العلاقة السورية العراقية

محمد فاروق الإمام

وخطر الانزلاق إلى الهاوية

محمد فاروق الإمام

[email protected]

منذ تسلم حزب البعث مقاليد الحكم في كل من بغداد ودمشق عام 1963 والصراع بين العاصمتين على أشده، حيث حكم العراق الجناح القومي للحزب في حين حكم سورية الجناح القطري للحزب.. ولم يكتف الجناحان في صراعهما على النواحي الفكرية والإيديولوجية أو الشخصية، بل تعدى ذلك إلى صراع دموي وقطيعة اقتصادية وإغلاق للحدود والسفارات، وتبادل اتهامات عبر وسائل الإعلام، دفع ثمنها الشعبين الشقيقين السوري والعراقي غالياً.

واليوم وبعد زوال حكم حزب البعث في العراق على يد الأمريكيين، وتسلم الحكم فيه من جاؤوا على ظهر دبابات هذا الجيش، والفيالق التي دربتها قم وجهزتها طهران تسليحاً وتدريباً وتنظيراً وإيديولوجياً، وقد أخفقت الحكومات المتعاقبة التي قامت في بغداد منذ الغزو الأمريكي عام 2003 في وضع حد لمسلسل العنف الطائفي والعبثي، راحت حكومة بغداد تشتكي من أن دمشق تقف وراء أعمال العنف التي تجري في العراق، ملمحة إلى أنها ستنقل هذه العمليات الإرهابية التي تحدث في بغداد والمدن العراقية إلى دمشق والمدن السورية.

الحكومة العراقية التي كان معظم أعضاؤها لاجئين في دمشق إبان الغزو الأمريكي للعراق، يتنكرون اليوم لدمشق ويريدون نقل بلواهم إلى مساجدها وأحيائها ومؤسساتها وأسواقها رداً – على ما يزعمون – على ما تقوم به دمشق.. فأي منطق هذا الذي لا يستقيم مع العقل وأواصر القربى والرحم والدم والجوار الذي تلوح به حكومة بغداد، وقد أخفقت في لملمت أشلاء العراق وتضميد جراحات أبنائه، وكان الأجدر بها – وهي الأعرف بأنجع السبل لوقف نزيف الدم على أرضها – أن تكون حكومة لكل العراقيين ولا تكون حكومة للون واحد أو طائفة واحدة، ولو سارت على الطريق الصحيح وفتحت صدرها لكل العراقيين سنة وشيعة وأقليات وسوّت بعدالة بينها، وأدارت ظهرها للعدو الغازي ولجار السوء طهران لتوقف هذا المسلسل الدموي الرهيب منذ زمن، وعاد العراق إلى عافيته شيئاً فشيئاً، وإلى تعايشه السلمي بين فسيفساء خريطته التي عهدها منذ قرون.

فاتهام دمشق أو تهديدها لن يقدم أو يؤخر في وقف هذا النزيف، بل سيزيد الفتيل اشتعالاً، ويصب مزيداً من الزيت على النار وتتسع رقعة الحرائق.. وليس هذا من مصلحة بغداد أو دمشق أو محيطهما العربي والإسلامي.

على بغداد ودمشق أن يسهلا بجدية وصدق مساعي أهل الخير من المسلمين والعرب – وهم كثر – سبل رأب هذا الخلاف وتقريب وجهات النظر بين العاصمتين الشقيقتين، وحصر الخلاف بينهما في الحدود الدنيا المقبولة، ويجنبا العراق وسورية الانزلاق إلى الهاوية التي لا يعرف إلا الله مداها وتداعياتها ونتائجها الكارثية المدمرة على البلدين والعرب والمسلمين، والتي إن وقعت – لا سمح الله – ستطرب لها إسرائيل وتفرح لها تل أبيب وينتشي لها الصهاينة.