نكبة فلسطين والتسويات الكبرى

د.عصام محمد علي عدوان

نكبة فلسطين والتسويات الكبرى

بقلم: د.عصام محمد علي عدوان*

عندما صدر قرار تقسيم فلسطين رقم 181 في 29/11/1947م عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلنت الدول العربية رفضها للقرار، وقررت دخول فلسطين للحفاظ على الحق العربي فيها وإفشال التقسيم، وحل القضية على أساس دولة ديمقراطية. وكان قرار التقسيم قد أعطى العرب 42.88% من فلسطين، وأعطى اليهود 56.47%، مع السماح باستمرار الهجرة اليهودية إلى الدولة اليهودية، وقرر تدويل مدينة القدس، وتشكيل مجلس اقتصادي مشترك للدولتين العربية واليهودية والقدس الدولية.

وسنعرض لثلاث قضايا مما يُسمى اليوم بقضايا الحل النهائي، لنرى كيف جرى التعامل معها:

أولاً: القدس :

فقد وافق العرب؛ من خلال توقيعهم على بروتوكول لوزان في 12/5/1949م والمستند أساساً إلى القرارين 181، و 194، على تدويل مدينة القدس، بعد أن أسفرت الحرب عن بقائها بيد الجيش العربي الأردني، وذلك يعني تقبُّل العرب لفكرة التخلي عن السيادة الإسلامية على القدس وقبول تدويلها، وحتى لا يظن البعض أن التدويل يؤمّنها من الاحتلال الإسرائيلي، نورد التفاصيل التالية التي اشتمل عليها قرار 181 فيما يتعلق بتدويل القدس والتي أكد عليها القرار 194أيضاً:

-   لمدينة القدس مجلس وصاية مكون من شخص عربي وآخر يهودي وثالث تختاره هيئة الأمم وهو يرأس مجلس الوصاية الذي تؤخذ قراراته بالأغلبية. ومن المتوقع أن يكون الحاكم الدولي مسيحياً متعاطفاً مع اليهود، أو يهودياً من خارج فلسطين، وبالتالي ستكون الأغلبية ذات توجهات صهيونية.

-   لحاكم مدينة القدس التدخل في شئون الدولتين العربية واليهودية فيما يتعلق بالأماكن المقدسة والأبنية الدينية فيهما، والبتّ في الخلافات التي قد تنشب حول تلك الأماكن، وتقديم اعتراضاته المحترمة دولياً على دساتير أي من الدولتين فيما يتعلق بتأمين العبادة للجميع في تلك الأماكن. وهذا سيعني تدخل اليهود حتى في الأماكن المقدسة لدى الدولة العربية وفي نصوص دستور الدولة العربية فيما يتعلق بالأماكن المقدسة.

-   تدخل القدس ضمن الاتحاد الاقتصادي الفلسطيني، وتكون هي مقره، ويشرف عليه مجلس اقتصادي مكون من ثلاثة يهود وثلاثة عرب وثلاثة دوليين لهم الجولة الأولى في رئاسة الاتحاد الاقتصادي الذي ستؤخذ قراراته بالأغلبية. بما يضمن هيمنة اليهود على المصالح الاقتصادية الحيوية في كامل فلسطين وفي القدس.

-   ستكون القدس مجردة من السلاح إلا من قوة شرطة دولية تُجلب من خارج فلسطين لحماية الأماكن المقدسة بما فيها الإسلامية. مع إمكانية أن تكون تلك الشرطة يهودية أو منحازة لليهود، وبالتالي تكون القوة المسلحة الوحيدة في القدس يهودية أو منحازة لليهود. كما أنها قوة شرطة دائمة ومقيمة ويتزايد عددها طردياً مع زيادة عدد السكان بما قد يجعلها مجالاً لهجرة يهودية مبطّنة إلى القدس لتعديل التوازن الطائفي فيها[آنذاك] لصالح اليهود.

-   يُسمح بهجرة الأجانب إلى القدس من خلال موافقة مجلس خاص ينظر في طلبات الهجرة والجنسية مكوّن من ثلاثة أعضاء أحدهم دولي وآخر يهودي وثالث عربي وتؤخذ قراراته بالأغلبية. ومن المتوقع أن ينحاز الدولي إلى اليهود، فتكون قرارات اللجنة لصالح استقدام مهاجرين يهود دون العرب إلى القدس لمضاعفة أعداد اليهود على حساب العرب.

-   سيُعمل بدستور القدس الدولية لمدة عشر سنوات مبدئياً ثم يُعاد النظر فيه عبر استفتاء السكان. وهذا سيضمن للتغيرات الديمغرافية اليهودية أن تفعل فعلها في وضع دستور يراعي فقط المصالح اليهودية ويحرم العرب حتى من إمكانية الشكوى لقضاء حيادي.

وعليه، فقد كان قبول العرب لتدويل القدس الوارد في القرارين 181، و 194، ضربة قاتلة في حق العرب في القدس، التي لم تكن خارج سيطرتهم آنذاك.

