حِوارٌ متمدِّن .. ومُحاوِرٌ متمدِّن جداً !..
حِوارٌ متمدِّن .. ومُحاوِرٌ متمدِّن جداً !..
د.محمد بسام يوسف
لا أعلم إن كان بإمكاني أن أوجه تحيةً خاصةً للسيد (ميخائيل غورباتشوف) صاحب (البيروسترويكا) أو (إعادة البناء).. وآخر زعيمٍ للشيوعية العالمية البائدة، والرئيس السابق لما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الشرقي الشيوعي.. وذلك قبل أن تُطيح بأنظمتها الديكتاتورية شعوبُها المضطهَدة بنعيم التعاليم الماركسية، ورغد مبادئ الحقبة الستالينية واللينينية.. التي راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر، وعشرات السنين من عمر تلك الشعوب.. فضلاً عن عشرات المعاني الإنسانية النبيلة والفطرة الإنسانية السليمة، التي جبل الله عز وجل البشر عليها!..
في الحقيقة، الرئيس غورباتشوف لم يفعل شيئاً، ولم يستطع وضع البيروسترويكا موضع التنفيذ الحقيقيّ، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البناء الضخم المنهار.. لكنه لاحظ أن النظام الشيوعيّ قائم على مرتكزاتٍ مضادةٍ لفطرة الإنسان وقِيَمِه الأخلاقية.. فحاول إعادة البناء، وما إن تناول أول لبنةٍ في بنائه الشيوعي، لإعادة تركيبها من جديدٍ بشكلٍ سليمٍ صحيح.. حتى تداعى البناء كله دفعةً واحدة، وانهار تماماً، لشدّة السوء الذي كان عليه!..
بيروسترويكا غورباتشوف إذن لم تنفَّذ حقيقةً، فالذي حدث، هو انهيار حتمي لبناءٍ هشٍ منخورٍ بل متآكل، وذلك بفعل سنن الله عز وجل في أرضه وخَلْقه، فكل ما يتعارض مع الفطرة الإنسانية السليمة والقيم الأخلاقية القويمة.. لن يكون مصيره إلا مصير البعبع الشيوعيّ الذي كان يُرعِب العالَم!..
لقد اطلعتُ على مقالةٍ منشورةٍ في نشرة موقع ما يسمى بـ (الحوار المتمدّن) العدد (1203) الصادر بتاريخ 20/5/2005م.. تحت عنوان : (أيها السوريون : احذروا الأفعى الإخوانية)!.. وبتلك المقالة القميئة.. تأكّدتُ أنّ بيروسترويكا غورباتشوف لم تصل حتى الآن –بعد حوالي عقدين من زمن انطلاقها- إلى عباقرة عقلية العصر الطباشيري، من ماركسيي منطقتنا العربية، القابعين في متاحف ستالين ولينين الأثرية، غير مصدّقين أنّ صنمهم في (الكريملين) قد طالته قبضة البيروسترويكا، وأنه قطع أشواطاً معقولةً باتجاه التمدّن الحقيقي والتحضّر الإنساني، حين تخلّى عن العقيدة الستالينية الماركسية!..
اللافت أن تلك المقالة المتخمة بالأخطاء اللغوية، والمغالطات التاريخية، والقمع الفكري الستاليني، والافتراءات المضحكة، والحقد شديد العمى، والغيظ الذي أعتقد أنه قد أتى على أصابع صاحبه وأسنانه، بعد أن أتلف ما تبقى من عقله.. فخرج عن طور الهمج (لا عن طوره).. وراح يناضل شمالاً ويساراً (اليمين ممنوع).. بسيفٍ كرتونيّ، مع حذلقة البائدين، وعبقرية العصور الحجرية!..
لا أنكر أنني منشغل هذه الأيام بمتابعة نضالات النظام السوري ضد شعبنا المصابر، التي تتولّى كِبرها أجهزة المخابرات المترنّحة، إذ فقدت هي الأخرى الصواب (لا صوابها)، بعدما اكتشفَتْ أن بيروسترويكا الشعب السوريّ.. لم يعد بالإمكان إيقافها أو تأخيرها، فراحت تختم تاريخها الزائل ببعض (المآثر)، من تلك التي اعتادت على اقترافها طوال أربعة عقود، لأنها تأبى إلا أن تحوز على مكرمة الخلود في واحدةٍ من أقذر مقابر التاريخ السوريّ، التي تليق بالطغاة وأهل الظلم والاستبداد والقمع الدمويّ!..
