هذا الشبل من ذاك الأسد
هذا الشبل من ذاك الأسد
بقلم: مصطفى ابراهيم عبدالله *
(1)
دخل العام الخامس على استلام الرئيس بشار الأسد الحكم في سورية ولم يتغير في نظام الحكم شيء يذكر، وخاصة فيما يتعلق باحترام الرأي الآخر الذي أكد عليه بإلحاح في خطاب القسم الذي جعل بعض رجالات الفكر، أو المحسوبين على الفكر في سورية يطبلون ويزمرون لعهد جديد من الانفتاح والديمقراطية ..
لقد قال الأستاذ شفيق أحمد في مقال له تحت عنوان: "في فكر القائد بشار الأسد"، في صحيفة "الثورة" السورية، 11/5/2001: "الحوار وقبول الرأي الآخر أصبح شعاراً للمرحلة الراهنة، وسمة لعصر التحديث على يدي القائد بشار الأسد ..".
نعم .. لقد طبل بعضهم وزمر لأن الرئيس بشار عاش في أوروبا ورأى الديمقراطية، وأنه منفتح .. ناسين أنه عاش وترعرع في سورية تحت مظلة أبيه وبين أحضان الحرس القديم .. والمعروف أن إقامته في أوروبا لا تتجاوز السنتين، ومعروف لدى الفقهاء أن الطفل الذي لا يتجاوز السنتين من عمره إذا رضع من امرأة أصبحت أمه، معللين ذلك بـ " إنبات اللحم وإنشاز العظم ..". فكأن الرئيس بشار لم تؤثر فيه السنوات التي عاشها في سورية راضعاً من لبان نظام أبيه، وإنما أثرت فيه السنتان اللتان عاشهما في أوروبا!! إننا مأمورون ألا ندخل في نوايا أولئك المطبلين، ولكننا نقول إنهم متفائلون، ولا بأس في ذلك، فقد أمرنا نبينا بالتفاؤل ..
(2)
لقد أكد أكثر أعضاء مجلس الشعب أثناء الموافقة على تولية بشار الأسد أن هذا الشبل من ذاك الأسد، مما جعلني أشك في تطبيق ما قاله في خطاب القسم، لأنني كنت شاباً عندما استلم والده الحكم، وكنت أسمع خطاباته في المحافظات السورية وماذا يقول، وماذا سوف يفعل .. بعد أن نحّى شلة الحكم السابقة، وعلى رأسها الأتاسي وجديد. لقد قال كلاماً جميلاً، وبشر وطمأن الناس بالحرية . ونحن هنا لسنا بصدد محاكمة الراحل فهو بين يدي أحكم الحاكمين، ولكني أترك للقارئ أن يحكم فيما إذا كان قد طبق شيئاً مما قاله ..
ففي طرطوس 1971 قال: ".. لأن تجزئة الشعب تعني صراع هذه الأجزاء، وتعني قتل الحرية والحد من ممارستها .. قولوا لنا أصبتم عندما نصيب، وقولوا لنا أخطأتم عندما نخطئ .. بذلك، وبذلك فقط نحقق حياتنا الكريمة الفاضلة ..".
وفي خطابه في حمص 1971 قال: "سنتصدى لكل من يحاول أن يتعرض لمسيرة الثورة بكل قوة ولكن دون حقد، لأننا من الشعب، والشعب يصحح ولا يحقد .. لننظر إلى هذه الجبهة (يقصد الجبهة التقدمية) على أنها مدخل إلى الطريق نحو التنظيم الحزبي الواحد، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى نضال شاق .. يحتاج إلى حوار دائم .. يحتاج إلى تفاعل طوعي مستمر كل نصل إلى قناعات واحدة، وعند ذلك تزول هذه الجبهة ليحل محلها الحزب الواحد، والتنظيم السياسي الواحد .. إن الصدق والصراحة سبيلنا في التعامل .. هذا ما يفرضه علينا شعورنا بالمسؤولية نحو هذا الوطن لأن الصدق يولد الثقة، والثقة، ثقة الشعب بالحكم، هي أساس نجاح كل حكم وهي أساس قدرة كل حكم على معالجة المشكلات تجاه التحديات .. ومن هنا يحق لنا في هذا البلد، يحق للحكم في هذا البلد أن يفخر بالثقة المتبادلة مع الشعب ..". عندما رحل لم يكن أي حزب من أحزاب الجبهة يملك صحيفة ..
