هل تحرر لبنان؟!.. وماذا عن الجيران؟!

هل تحرر لبنان؟!.. وماذا عن الجيران؟!

عبد الله شبيب

 بالرغم من انصياع سوريا التام لقرار مجلس الأمن بالانسحاب من لبنان ، وتأكيدها على إتمام ذلك الانسحاب .. فإن النقاش لازال دائرا حول الموضوع .. إذ يبدو أن هناك آثارا مترسبة  -عن عمد غالبا – يراد محوها  تأسيسا لمرحلة جديدة  يبدو أن استحقاقها أزف .. بعد أن أدت سوريا دورها المطلوب في لبنان .. والذي كان – بالتأكيد بموافقة _ بل برغبة _ أمريكية [ إسرائيلية] .. وبغطاء عربي .. تجاوز مدته بكثير !

  وتحرر لبنان المزعوم يحتاج إلى إعادة نظر .. ليس فقط لوجود قوة سورية هائلة في لبنان – كأيدي عاملة – ولا يستبعد أن يكون كثير منها موظفا – بطريقة أو بأخرى -  لدى المخابرات النصيرية وخاصة إن كان من نفس الطائفة .. وربما يفسر هذا أحداث التفجير التالية والاغتيالات!  مع وجود كثير من المتعاطفين كذلك مع النظام السوري .. والذين تقتضي مصالحهم – المختلفة وجوده – أو ينظرون من زوايا معينة ...

   ولكن لابد أيضا من أن يكون واضحا أن سلطة مكثت في بلد عشرات السنين .. يصعب محو آثارها في أيام بل في أسابيع أو شهور قليلة .. مع معرفة طبائع النظم الاستبدادية والمخابراتية وطبعها الذي لا ينفك عنها فهي لا تسلم بسهولة  ولا تترك الميدان لغيرها – إلا أن تدمره.. وتملأه بالألغام الموقوتة .. والمشاكل المعدة للإثارة .. ويبقى بعض جندها المجندين في ثياب مواطنين عاديين ! هذا مفهوم تماما عن تلك النظم .. فإذا أضفنا [الطبع والطابع النصيري المغلق] للنظام المسمى سورياً  توضحت تلك الحقيقة .. كيف وهنالك بعض اللبنانيين – وخصوصا في الشمال – ينتمون لنفس [الطائفة المحتلة]  ويوالونها أكثر من وطنهم الذي ينتسبون إليه ويسكنونه .. ولا بد للسلطات اللبنانية ألا تغفل عن هؤلاء فأكثرهم [طابور خامس لنظام نحلتهم].. وما نظن شمال لبنان نسي العصابة  المسماة [ فرسان الجبل ] وزعيمها علي عيد وأمثاله !      .. إذا تذكرنا ماسبق – وأشباهه-عرفنا مدى تعقيد الوضع وصعوبة إتمام التحرير المزعوم .. ويزيد الطين بلة .... وجود بقايا احتلال صهيوني  في مزارع شبعا اللبنانية..

   ولا شك أن (تحرر لبنان من قوات الاحتلال السورية ) – كما يحلو لكثيرين أن يقولوا [ وهو في الحقيقة تحرير من النصيرية ].. يفتح الآفاق ويبعث الآمال لجيران لبنان للتحرر من السيطرةالغاشمة والغلبة القاهرة  .. فجنوباً هنالك فلسطين ( عقدة قضايا العالم ) تتطلع للتحرر من الاحتلال الصهيوني المزمن العدواني 0

   ولا شك أن الشعب السوري ( يغبط )الشعب اللبناني على تحرره من قبضة النصيرية .. ويبدو أن كثيرا منهم يتطلع للسماء مبتهلا ( لتغيير الحال ) ولو جاء ذلك من الخارج أو بضغوط دولية ..

   وخطط المتآمرين هذه الأيام محكمة متقنة .. تؤزم الأوضاع وتصعد الضغوط الداخلية والنفسية والقمعية على الشعوب لدرجة لا تحتمل .. حتى يكون الغزو الخارجي مطلبا ملحا للكثيرين  لتخليصهم مما اقتنعوا انه شر من الاحتلال ومن الكفر بعينه .. كما حصل في الحالة العراقية الصدامية .. حيث أجبر الطغيان الغاشم الذي فاق كل حد والتشبث بالعرش العراقي [ وعمى العظمة وجنونها        أو. . وفوق أو قبل كل ذلك الأوامر المرسومة]أجبر الكثيرين للجوء لما هو شر من الكفر [ للاستعانة بالأجنبي ].. وقد يكونون [ براجماتيا =مصلحيا ] معذورين .. لكن الإسلاميين لم ولن يلجأوا إلى ذلك الجحيم [ المسمى  احتلالا] – مهما كانت الظروف ..ولوكانت أسوأ من الظروف الصدّامية – كما هو الحال في [سوريا النصيرية]!