نعم.. لا أنكر انشغالي ذاك، لكنني في الحقيقة لدى اطلاعي على (جوهرة) جماعة (الحوار المتمدّن)، المتمثّلة في تلك المقالة الإقصائية الاستئصالية.. اكتشفتُ كم يجب أن تكون تلك المقابر التاريخية واسعةً، لتستوعب الرفاق المناضلين الناجين من بيروسترويكا غورباتشوف.. فلا مانع –على الرغم من الانشغال بمآثر النظام- من أن يُلقم المرءُ حجراً لكلٍ (فالتٍ) أو (فلتانٍ).. من البيروسترويكا الشهيرة، التي إما أنّ عقول الرفاق قد استعصت عليها، أو أنها أصلاً لم تلحظ في رؤوسهم عقولاً، فغدت الحالة مستعصيةً على العلاج والحل المنطقيّ!..
سأبدأ من حالة الغيظ التي أصابت (المحاور المتمدّن) صاحب المقالة.. لأقول له (دفعةً على الحساب): (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران: من الآية119).. لا لشيء، وإنما لأزيد من شدة غيظه، على اعتبار أنّ القرآن الكريم وآياته التي لا يؤمن بها.. تشكّل له أثقل كابوسٍ، وأشدّ زخمٍ من الغيظ، لعله يأتي على بقية أنامله الباقية!..
لا يكتفي (المُحاوِر المتمدّن) في مطلع مقالته البذيئة.. بالتهجّم على الإخوان المسلمين السوريين، بل يتطاول في هُرائه إلى جماعة منتدى (جمال الأتاسي)، لأنّ أحد أعضاء المنتدى قام بإلقاء كلمةٍ نيابةً عن المراقب العام للإخوان المسلمين في المنتدى.. هكذا بكل وقاحةٍ ينصّب (المُحاوِرُ المتمدّن) نفسَه وصيّاً على الآخرين، بعقليةٍ قمعيةٍ لا ترى إلا نفسها، ولا تدور إلا في فلك بذاءتها، وكأنّ الناس في منتدى الأتاسي، من المثقفين وأهل العلم والسياسة.. لا يفهمون ما يقومون به، ولا يستوعبون ما يُقدمون عليه.. وبما أنهم لم ينـزلوا على رأي (المحاور المتمدّن) الاستئصاليّ.. فهم يقومون بعملٍ (مُعيب).. لأنهم (برأيه) (يروّجون لثقافة الجَلد والرَّجم وقَطْع الأيدي والأرجل من خلاف)!.. ولا نعلم من أين أتى فلهويُّ عصره الطباشيريّ بهذه المفتريات، أو إن كان قد ظفر بها في أيٍ من مفردات الخطاب السياسي والإسلامي للإخوان المسلمين!.. ثم يمتدّ تطاوله إلى الجماعات الإسلامية الأخرى في سورية ورجالها ونسائها من مثل: الشيخ كفتارو والشيخ البوطي والأخوات القبيسيّات!.. وبذلك يمكن للمرء أن يلحظ أن الهجوم لا يستهدف جماعةً بعينها فحسب.. وإنما يستهدف كل رجلٍ إسلامويٍ في سورية، وكل امرأةٍ مسلمةٍ ملتزمةٍ بالإسلام.. لأنّ هدفه في حقيقة الأمر.. هو قذف الإسلام نفسه، وهذا ما سيظهر جلياً تالياً خلال المقالة (المتمدّنة)!..