أما خطابه في حماة 1971 فقد قال فيه: ".. هذه المدينة وهذه المحافظة التي كانت عبر تاريخ النضال رمزاً لكل آيات النضال .. هذه المدينة البطلة، هذه المدينة الشجاعة التي سجلت ضد الاستعمار أروع المواقف وسطّرت بدماء أبنائها أروع آيات البطولة .. معاهدين الله أننا سنسير جنباً إلى جنب .. سنسترخص كل جهد .. نسترخص كل تضحية في سبيل هذا الوطن .. في سبيل كرامة هذا الوطن .. في سبيل مجد هذا الوطن .. في سبيل عزة هذا الوطن .. إن انطلاقنا من الحقيقة أن الوطن للجميع يفرض على كل منا أن يحافظ على حرية الآخرين لأنها من حرية الوطن، وأن يحافظ على كرامة الآخرين لأنها من كرامة الوطن .. عندما تهان الشعوب تتفجر فيها ينابيع الثورة وتتفجر فيها ينابيع الفداء لتبرز قدرة الشعوب اللامحدودة…". وليتذكر القارئ الكريم مجزرة حماة، 1982 وكم راح من الضحايا عندما ثارت هذه المدينة.
وفي طرطوس 1971 قال: ".. إن القوة الدائمة الكبرى هي قوة الشعب، وهذه القوة هي الوحيدة القادرة على إعطاء صفة الديمومة ..".
وفي خطاب اللاذقية 1971 قال : ".. وفي مقابل ما يقدم لنا شعبنا العظيم، وفي مقابل ذلك، لا نملك ولا نستطيع إلا أن نقول أننا نهب أنفسنا لجماهير هذا الشعب الذي منحنا حبه ومنحنا ثقته والصدق والإخلاص والوفاء والتضحية .. وعندما انتسبنا إلى هذا الحزب لأنه حزب الشعب بكل ما تعنيه كلمة الشعب، ولن يكون هذا الحزب إلا حزب الشعب ولن نكون إلا مع حزب الشعب، وحزبنا القائد هو حزب الشعب العربي الاشتراكي ..".
(3)
ذكرت جريدة الحياة في عدد يوم 21/2/2001 كلاماً للدكتور علي ديب رئيس مكتب العلاقات الخارجية في القيادة القومية لـ "البعث"، يقول فيه: "إن عدد البعثيين أكثر من 1.8 مليون شخص من أصل نحو 17 مليون سوري .." وكذلك قالت جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 19/2/2001 تحت عنوان: خدام يحذر المثقفين: ".. و رأى في سيطرة الحزب الحاكم هي الغالبية في سورية إذ يبلغ عددهم 1.4 مليون ..". ويقول د. عماد شعيبي الأستاذ الجامعي والمدافع عن الحكم (النظام) في سورية، في جريدة الحياة بتاريخ 4/2/2000 : "إن القوى المنظمة الوحيدة سياسياً هي حزب البعث بمليون وربع مليون عضو ..". نعم لقد صدق في الجملة الأولى من كلامه، وهي إدانة لنظامه، فمن هو المسؤول عن كون الأحزاب الأخرى غير منظمة تنظيماً سياسياً؟ هل سُمح لها بامتلاك جريدة، وهذا أضعف الإيمان؟ .. ولن أقف عند ما يمكن أن يوحيه هذا الاختلاف حول عدد أعضاء "حزب البعث"، من دقة التنظيم السياسي لهذا الحزب، رغم أن التصريحات صادرة عن قمة الهرم في النظام، ولكنني سأناقش مدى صدق الادعاء في أن عدد البعثيين أكثر من مليون شخص.