   ونذكر – على سبيل المثال ما سمعناه من المفكر الإسلامي ( مالك بن نبي ) أن الناس في الجزائر – قبل الاحتلال الفرنسي – منذ نحو قرن وثلث – كانوا يتمنون الخلاص ولو على يد احتلال أحنبي .. لشدة سوء الأحوال حينذاك !

   ويستغرب الكثيرون موقف الحركة الإسلاميةالسورية ( الإخوان المسلمين)  بالرفض المطلق والمتواصل والنهائي للاستعانة بأية جهة خارجية  لتحرير شعبهم من قبضة النصيرية العفنة .. بالرغم  من قتل الآلاف منهم في حماة وغيرها وفي السجون وتحت التعذيب  وبالرغم من كل ما فعلته بهم مما لا يحتمله بشر .. حتى سئل أحد المساجين الشيوعيين الذين خرجوا من السجن – بعد قضاء 16 عاما فيه .. فقال : أن ال16 عاما   ( بدون تعذيب طبعا ) لا تساوي ساعة واحدة من ساعات الإخوان المسلمين في السجون السورية .. حيث أن أصوات المعذَبين والمعذبات لم تكن تدعنا ننام الليل ..!  حتى وهي تحكمهم بالإعدام بموجب [ قانون رقم 49] من أيام الهالك وتستدرج بعضهم وتخدعه بالعفو الكاذب فإذا عاد  افترسته قوات الأمن ...

  وهاكم أحد الأمثلة – وهي كثير يتعذر إحصاؤها - : فقد عادت عائلة أحد الإخوان اللاجئين في الخارج – عادت إلى سوريا لزيارة أهلها ووطنها بعد طول غياب -  وبالطبع بدون رب الأسرة ( المعرض للإعدام بموجب قانون 49 )   .. فما كان من السلطات النصيرية إلا أن استقبلتهم في المطار [ أروع استقبال ] ... حيث انتزعت المولود ( ابن سنة ونصف ) من حضن  أمه  وأعطته لأهلها الذين كانوا في استقبالها .. واعتقلت ( كامل العائلة ) وفيها عدة طفلات وأطفال صغار .. كان عمر أكبرهم ( 14) عاما .. ثم أفرجت عن الجميع [ لاحظ المكرمة والإنسانية ] وأبقت الطفل الأكبر [14عاما ] وحكمته بالإعدام بموجب قانون 49 ..    ( مع أن القانون الهالك وضع قبل ولادة ذلك الغلام الذي لم ينتم بعد لشئ لا للإخوان ولا لغيرهم ) .. ثم خففت حكم الإعدام إلى السجن !

  ولا نريد أن نطيل باستعراض قصة [ قتل الشيخ الدكتور معشوق الخزنوي العالم الكردي المتصوف  تحت التعذيب ] لأنه التقى – في بلجيكا - الأستاذ البيانوني مراقب إخوان سوريا ؛ ومحاولة إلصاق قتله بآخرين من الأبرياء والمغضوب عليهم وأعداء النصيرية بحجة الخلاف على الإرث أولا .. ثم لما انكشف تهافت هذه الحجة  ابدلوها بحجة الخلاف المذهبي والخروج على المبدأ والطريقة  .. إلخ  ..إلخ!!  ولم يُجدِ ذلك شيئا فقامت جنازة مهيبة للشيخ تحولت إلى تظاهرة استفتاء شعبي شامل ينادي بسقوط النظام الإرهابي الطائفي العفن ! فانبرت لها القوات النصيرية – وخاصةالمرتجعة من لبنان – وأعملت فيها قتلا وإجراما واعتقالا .. وفي محلات الأكراد وغيرهم نهبا وتخريبا ..حتى تواصلت أعمال الاحتجاجات – ولا تزال – مبلورة نواة ثورة قد تكون إحدى عوامل إزالةالنظام النصيري المتداعي ! ...ومثل حادثة قتل الخزنوي كثير أشباهها – قبلها وبعدها - من الحوادث التي أخذت تتكشف لمقتل عشرات بل مئات [ تحت التعذيب النصيري الذي لا يرحم ]ولن يُرحَم أبدا إذا حانت ساعة القصاص ! كما يشير شاعرهم الحر ( بدوي الجبل ) في قصيدة طويلة  فضحهم (و شرَّحهم فيها ) فعذبوه وشرَّحوه وألقوه شبه جثة هامدة – على شفا الموت! .. وهذا النظام لازال مصرا على أسلوبه القمعي الإجرامي الحاقد لا يرعوي ولا يعتبر !