وخلال تهجّمه على الأستاذ (علي العبد الله) الذي ألقى كلمة الإخوان المسلمين في منتدى الأتاسي.. لا ينسى (المحاوِر المتمدّن)، أن يبدي شماتته بالأستاذ (العبد الله) الذي اعتقلته أجهزة النظام القمعية، وكذلك أن يعلن استنكاره لمنظمات حقوق الإنسان التي تطالب السلطات السورية بالإفراج عن الأستاذ المعتقَل تعسّفياً.. ثم يبلغ التمدّن مداه لدى (المحاوِر المتمدّن).. حين يدافع عن القانون الهمجي رقم 49 لعام 1980م، الذي يقضي بإعدام كل منتسبٍ لجماعة الإخوان المسلمين (مجرد الانتساب أو الانتماء).. ذلك القانون العجيب الهولاكيّ الذي استنكرته كل الجهات والقوى ومنظمات حقوق الإنسان وكل الناس الأسوياء.. إلا : أجهزة القمع القاتلة في النظام السوري، وهذا المتمدّن صاحب المقالة، الذي يشتم الأستاذ (علي العبد الله) لأنه ارتكب (جريمة) عرض وجهة نظر الإخوان المسلمين في منتدى الأتاسي، التي تؤكّد على الوسطية والتعددية والديمقراطية والحرية وبناء الدولة التعاقدية المتطورة العصرية وعدم الاستقواء بالأجنبي.. هذا الكاتب الرفيق المتمدّن يوجّه شتائمه للأستاذ (العبد الله) لأنه (يتحدى بكل خفةٍ القانون رقم 49 القاضي بإعدام كل من له علاقة بالإخوان المسلمين)!.. ولا نعلم إن كان الأستاذ العبد الله بإلقائه وجهة نظر الإخوان في منتداه.. قد أصبحت له علاقة بالإخوان، لذلك فهو يستحق القتل أو الإعدام، على مذهب ذلك (المُحاوِر المتمدّن) المدهش!..
ويتابع الرفيق المناضل (المتمدّن) هُراءه وفِريته، حين يزعم أنّ الإخوان المسلمين ضد التحديث والتطوير، لأنهم (يأتمرون بأوامر الله التي لا تحتمل النقاش ولا التفنيد ولا التحديث والتطوير)!.. ولا نعلم أيضاً من أين أتى هذا المفتري بهرائه هذا، كما لا نعلم كيف يمكن لمثله استيعاب أنّ الله عز وجل يفرض علينا التطوير والتحديث فرضاً، وأنّ إسلامنا وديننا يحثّنا على أن نكون دائماً في طليعة الأمم التي تطوّر نفسها وتحدّث كل ما فيها، لتكون دائماً في مقدمة الأمم، ترتقي باستمرارٍ نحو الأفضل في كل مجالات الحياة، لتحقيق خير الإنسان ورخائه وكرامته: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..) (من التوبة:105).. (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101).
ويأبى هذا المحاور (المتمدّن) إلا أن يُسفر عن وجهه الحقيقي الطائفي، حين يطلق على الإخوان المسلمين اسم : (إخوان السنّة).. ويتابع كشف القناع عن وجهه (المتمدّن)، حين يقول قاصداً الإخوان المسلمين: (لا! ليس لهم الحق على الإطلاق، في أن يتدخّلوا بالسياسة.. ولا أن يصلوا إلى الحكم لا عبر صناديق الاقتراع ولا عبر غيرها)!.. هكذا وبكل صفاقةٍ ووقاحة، يريد هذا (المتمدّن) أن يُبرِزَ مواهبه المتحضّرة في القرن الحادي والعشرين، بعقليةٍ إقصائيةٍ استئصاليةٍ، لا ترضى حتى بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، علماً بأنه نفسه –كما سنرى- يعترف بأن غالبية الشعب السوري الساحقة، ستختار الإخوان المسلمين في أي انتخاباتٍ حُرّةٍ في سورية.. فما الذي يريد قوله هذا الرفيق (المتمدّن)، الذي ربما يظنّ أنّ السفّاح ستالين ما يزال بين ظهرانينا؟!.. ولماذا يتحدّى إرادة الشعب السوري مسبقاً، وعن عمدٍ وسبق الإصرار؟!..
