خطة سلام فياض لإقامة دولة فلسطين

د. أديب طالب *

[email protected]

طالما أن القضية الفلسطينية لبّ القضايا العربية كلها، وطالما أن إشكالاتها لب الإشكالات كلها، فثمة ضرورة راهنة ومتجددة، للحديث عن مشروع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، بهدف بناء دولة فلسطين.

الفلسطينيون ومنذ اغتصب العدوان الإسرائيلي أرضهم عام 1948، وضعوا أعينهم على التحرير. ومنذ "أوسلو" أدركوا أن شعباً بلا دولة، وأن دولة بلا أرض هو الضياع التام، ضياع الأرض وضياع الشعب معاً. الرئيس الراحل ياسر عرفات أدرك ذلك جيداً، فتمنى دولة ولو على شبر من أرض فلسطين، ولكنه استمر في وضع عينيه على التحرير، ولم ينفعه قوله للأمم المتحدة: جئتكم وأنا أرفع بندقية بيد، وغصن الزيتون بيد أخرى. الراحل عرفات، لا أتم التحرير ولا قدر عليه، ولا أتم بناء الدولة ولا قدر عليه. الراحل عرفات، أجّل بناء الدولة، رغم أنه حصل على أكثر من شبر من الأرض، ظناً منه أن الدولة الحقة لا تُبنى إلا بعد التحرير. رحمه الله، فقد حصل على أجرين عندما كان يصيب، وعلى أجر واحد عندما كان يخطئ.

ما تميز به وأدركه وهو على قدر كبير من الأهمية الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس وزرائه سلام فياض، أنهما وضعا خطة وبرنامجاً وآليات، لبناء دولة فلسطين من دون انتظار التحرير الكامل، أدركاه وتميزا به، بالرغم من مصاعب الاحتلال معتمدين على السواعد الفلسطينية، وبدعم سياسي ومالي من الأغلبية العربية، بحيث أن قيام الدولة سيكون أمراً واقعاً على الأرض، لن يتمكن الإسرائيليون من إنكاره أو تجاهله. إن عيناً على التحرير، وإن عيناً على البناء، هو ما يوصل اليهما معاً.

ولئن كان ميزان القوى مختلاً اختلالاً واضحاً وفاضحاً بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، لا بل بين كل العرب والإسرائيليين، كان لا بد أن تصل حركة التحرير الوطني الفسلطينية الى درب مسدود، عبر كل الهزائم، وفي المحصلة كان لا بد أيضاً، من المفاوضات السلمية. وبقوة الحق التاريخية وبالمشروعية الدولية لحل الدولتين، يمكن لجدار الهزائم أن ينهار، ويمكن للدرب المسدود الى الدولة والتحرير، أن يفتح عبر تلك المفاوضات والشرعية السالفتين، وليس ضرورياً أن ينتظر بناء الدولة، حتى تصل المفاوضات الى غايتها الإيجابية.

عبر هكذا منظور متطور، وعبر هكذا رؤية واقعية وفاعلة ومتجددة، نستطيع أن نفهم لماذا طرح فياض مشروع بناء دولة فلسطين، حتى في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

في الخامس والعشرين من آب (أغسطس) 2009، وتحت عنوان "فلسطين: إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة"، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني فياض، خطة لإقامة مؤسسات دولة فلسطين خلال سنتين، وصولاً الى عام 2011. وكمثال على تلك المؤسسات، إشادة مطار وبناء سكة حديد والتحضير لإقامة مصفاة للبترول. وأكد فياض أننا لن ننتظر نتائج المفاوضات مع إسرائيل، وأن الخطة ستعجّل في إنهاء الاحتلال، وأعلن أن البرنامج الذي سلمه للرئيس الفلسطيني محمود عباس يتضمن تفاصيل إقامة الوزارات، الصحة، التربية والتعليم، الاقتصاد، المواصلات. وقال فياض إن إقامة دولة فلسطين، تعزز أمن المنطقة واستقرارها. وقد تضمنت الخطة القوانين والبرامج، لبناء مطار فلسطين الدولي في منطقة الأغوار واستلام مطار قلنديا، وقال أيضاً لقد بحثت في هذا الموضوع مع عدد من الدول. وأكد أن قيام مؤسسات الدولة نوع من المقاومة. ولا بد من التذكير، أن الرئيس عباس قد كلف فياض برئاسة الوزراء عقب انقلاب "حماس"، والمعروف لدى ساسة العرب والعالم أن فياض سياسي معتدل، وناجح إدارياً وأمنياً، فقد رسخ الأمن والنظام في أراضي الضفة الغربية، بعد فوضى سادت قبل استلامه مقاليد رئاسة مجلس الوزراء، وقد عرف عنه أنه يستند الى رأي مستشاريه وفق اختصاصاتهم، وأنه لم تلحقه شبهات الفساد، التي سبق ولحقت بعدد من سياسيي السلطة ووزرائها.

السيد فياض رجل دولة ناجح، وتشهد له خطواته السابقة، وخطته الراهنة والمستقبلية.