 وللتذكير فقد تحدى أحد المتناظرين على شاشة ( فضائية الجزيرة ) منذ أسابيع .. تحدى مُناظِره أن يكون هنالك عنصر واحد في المخابرات السورية[ المتحكمة بالبلد] من غير الطائفةالنصيرية!

    ومما يزيد الأمر غرابة – لدى من لم يعرف الالتزام المبدأي الصارم بثوابت الإسلام وخطوطه الحمراء لدى الإسلامييين عامة والإخوان خاصة  .. أن الحالة السورية بالنسبة لهم ميؤوس منها وأن طريق أية مصالحة أوتسوية لهم مع النظام الحالي – أو بالأحرى مع الطائفة الحاقدة – طريق مسدود تماما 0

  ففي اجتماع للرئيس الحالي مع نحو 1500  من ضباط الجيش والأمن النصيرية  استعرض الوضع وخلص إلى وجود [ 3 سيناريوهات ] بالنسبة للوضع الحالي : قال إن أحدها الاحتلال – كالعراق – وهذا مستبعد جدا ، والثاني ضرب بعض المواقع السورية والبنى التحتية ، والثالث أن تتعاون امريكا مع الإخوان (وهذا أخطرها في نظره . ويراه ممكنا ونراه مستحيلا).. وأضاف فخامته  بالحرف الواحد (إن الإخوان ليس لهم إلا السحق والاستئصال )!

      إن سوريا التي ترزح منذ أكثر من ثلاثين عاما تحت وطأة النصيرية الثقيلة تتطلع للتحرر من قبضتها  التي أحكمتها على مراكز القوة والقرار والمال وحاصرت غيرها أو شتتته ..

  وفي نفس الوقت تتشبث الطائفة بمواقعها التي كانت تتلهف لها – على مدى التاريخ  الذي كانت فيه دائما مع الغزاة [ تتاراً أو صليبيين أو فرنسيين ]  ضد الأمة والوطن .. مما جعلهم طائفة منبوذة متوَجَسا منها مدحورة مُهانة.. حتى تسللت في داخل حزب البعث والأحزاب العلمانية ..وخططت [ أو خُطِّط لها ]فقفزت على الحكم وجثمت على صدر البلاد والعباد .. وهيهات أن تنفك عنهما .. إلا بقدرة قادر .. وهاهي تساوم بأي شئ _ ولو ببيع الوطن أو جزء منه – متوسلة – للإبقاء على مكاسبها التاريخية !  فقد تسرب أخيرا خبر عن استعداد السلطات الحاكمة في دمشق للتنازل عن أجزاء من الجولان .. بل ربما عنه كله – رسميا وعلنا – مقابل بقاء النصيرية في الحكم .. ولو على دمشق وحدها أو تحت سيطرة أي سيد ولو كان السيد اليهودي ..

   أما التخلي عن الجولان عمليا وتسليمه مقابل السيطرة والرئاسة .. فقد حصل منذ زمن بعيد [ منذ نكسة 67] وتمت الصفقة ولا رجوع فيها ولا إقالة ولا استقالة!

    مرة ثانية..هل يطمح لبنان في تحرر كامل يتخلص فيه من آثار الاحتلال النصيري .. والصهيوني؟!..أم يدخل في دوامات وصراعات جديدة مريرة  تغذيها الصهيونية وحلفاؤها..وتدمر لبنان-أكثر من ذي قبل-حتى يترحم على أيام الاحتلالات المختلفة والمتحالفة ؟!!  

   وهل تطمح فلسطين وسوريا في التحرر من الظلم ومن تسلط الطوائف الحاقدة على مقدراتهما ؟!!

   وهل تولد سوريا الكبرى من جديد ..حرة عربية مسلمة – نواة لدولة إسلامية كاملة شاملة تنشر الرخاء والعدل والسلم في المنطقة وفي العالم ؟! وتحصنه من الظلم والعدوان ؟