لندع مقارنات السيد (متمدّن) جانباً.. بين ثورة الخميني الشيعية، وبين نهج الإخوان المسلمين وعقيدتهم وتوجهاتهم وسياستهم، فمغالطاته لا تمرّ حتى على أمثاله من البلهاء، وهو يعرف تماماً الفرق بين الثرى والثريا، ولندع كذلك تهجّمه على اليساريين والديمقراطيين الذين يؤيدون الإخوان أو يتحالفون معهم.. ولندع بذاءته حين يسمي ذلك بـ (المسخرة التاريخية).. فهذا من الهراء الذي يردُّ بنفسه على نفسه.. لكننا فعلاً نندهش لوقاحة هذا (المتمدّن).. حين يطالب السلطات السورية بعدم إلغاء القانون القاتل رقم 49: (أطالب وبالصوت الواضح بعدم إلغاء القانون 49)!.. ثم يطالب بإقامة المنتديات العلمانية (لتصبح أكثر من المساجد).. أو (تخفيض عدد المساجد ليساوي عدد المنتديات العلمانية الحقيقية الموجودة في الساحة السورية)!.. ثم يقول بانفعالٍ واضح : (كيف ترفض قوى التجمّع الدبابةَ الأمريكية، وتقبل أن تركب منجنيق الإخوان؟!.. أليس الإخوان في نهاية المطاف أسوأ من إسرائيل)؟!.. ناسياً هذا (المتمدّن) أنّ النظام الذي يطالبه بمثل هذه الإجراءات الاستئصالية.. يعيش في النَّزْع الأخير، وسيمضي إلى حيث مضى نظام ماركس ولينين وستالين وشاوشيسكو وبقية العصابة.. وأنّ الشعب السوريّ المسلم، هو وحده صاحب الحق في قول كلمته الفاصلة في ذلك، وأنّ سورية المسلمة لا يمكن أن تتنكّر لتاريخها العربي والإسلامي، وأنّ الشعب السوريّ يعرف كيف يصفع هذا (المتمدّن) على مثل هذه السفسطة، وكيف يضع كل رعديدٍ طارئٍ على فكر هذه الأمة وهذا الوطن.. في حجمه الطبيعيّ الذي يجب أن يكون عليه، بعيداً عن عقلية الطائفية والسطو والتسلّط والقمع الفكريّ الساذج ومصادرة حرية الآخرين وآرائهم.. وأنّ لهجة الاستقواء بتاريخ السفّاحين الستالينيين التي كانت تصلح في عام 1917م وما بعده من سنوات.. قد انتهت مدة صلاحيتها، فنحن في عام 2005م، وعبثاً يفعل كل مَن يفكر بعقلية القرون الأولى أو يستحضرها، فذاك زمانٌ ولّى، وتلك مراحل سوداء ركلتها الشعوب بأقدامها، وداست صانعيها بالبساطير العتيقة!.. كما يعرف شعبنا بوضوحٍ تامٍ، أنّ الأسوأ من إسرائيل واليهود، هم أمثال هؤلاء (المتمدّنين).. الذين يحاولون عبثاً، العومَ ضد سنن الله عز وجل في أرضه وخَلْقه، وضد إرادة سورية المسلمة وتاريخها وإرثها الحضاري العربيّ والإسلاميّ، وضد أدبيات العصر الحديث وقِيَمِه في الإصلاح والانفتاح، وضد عَجَلة التاريخ المتقدّمة لا تلوي على شيء!..
يتابع المحاور (المتمدّن) هذيانه بالقول : (أنا مع أن يقوم العالم ولا يقعد لو تعرّض أصغر علماني لأي تضييق، لكني أعتبر إبادة الأصوليين الإسلاميين في أي مكان.. قمة الأخلاق الرفيعة)!.. ولا نملك هنا إلا أن نهنئ محاورنا (المتمدّن) على أخلاقه (الرفيعة)، التي تندرج في سياق أخلاق هولاكو وجنكيز خان ونيرون.. فأخلاق هذا (المتمدّن) تحثّه على إبادة ملايين المسلمين والسوريين دون أن يرفّ له جفن!.. بل قمّة الأخلاق لديه، هي أن يكون سفّاحاً يقطر حقداً وكراهيةً وبذاءةً وهمجيةً وعدواناً.. في القرن الحادي والعشرين!.. فهل لهذا المرض الأخلاقيّ من دواء، سوى أن يداوى بالتي كانت هي الداءُ؟!..