ولنأخذ كلام السيد خدام لأنه الرجل الثاني في الدولة، ويفترض أن يكون كلامه أدق الأرقام الثلاثة، فهو يقول إن عدد أعضاء حزب البعث 1.4 مليون شخص. ولنناقش هذا العدد لنتعرف على الديمقراطية بلغة الأرقام، ولنرى إن كان الرئيس الراحل بنى نظامه على دعائم الصدق والثقة كما ورد في خطاباته عندما استلم الحكم.
معروف لدى الجميع أن عدد أعضاء مجلس الشعب السوري هو 250 عضواً، فإذا قسمنا عدد أعضاء حزب البعث على عدد أعضاء مجلس الشعب لنال مرشح لحزب "البعث" ما يساوي 1400000/250 = 5600 صوت من أصوات الناخبين، هذا فيما لو افترضنا أن الانتخابات تتم حسب قوائم الصوت الواحد، كما هو في بعض الدول العربية، مثل الأردن الشقيق، ولكن الانتخابات في سورية تتم حسب القائمة، وهنا سنجد أنفسنا أمام مفارقة عجيبة : فلو أخذنا دائرة مناطق حلب / قطاع العمال والفلاحين، حيث عدد نواب هذا القطاع هو 17 نائباً، ثم قمنا بالعملية الحسابية لعدد الأصوات التي ستنالها القائمة لوجدنا أنها 5600 × 17 = 95200 صوت.
وكذلك إذا أخذنا قائمة العمال والفلاحين لمحافظة حلب وعددهم سبعة وأجرينا نفس العملية الحسابية لوجدنا: 5600 × 7 = 39200 صوت.
وبالرجوع إلى الانتخابات الماضية فقد وجدنا أن الذين نالوا ما يقارب 40000 صوت في الدوائر الصغيرة فازوا في الوصول إلى مجلس الشعب، والذين نالوا ما يقارب 80000 صوت في الدوائر الكبيرة فازوا أيضاً. ويستطيع القارئ الكريم أن يستنتج أنه لو كان عدد أعضاء "حزب البعث" صحيحاً كما قال السيد خدام لاستطاعوا أن يسيطروا على مجلس الشعب بكل سهولة. وهنا أقف عند نقطة هامة هي أن أقل عدد نفترضه من مؤيدي المرشح البعثي هم زوجته وابن واحد وصديق واحد، وأبوه وأمه، إذ الأصل أن هؤلاء سيقفون إلى جانبه أياً كان مستواه، فالقرد بعين أمه غزال كما يقولون، وبهذا يكون المرشح البعثي قد ضمن ستة أصوات (بما فيها صوته هو)! هل يمكن أن نفترض وجود مرشح لا يضمن هذه الأصوات الستة؟؟
فإذا أجرينا الحساب على أساس وجود مليون وأربعمائة ألف بعثي فإننا سنجد ما يلي:
1400.000 × 6 = 8400.000 ناخب مؤيدين للمرشحين البعثيين .. ومنه نجد أن المرشح البعثي سيحصل على ما متوسطه 8400.000/250=33600 صوتاً، على أساس الصوت الواحد، وبالتالي سيكون مجموع الأصوات التي تصب لقائمة العمال والفلاحين في مدينة حلب هو 33600 × 17 = 671200 صوت، وفي ريف حلب هو 33600 × 7 =235200 صوت ..