إن الكلام عن نجاحات فياض الاقتصادية والأمنية تؤكده الحقائق التالية:

النسبة المئوية للتبادل التجاري بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بلغ الـ42%، عدد السيارات المستوردة لأراضي السلطة ارتفع بـ44%. استهلاك الوقود ارتفع بنسبة 29%، البطالة انخفضت من 19,5 في المئة الى 15 في المئة.

المعطيات الإحصائية العالمية تؤكد، أن نسبة النمو السنوي في الضفة الغربية تصل الى 7 في المئة وستبلغ 11% قريباً.

في عام 2007 استشهد على يد جيش العدوان الإسرائيلي 76 فلسطينياً في الضفة الغربية. في عام 2008 استشهد 51، وفي النصف الأول من عام 2009، 12 شهيداً.

لقد كان جهد فياض ينصبّ على أن ينتقل الفلسطيني من خانة البكائين أو الانتحاريين أو المتسولين الى خانة اللبنائين المنتجين والذين يصنعون مصيرهم في الحياة لا الموت، وفي بناء الحضارة لا هدمها.

لا بد لأي خطة اقتصادية، إنشائية، إنمائية، من مناخ سياسي ايجابي ببعديه الداخلي والخارجي، يهيئ لتلك الخطة فرص النجاح، ويمنع أي إعاقات محلية أو اقليمية أو دولية هذا أولاً. ثانياً لا بد من مناخ آمن، يمنع العدوان عليها، ويتيح لها أن تعمل في ظل القانون والنظام. ولا بد لها ثالثاً من موارد مالية، تسمح لها بالإقلاع، حتى تصبح قيد الانتاج.

وسنحاول بسط المناخين والموارد في النقاط المرقمة التالية:

1 اعتماد المبادرة العربية للسلام، والمعدلة بالصيغة التالية: انسحاب تام قبالة تطبيع تام، واعتبار طرفي هذه المعادلة، رزمة واحدة، وقد تسبق خطوة خطوة، وقد تلحق خطوة خطوة، شرط العدل والتوازن والتدرج التطبيقي في هكذا مسار. وهذا ما قد يتفق مع مشروع السلام الأوبامي. إذاً، المبادرة العربية، أساس التفاوض بين العرب وبين الإسرائيليين، شرط حضور أميركي، كراعٍ مباشر وضابط أساس.

2 اعتماد المشروعية الدولية لحل الدولتين أساساً خاصاً للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، حول كل قضايا الحل النهائي.

3 مساحة الدولة الفلسطينية، هي المساحة التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وهي ستة آلاف ومئتين واثنين وأربعين كلم مربعاً.

4 عاصمة الدولة الفلسطينية هي القدس الشرقية.

5 بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، لا مانع من المداورة بين العودة والتعويضات، أما فلسطينيو لبنان فعودة الى أرض الدولة الفلسطينية مع التعويضات. يقول مؤتمر فتح الأخير: "يتوجب بذل الجهود، لتجسيد حق اللاجئين في العودة والتعويض".

6 تجميد بناء المستوطنات وتجميد بناء الجدار في أرض الدولة الفلسطينية.

7 في موضوع الأمن والتطبيع على أرض الدولة، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، قد نفذت الجزء الأول من خارطة الطريق، ولقد صار لديها مؤسسات مدنية ومؤسسات أمنية، ولقد قامت بإصلاحات، معتمدة الشفافية، ومكافحة الفساد، ورسّخت القانون والنظام والأمن العام والخاص. ونقلاً عن رويترز قال نبيل شعث: "الفلسطينيون وفوا بالتزاماتهم بموجب خارطة الطريق للسلام، والتي ساندتها الولايات المتحدة منذ عام 2003، بما في ذلك وقف العنف ضد إسرائيل".

8 ضمان أميركي أوروبي لأمن الدولة الفلسطينية، عبر قوات دولية تحميها من أي احتكام للقوة قد تلجأ إليه إسرائيل.

إن مشروع سلام فياض السياسي والإنمائي والبنائي والأمني، يسقط حجة العدواني العنصري رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، بأن ليس ثمة شريك فلسطيني يمكن الجلوس معه على طاولة مفاوضات جادة ومثمرة.

إن الخروج من حالة العداء الفلسطيني - الفلسطيني، الى شكل ما من التهدئة والتفاهم، هو رأس الأولويات والضرورات، لأنه سيسمح بإعادة إعمار غزة المنكوبة أرضاً ومواطنين، وسيتيح الاستفادة من مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، المتضمنة بندين رئيسيين، الأول إنفاق الـ94 مليون دولار المتوفرة لحساب وكالة غوث اللاجئين "الأونروا"، والثاني هو الحصول على المليار دولار الذي التزمت به الدول المانحة، وإنفاقه في الإعمار. هذا كله قد يساعد في تفاهمات بين رام الله وغزة حول قيام دولة فلسطين ومشروع فياض بخصوصها، ويمهد لشراكة حقيقية في راهن الوطن الفلسطيني ومستقبله.

القضية الفلسطينية لب القضايا العربية كلها وإشكالاتها لب الإشكالات كلها، وهذا ما حاولنا أن نلقي عليه بعض الضوء، عبر مقاربة متعاطفة قلباً وعقلاً مع مشروع رئيس وزراء دولة فلسطين.

               

*معارض سوري