وتبلغ ذروة الهذيان (المتمدّن).. حين يفاجئنا محاورنا بحقيقة أمره، إلى درجةٍ نعتقد فيها أنه ليس سوى أحد الرفاق المناضلين السكارى، من أولئك الذين ما إن يصحون من سكرتهم.. حتى يدخلوا بسكرةٍ أخرى.. وإلا فما معنى قوله : (أقبلُ بالإخوان فقط، إن أعلنوا وبالصوت العالي بأن من حق البني آدم أن يشرب الخمرة متى أراد، وأن يبدّل دينه متى رغب، وأن تلبس زوجته الميني جوب متى شاءت)!.. فاضحكوا ما شئتم أن تضحكوا، على هذا المهرِّج السكّير.. الذي يتحدّث وكأنه قيصر أو كسرى في زمانهما.. وأنّ العالَم ملك يمينه، وأنّ سورية محميّة من محميّات أبيه.. حتى يتفضل على الإخوان بأن (يقبلهم).. وأنّ هذا النكرة.. لن يقبل الإخوان –باعتبارهم الآن على رأس هرم السلطة في سورية وهم أصحاب القرار- إلا إذا أباحوا احتساء الخمرة!..
طيب.. يا صاحب إبليس : احتسِ ما شئتَ من سُمِّ إبليس.. فمنذا الذي يمنعك؟!.. وأنتَ أصلاً لا دين لك، فما شأنكَ بالدين وتبديل الأديان؟!.. ولتلبس زوجتك الميني جوب أو الميكرو جوب.. أو حتى لا ترتدي شيئاً.. فما شأن الإخوان بك.. وثق تماماً –وأكفل لك ذلك- أنّ الإخوان المسلمين لن يتدخلوا بحرية زوجتك حين ترتدي الميني جوب في شوارع دمشق أو غيرها من المدن السورية.. لأنني على ثقةٍ أنّ الذي سيتدخل حينها، هم بعض الحشاشين من أمثالك، من (أشاوس) رفعت الأسد أو آصف شوكت أو حسن خليل.. أو من أصحاب السوابق الزعران الذين يعجبونك، ومن الذين لا يهمهم أعراض الناس، ولا يردعهم عن ارتكاب جرائم الخطف والاغتصاب شيء في هذه الدنيا.. فافعل ما شئت، فليس غيرك إن كان ما يزال فيكَ ذرة من شرفٍ أو خُلُقٍ أو غِيرةٍ.. سيدفع الثمن!..
ويُنهي المحاور (المتمدّن) روائعه.. بالتهجّم على الشعب السوريّ كله، فيتهمه بالتخلّف، لأنه يتوقع منه -منذ الآن- أن يختارَ الإخوانَ المسلمين بغالبيته الساحقة : (صحيح أنه في حال جرت انتخابات حرة، فإن أغلبية الشعب المغيَّب والمهمَّش والمتخلّف سينتخب الإخوان بغالبية ساحقة.. لكن ليس من حق هذا الشعب أن يورّث لأبنائه حكماً دينياً قائماً على السفاهة وقلة العقل واحتقار العلم)!.. ونتساءل : كيف؟!.. ولماذا؟!.. وكيف تجعل من نفسك وصياً على عشرين مليون إنسانٍ هم أبناء الشعب السوريّ، أتُقصي شعباً كاملاً وتجعل من ملايينه متخلّفين، ثم تحتكر الحقيقة والتقدّم والتمدّن والفهم والعلم والعقل والعبقرية الخارقة.. زوراً وبهتاناً؟!.. عجباً!.. أبِهذه الفظاظة، وهذه الوقاحة، وهذا الحقد، وهذا الامتهان لكل معاني الحق والعدل.. تفعل؟!.. ومَن أنتَ حتى تقترفَ كل هذه الهمجية والتخلّف، باسم (الحوار المتمدّن)؟!..