لو كان عدد البعثيين في سورية هو ما ذكره السيد عبد الحليم خدام لاستلموا مقاليد البلاد عبر صناديق الانتخاب، لأن من مبادئ الديمقراطية أن الصناديق هي التي تقرر من يتولى القيادة، فهل يحكم البعثيون سورية عبر صناديق الانتخاب؟؟ ربما تكون الإجابة نعم لو كان عدد البعثيين هو ما ذكره السيد خدام، إلا أن كلام نائب الرئيس ينقضه من جذوره كلام وزير الدفاع السابق السيّد العماد مصطفى طلاس وهو البعثي العريق .. فقد قال السيد العماد في لقاء له مع مجلة "المجلة"، بتاريخ 6/5/2001: "إننا أصحاب حق ولن نقبل بأن ينتزع أحد منا السلطة، لأنها تنبع من فوهة البندقية، ونحن أصحابها. لقد قمنا بحركات عسكرية متعددة ودفعنا دماءنا من أجل السلطة" .. والآن أيها القارئ الكريم: بكلام من تأخذ؟ بكلام السيد خدام أم بكلام السيد طلاس، وكلاهما من رجالات العهدين، عهد الأب وعهد الابن؟ ربما يكون السيد خدام، وهو الدبلوماسي العريق، بارعاً في تزييف الحقائق، ولكن العماد طلاس، وهو الذي اتخذ من الخوذة والحذاء العسكري حليفين قويين في معركة الصراع السياسي، نسف الدبلوماسية نسفاً ..
ولمعرفة المزيد من المعلومات التي تساعد على تأييد كلام السيد خدام أو كلام العماد طلاس، نرجع قليلاً إلى الوراء لنتعرف على موقع "حزب البعث" الحقيقي في ساحة المنافسة الديمقراطية في سورية. فقد جاء في مذكرات خالد العظم / ج3/ ص204، وهو الذي استلم رئاسة الوزراء خمس مرات قبل انقلاب عام 1963 الذي أوصل البعثيين إلى الحكم في سورية؛ ما يلي: "سقط ميشيل عفلق في انتخابات 1949، وسقط صلاح البيطار في انتخابات 1961" .. وفي ج3 / ص220، يقول العظم: ".. كانت الأصوات التي ربحها الناجحون على الوجه التالي: خالد العظم، 33279 صوتاً، وهو مستقل عن الأحزاب، ومأمون الكزبري 31835 صوتاً، وهو عميد القائمة (المستقلين)، وعصام العطار 28357 صوتاً، وهو عميد الإخوان المسلمين .." . فما الذي تغير في سورية حتى تمكن البعثيون من استلام السلطة دون منافس؟ ..
يبدو أن كلام العماد طلاس له الكثير مما يؤيده، ليس من التاريخ فقط، وإنما من تحليلات الأكاديميين السياسيين المعاصرين، فقد جاء في مقالة نشرتها صحيفة "أخبار الشرق" الإلكترونية، للدكتور نجيب الغضبان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأمريكية، ما يلي: "القائمون على الأمر في دمشق محقون، لأن أي منافسة حزبية شريفة من خلال انتخابات حرة ونزيهة لن تقودهم إلى خسارة مواقعهم وحسب، بل وستضع حداً للامتيازات التي استحوذوا عليها بالقوة والسلب والنهب للمال العام" .. إن آخر ما يستطيع البعثيون إثباته هو إيمانهم بالديمقراطية وحرية الانتخاب .. أما حديث الأرقام فمن طرائفه أن الصفر الذي لا يساوي شيئاً يوضع أمام الرقم التافه فيضاعفه عشرة أضعاف، فكم عدد الأصفار التي أضافها السيد خدام عندما قال بأن عدد البعثيين هو 1.400.000بعثي في سورية؟
(4)
عندما يُسأل أحد المسؤولين السوريين عن الديمقراطية فإنك ترى العجب العجاب في إجابته. فمثلاً، نقلت جريدة "الرأي" الأردنية بتاريخ 12/ 4/ 2000، عن الدكتور عصام الزعيم وزير الدولة لشؤون التخطيط في حينها ووزير الصناعة السابق في سورية قوله: "إن سورية ترفض سياسة الإملاء الخارجي التي تسعى لفرض نمط الديمقراطية الغربية على البلاد .. مع إيماننا بضرورة توسيع الديمقراطية والمبادرات الشعبية .. على أساس التطور الوطني، وليس على أساس الإملاء الخارجي .."!! إنه الضحك على اللحى كأن الأنظمة الغربية من مصلحتها أن تقوم في سورية ديمقراطية!! ..