ثانياً: الحدود:

فقد وافق العرب؛ من خلال توقيعهم على بروتوكول لوزان المشار إليه، على قبول تقاسُم فلسطين بين العرب واليهود بالاستناد إلى قرار التقسيم 181 الذي دخلوا الحرب عام 1948م لإبطاله، وقد أمِلوا من قبول التقسيم أن تنسحب إسرائيل من الأراضي الإضافية التي سيطرت عليها خلال الحرب، فقد أعطى التقسيم لإسرائيل 56.47% من فلسطين بينما سيطرت هي على 77.4% من فلسطين أي بزيادة قدرها 21%، رغب العرب في استردادها من خلال النزول عند قرار التقسيم، وقد قدّموا مقابل ذلك إقراراً بحق إسرائيل في دولة لها على 56.47% من فلسطين واعترفوا بها. وهذا ما يفسّر تركيز العرب في قمة الخرطوم بعد حرب 1967م على إزالة آثار عدوان عام 1967 وليس إزالة مصدر العدوان، وهو إسرائيل، لأن العرب قد اعترفوا بإسرائيل منذ عام 1949م ووقّعوا معها اتفاق لوزان، فضلاً عن معاهدات الهدنة الدائمة. وقد صرّح ممثل الحكومة المصرية إثر قبول مصر لقرار 242 عام 1967م بأن مصر والدول العربية قد اعترفت بإسرائيل منذ عام 1949م عندما وقّعت اتفاقات الهدنة وميثاق لوزان.

ثالثاً: اللاجئون:

 صدرقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 194في دورتها رقم: "3" بتاريخ: 11/12/1948م، وتحدث عن تدويل القدس ووضع الأماكن المقدسة في فلسطين تحت إشراف دولي، وذلك وفقاً لما جاء في قرار التقسيم 181، كما دعا في الفقرة 11 منه إلى عودة وتعويض اللاجئين، حيث نصّت الفقرة على: 

"تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم؛ وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقا لمبادئ القانون الدولي، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسئولة".

وهذا يعني:

1- تحدث القرار عن (اللاجئين) لكنه لم يُعَرِّفْهم، أي لم يقل: اللاجئين العرب، أو اللاجئين الفلسطينيين مثلاً. مما يجعل الكلمة تحتمل أي لاجئين بغضّ النظر عن سبب لجوئهم، بما في ذلك "اللاجئين" اليهود. وقد أكد ما ذهبنا إليه: تكرار اللفظة الغامضة في قرار 242 أيضاً ثم تفسير موشيه دايان لها على أنهم اللاجئون اليهود. إذ في كلا الحالتين تجنبت الصياغة توضيح ظروف وأسباب اللجوء التي توضّح مَن هم المقصودون.

2- أن القرار اشترط للعودة (العيْش بسلام بجانب جيرانهم)، وهي قضية لا يمكن التحقُّق منها، وستصبح مجالاً للتهرب من التزام إعادتهم،. ولنا أن نتصور من خلال السلوك الإسرائيلي في قضايا الإفراج عن الأسرى مثلاً، أن تلجأ إسرائيل في اللحظات الأخيرة بعد الاتفاق على عودة لاجئين، أن تطلب من كل شخص يريد العودة التوقيع أمام شهود دوليين على وثيقة يعترف فيها بإسرائيل وحقها في الوجود والسيادة على أراضي عام 1948م، ويتعهد بعدم تهديد أمنها ومناهضتها. وبذلك تحصل إسرائيل على اعتراف شخصي من كل لاجئ وتصبح العودة بهذه الطريقة وبالاً على الحق العربي في فلسطين.

3- التعويض في كل الحالات سواء مقرونا بالعودة أو بعدم العودة هو فقط عن الممتلكات المفقودة والمتضررة، وهذا التعويض سيكون فقط، (عندما يكون من الواجب وفقا لمبادئ القانون الدولي) أي ما يُقام الدليل القانوني عليه، وليس كل ادعاء بالحقوق.

4- أن تقرير عدم العودة هو أمر منوط بصاحب الحق وبالتالي لا يأخذ تعويضاً عن عدم عودته، وإنما فقط عن ممتلكاته التي خسرها واستطاع إثباتها قانوناً.

5- كلمة (ممكن) الواردة في نص القرار تترك توقيت العودة نهباً للظروف المحلية والدولية وأية اعتبارات أخرى قد تعطّل العودة، إذ ستتذرّع إسرائيل في أي وقت بأن العودة في هذا الوقت غير ممكنة.

6- ورد حق العودة الغامض مقروناً بتدويل القدس في قرار واحد هو قرار 194، ولن يقبل العالم أن نطالب بالعودة ونرفض التدويل، ذلك التدويل الذي سيحقق تهويد القدس بموافقة عربية فلسطينية كما أوضحنا من قبل، فكيف لو جاء التدويل اليوم ومعظم سكان القدس من اليهود!!

وبعد:

لقد أمضى شعبنا الفلسطيني 57 عاماً وهو يجري وراء سراب هيئة الأمم المتحدة التي ما كان لها أن تنصر المظلوم أو تعين على نوائب الدهر، وأصبح جلياً أن لا جدوى من استمرار المطالبة بتطبيق قرار 194 بعد أن اتضحت الثغرات الخطيرة التي بُني عليها. وأصبح لزاماً أن تسعى الدول العربية والإسلامية والصديقة لاستخراج قرار جديد من هيئة الأمم ذو صيغة إلزامية لا كالقرار 194 الذي هو مجرد توصية غير ملزمة، فإن قيل أن ذلك صعب في الوقت الحاضر، فعلى الجميع أن يفسح المجال للمقاومة الفلسطينية لتعيد الحق إلى نصابه، وتجبر العالم لأن يسمع لمطالب الشعب الفلسطيني ويخضع لها.

           

*جامعة القدس المفتوحة-فلسطين