ويختم محاورنا (المتمدّن) سفاهته، بإفادتنا بأنّ الخيارات السياسية في سورية ليست محصورةً بأحد أمرين على النحو التالي : فإما (القبول بالنظام الفاسد المستبد).. أو (الترحيب بالفتح الإخوانيّ الرهيب)!.. وإنما (هناك خيارات أخرى أكثر إشراقاً)!.. لكنه لم يخبرنا عن خياراته الأكثر إشراقاً، على الرغم من أنه مقتنع أن الشعب بغالبيته الساحقة سيختار الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من أنّ الإخوان المسلمين أنفسهم، قد وضّحوا بجلاء، بأنهم يعملون لتحقيق التعددية السياسية، وتأسيس الدولة التعاقدية، واشتراك كل القوى السياسية وممثلي الشعب الحقيقيين.. بتحمّل مسئولية حكم سورية وخدمتها وتطويرها، من كل الفئات والأحزاب والجماعات والطوائف السورية.. فهذا هو خيار الإخوان المسلمين، وخيار كل وطنيٍ حرٍ شريفٍ في سورية، من أي منبتٍ أو طائفةٍ أو فئةٍ أو دين.. فما هي خياراتك الأخرى يا أيها المحاور (المتمدّن)؟!.. هل هي : الدبّابة الصهيونية.. أم الأميركية.. أم كلتاهما معاً؟!..
بقي أن نحيطكم علماً، بأن ما يسمى بـ (موقع الحوار المتمدّن)، قد وضع أصحابه في صدر صفحاته تحت عنوان : (قواعد النشر في الحوار المتمدّن).. ما يلي :
[1- الحوار المتمدن منبر إعلامي إخباري ثقافي حر لنشر الآراء والحوارات الموضوعية والنقدية.. من أجل بناء مجتمعٍ إنساني.. يكفل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأساسية للإنسان، بما في ذلك حرية التمتع بالحقوق القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية!..
2- يهدف الحوار المتمدّن إلى تشجيع ونشر المواضيع، الكتب، الأبحاث، والمناقشات البنّاءة بأسلوب حضاري حول الأهداف في أعلاه..!..
3- يمتنع موقع الحوار المتمدّن عن نشر أي موضوع يتضمن توجيه إساءات أو إهانات أو اتهامات غير موثقة أو مهاترات لا تخدم البحث العلمي والكتابة الرصينة أو تعليقات ساخرة أو بذيئة إلى أي شخص أو مجموعة تمسّ أو تتعلق بالجنسيّة أو الأصل العرقيّ أو الدّين أو المعتقد أو الطاقات البدنية والعقلية أو التّعليم أو الجنس والحالة الاجتماعية أو التوجه أو الانتماء السياسيّ أو المعتقدات الفكرية أو الدينية..!..]
وهكذا نكتشف مندهشين، أنّ مقالة المُحاوِر المتمدّن التي ناقشناها، منسجمة تماماً مع المبادئ المذكورة أعلاه، لأنها محشوّة حتى التخمة.. بـ (الآراء والحوارات الموضوعية.. وباحترام الحقوق الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية.. والمناقشات البنّاءة بأسلوب حضاري..)!.. كما أنها خالية تماماً من (الإساءات والإهانات والاتهامات غير الموثّقة والمهاترات التي لا تخدم البحث العلمي والكتابة الرصينة.. و.. و..)!.. وأرجو من الإخوة القرّاء أن ينتبهوا جيداً إلى عبارات : (الحوارات الموضوعية)، و(المناقشات البنّاءة)، و(بأسلوبٍ حضاريّ)، و(البحث العلمي)، و(الكتابة الرصينة)..!..
حقاً.. إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت!.. فالنصب والخداع يمارسان في وضح النهار، وعلى المكشوف.. وكله في سبيل (الحوار المتمدّن)!..
السيد (غورباتشوف) :
يبدو أنّ بعض الرفاق بحاجةٍ إلى (بيروسترويكا) العقل والضمير والأخلاق.. قبل أي شيءٍ آخر!..
مع تحياتي.
27 من أيار 2005م