وذكرت جريدة "الرأي" الأردنية أيضاً بتاريخ 21/2/2001، تحت عنوان "خدام: دمشق مع الديمقراطية ولكن بشروط": ".. قال مسؤولون إن خدام أكد على حرص القيادة السورية الشديد على الحفاظ على مناخ الديمقراطية وحرية الرأي، ولكنه أوضح أن هذا لا بد أن يتم في إطار الحفاظ على المبادئ الوطنية وحماية البلاد وأساسها" .. يا للعجب! كأن الاتحاد السوفيتي انهار لأنه كان ديمقراطياً، وأن الجولان قد احتل لأن سورية كانت تحت حكم نظام ديمقراطي!!
وإذا عدنا إلى ما يردده المسؤولون السوريون وعلى رأسهم الرئيس بشار من أن "هناك خطوطاً حمراء لا يمكن المساس بها، ومنها نهج القائد الخالد الرئيس حافظ الأسد"، فإننا نستطيع أن نحكم فيما إذا كانت هناك نية لتطبيق الديمقراطية!! فالرئيس الراحل يقول في رده على سؤال عن الديمقراطية طرحته جريدة "الحياة" اللندنية بتاريخ 13/3/1993، تحت عنوان "الأسد يرفض ديمقراطية مستوردة" : ".. وكشف الرئيس السوري أن أحد المسؤولين المقربين طلب منه إدخال الديمقراطية إلى سورية، وإطلاق أحد اليهود السوريين المعتقلين، وقال: عندما يصبح دخل الفرد في سورية في مستوى دخل الفرد في الدول الغربية يمكن الحديث عن أسلوب ديمقراطي شبيه بالأسلوب الغربي"!! ومعروف أن الدولار الأمريكي كان يعادل 50 ليرة سورية عند وفاة الرئيس الراحل بينما كانت قيمته ثلاث ليرات عندما استلم الحكم في عام 1971، ومعروف أيضاً أن راتب الموظف الجامعي، وبعد كل الزيادات التي حصلت في عهد الرئيس الراحل لم يتجاوز 5000 ليرة سورية، أي ما يعادل 100 دولار ..
معروف لدى القارئ الكريم أن تعريف الديمقراطية هو حكم الشعب، وليس لها غير تعريف واحد، وأن الصناديق هي التي تقرر سياسة الدولة.
لو كانت الديمقراطية تستورد، لباع الشعب السوري كل ما يملك من متاع واستورد الديمقراطية ..
(5)
ذكر السيد نزار نيوف بعد خروجه من السجن، في مقابلة مع الصحفي محمد علي الأتاسي، أنه لاقى أشد التعذيب في المخابرات العسكرية فرع فلسطين وقال: ".. وبقيت مدة 15 يوماً داخل فرع فلسطين .. حدثت المواجهة الأكثر دموية وشراسة، واستخدم معي الكرسي الألماني بشكل وحشي، هذا بالإضافة إلى الصعق الكهربائي والحرق بالسجائر ..".
وكذلك ينقل الدكتور بشير زين العابدين عن الرياضي العراقي هلال عبد الرزاق في لقائه مع جريدة "القدس العربي" بتاريخ 13/7/2001: "وفيما يلي الصفحة الثانية والأخيرة من رحلة المعاناة التي عاشها هلال في فرع فلسطين وهو أحد أشهر سجون دمشق! .. يقول هلال: ".. نزّل رأسك ولك كلب!! .. وبقينا على هذه الحالة حتى وصلنا إلى فرع فلسطين، وكنا نميز طريقة التعذيب من تتابع أنين المعتقلين الذين يخضعون للتعذيب بواسطة الكرسي الألماني والذي يهشم العمود الفقري، والتعليق من أيديهم وضربهم على سائر جسدهم وهم عراة ..".
