ومعتقدي ولاية الفقيه من أهل مذهبها،
وحتمية الوقوف إلى جانب من يعتقدون اعتقادها وتحريكهم لخدمة أغراضها وأهدافها
وأجندتها.
ما يجري في اليمن اليوم من اقتتال بين
الإخوة لم يكن صدفة بل قام بفعل فاعل، بيّت وأعد ودفع في ليل بهيم مثل هذا
الاقتتال، وإلا لما كان لتمرد الحوثيين أن يصمد في حروب خمسة دون أن تخضد شوكته أو
يلين ظهره، أمام قوة عسكرية نظامية مدربة تفوقه عدداً وعدة، مما يؤكد لكل المراقبين
أن الحوثيين لم تكن حركتهم عفوية قامت لتحقق بعض طلبات الإصلاح وتوفير بعض الحاجات
والسلع، إنما قامت لتشغل الدولة وتعكر أمن دول الجوار، والمقصود به (المملكة
العربية السعودية) العدو التقليدي لقم، والتي لا حدود لها معها تسهل لها حركتها
العدوانية تجاهها.
وهذا جعل حركة الحوثيين تتحدى الحكومة
في صنعاء، وقد تمكنت حتى الآن من منع القوات اليمنية المسلحة من تحقيق أي انتصارات
حقيقية على الأرض، رغم استعمالها لكل أنواع الأسلحة التي تملكها براً وجواً، ورفضها
لكل مبادرات الحكومة السلمية لوقف القتال، بل وراحت أبعد من ذلك في تحديها ومفاجأة
الحكومة اليمنية بمزيد من الضربات الموجعة التي لم تكن تتوقعها، وأنها لن تقبل بوقف
الاقتتال حتى تعترف حكومة صنعاء بالحركة الحوثية كحالة موجودة على الأرض، لا يمكن
تجاهلها سياسياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً ومذهبياً.
فإذا ما ارتاح العرب يوماً لدعم إيران
للطائفة الشيعية في لبنان، والتي تمخض عنها ولادة حزب الله الذي جاء لمقاومة العدو
الصهيوني في جنوبي لبنان، فإن العرب يحارون اليوم.. لماذا تريد إيران دعم الحركة
الحوثية في شمال اليمن وشماله ليست حدوداً مع العدو الصهيوني، بل مع دولة عربية
إسلامية شقيقة هي المملكة العربية السعودية، التي شرف الله أرضها بالبيت العتيق
والمسجد النبوي الشريف.
إذن فغاية إيران من دعمها للحوثيين هو
إيجاد منصة لها للانطلاق منها باتجاه الأراضي المقدسة في السعودية، وتهديد نظام
الحكم فيها وزعزعته والنيل منه.
كنت أتمنى على الإخوة الحوثيين الذين
ينتمون لمذهب الزيدية الذي هو أقرب لأهل السنة والجماعة من مذهب ولاية الفقيه، أن
لا ينساقوا وراء طهران ويقعوا في براثن لعبتها الرخيصة التي ترمي إلى إشغال العرب
ببعضهم دون التوجه إلى التحديات الكبرى التي تواجههم، من العدو الصهيوني ومؤامرات
وأطماع الدول الكبرى، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والتنمية التي تفتقر إليها
معظم البلدان العربية، وفي مقدمتها اليمن الذي حباه الله بثروات طبيعية وبيئية لو
أحسن استغلالها لغدت اليمن في مقدمة بلدان العالم نعيماً ورخاء، ولعادت اليمن كما
كانت.. اليمن السعيد.
وكنت أتمنى على القيادة اليمنية لو
تحلت بالحكمة اليمانية التي عرفت عنها، وتعاملت مع حركة الحوثيين بعقلانية تنطلق من
حوار هادئ وشفاف وهادف بعيداً عن استعمال القوة والعنف، الذي لا يجر إلا إلى مزيد
من إراقة الدماء والخراب وشحن النفوس واحتقانها بمزيد من الكره والحقد والثأر.
نتمنى لليمن الجريح أن يثوب أهله إلى
رشدهم ويضمدوا جراحهم بالتي هي أحسن، وعبر وساطات عربية وإسلامية مخلصة وبريئة تعيد
له عافيته وتنشر السلام في ربوعه.