من ذلك يتبين للقارئ الكريم أن نيوف وهلال لاقيا أشد التعذيب في فرع فلسطين. وقد أجمع الذين خرجوا من السجون السورية أن فرع فلسطين كان أشدها قسوة، فلماذا سمي أشد فروع المخابرات تعذيباً فرع فلسطين؟! فلسطين الأرض المباركة التي تتجه قلوب المسلمين إليها .. فلسطين التي تحوي المسجد الأقصى .. فلسطين مهد المسيح ومعراج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .. فلسطين التي تقدم الشهداء تلو الشهداء نيابة عن العرب والمسلمين .. فلسطين يسمى باسمها أقذر مكان يهان فيه الإنسان (ولقد كرمّنا بني آدم)، ماذا يقول أولئك الذين خرجوا أحياء من فرع فلسطين في المخابرات السورية عندما يسمعون كلمة فلسطين على لسان أحد من الناس؟
أتوسل إليك يا سيادة الرئيس بشار أن تغير اسم هذا الفرع، ولا أقول تغلقه كما أغلقت سجن تدمر، لأن رجال الأمن المحيطين بك قادرون على فتح ألف فرع آخر في ظل غياب الديمقراطية ..
(6)
والآن أتوجه للسيد الرئيس بشار، لأذكّره ببعض الحقائق التاريخية طالما أن مجال الإصلاح ما زال قائماً:
أنت يا سيادة الرئيس لا تتحمل مسؤولية ما حدث سابقاً، ولكنك تتحمل مسؤولية إيجاد حل سياسي عادل وشامل لتقطع شجرة الفساد من جذورها، فتكون الأجيال القادمة في مأمن من الهزات التي تحدث عنها والدك في مدينة حماة عام 1971عندما قال: "عندما تهان الشعوب تتفجر منها ينابيع الثورة .. تتفجر منها ينابيع الفداء لتبرز قدرة الشعوب اللامحدودة ..".
إن الثورات الفاشلة هي مقدمات للثورات الناجحة .. ألم يكن الثوار الأمريكيون الذين تنتشر تماثيلهم في أنحاء بلادهم تخليداً لذكرهم، مجرمين خونة قبل نجاح ثورتهم؟ .. ألم يقل غاندي: "الاستقلال كما ندركه هو إزالة السيطرة البريطانية والتحرر المطلق من الرأسماليين البريطانيين والرأسماليين الهنود، والتحرر المطلق من القوات المسلحة، فالأمة التي يحكمها الجيش لن تكون أمة حرة"؟
ألم يقل الشيخ محمد عبده: "لا وطن إلا مع الحرية .."؟
يقولون يا سيادة الرئيس إنك عشت في الغرب وإنك منفتح .. فهل مرّ معك قول المفكر لابروير: "لا وطن مع الظلم .. و ما الفائدة أن يكون وطني عظيماً كبيراً إن كنت فيه حزيناً حقيراً، أعيش الذل والشقاء خائفاً أسيراً"؟ ألم يقل فولتير، الذي يقدم البعضُ كلامه على كلام الله ورسوله، قولته التي لا يجهلها أحد عاش في الغرب، خاصة إذا كان منفتحاً واعياً، "وطني حيث حريتي"؟ ..
فالوطن، يا سيادة الرئيس، ليس مجرد قطعة أرض تدوسها الأقدام ويتمسك بها الإنسان ولو ضاعت فيها حقوقه .. ألم يهاجر الرسل من أوطانهم لما منعوا من حرية الدعوة إلى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
إن سورية عزيزة علينا يا سيادة الرئيس بشار، ولكن حريتنا التي تعني إنسانيتنا أعز علينا من بلاد ليست أكثر من سجن للمخابرات لا يسمى فرع فلسطين، ولكنه يدعى سورية
* كاتب سوري يعيش في المنفى يعمل في حقوق الانسان