مستقبل العلاقات السورية اللبنانية
مستقبل العلاقات السورية اللبنانية
محمد الحسناوي
إن اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري ، يشكل بداية انعطاف في تاريخ العلاقات بين قطرين تؤمين سورية ولبنان . فمنذ مقتل الرجل توالت االتداعيات غير المسبوقة ، مثل التعجيل بتنفيذ قرار مجلس الأمن 1559 ، وخروج القوات السورية ، واشتداد بأس المعارضة اللبنانية ، وتدويل القضية اللبنانية باللجوء إلى لجنة تحقيق دولية ، والتلويح بنزع سلاح حزب الله ، وتوطين الفلسطينيين ( ضمن تصور فيدرالي ) لقطر لا يزيد عدد سكانه على أربعة ملايين نسمة ، ومساحته 10452 كيلو متر مربعاً ، أو نقل الفلسطينيين إلى قطر غربي أو أوروبي ، وأخيراً وليس آخراً عودة 80% من العمال السوريين الذين يشكلون قوة في الاقتصاد اللبناني وعددهم حوالي مليون نسمة .
من أجل الاقتراب من صورة العلاقات مستقبلاً بين هذين القطريين العربيين لا بد من دراسة عوامل ثلاثة ، لها الأثر الأول في مستقبل هذه العلاقة ، هي العامل السوري والعامل اللبناني وعامل القوى الدولية . ولم نخص العامل العربي بذكر، لأن الجامعة العربية هي محصلة قوى الأقطار العربية ، التي تعاني الفرقة ، والسياسات التابعة .
العامل السوري :
هذا العامل محكوم أولاً بحصيلة الدور السوري في لبنان الماضي طوال ثلاثة عقود ، وهي محصلة غير إيجابية لتغليب السياسات الأمنية ، ونقل الأوضاع السورية إلى لبنان الذي يختلف اجتماعاً وسياسة عن القطر السوري . صحيح أن العلاقة الماضية أثمرت أعادة بناء الدولة اللبنانية وأسهمت في تحرير جنوب لبنان ، لكنها ما سوى ذلك فاقمت ، واحتقنت .
وهو محكوم أيضاً على المدى القريب بإعادة ترتيب البيت السوري بدءًا بالحزب الحاكم الذي ينعقد مؤتمره القطري في مطلع شهر حزيران القادم ، وهو على مفترق طرق وتحولات يقدر أنها ستكون كبيرة ، مروراً بالسلطة فالقوى السياسية الكامنة حتى الآن .
المؤشرات تدل على أن تحولاً ما سوف يحصل في سورية من داخل النظام أو خارجه ، وملامح هذا التحول سوف تشغل القطر السوري بنفسه فترة غير قصيرة ، أو تحول دون ممارسته أي وصاية على الأخ الأصغر ، وحتى التفجيرات الأخيرة بعد مقتل الحريري سوف تنتهي بتخل سوري وبضغوط دولية أيضاً .
من المعلوم أن المعارضة السورية غير راضية عن شكل العلاقة السورية اللبنانية فيما مضى منذ دخول القوات السورية إلى لبنان ، وقد جددت مواقفها بمناسبة قرار مجلس الأمن 1559 والتمديد للرئيس لحود وأخيراً مقتل الحريري ، ومن المتوقع أن يزداد دور المعارضة في الشأن السوري الداخلي والخارجي ولا سيما العلاقة مع الجار الشقيق لبنان .
إن أخوف ما يتخوف النظام السوري منه بعد خروج الجيش السوري من خاصرته لبنان أن تنشط المعارضة السورية فيه ، وسوف تكون صفقة أو اتفاق (جنتل مان) بوقف تدخل كل من القطرين في شؤون الآخر ، ولكن النظام السوري في شكله الحالي يستطيع التحكم ، أما الساحة اللبنانية فمن المتوقع أن تستعيد (الصيغة اللبنانية ) المعروفة أو نوعاً من الليبرالية الديموقراطية التي أبرز ما فيها حرية الصحافة وفتح الأبواب للدخول والخوج .
أما إذا تم إسناد التحقيق بمقتل الحريري للجنة دولية كاللجنة التي قضت وما تزال تقضي بأحداث البلقان والبوسنة والهرسك ، فإن كثيراً من التضاريس والعقابيل سوف تمهد أو تزول لصالح علاقات ندية أو أخوية أو دافئة بين القطرين بالنتيجة .
أما حلفاء النظام السوري في لبنان فهم أنواع بين مرتزقة وبين أهل السنة وحزب الله . أما المرتزقة فيميلون مع الرياح كيف تميل ، وأما أهل السنة الذين اعتبروا اغتيال الحريري طعنة موجهة لهم فسياستهم التقليدية أن لايقطعوا شعرة معاوية مع العالم العربي ولوكانت طريق دمشق غير سالكة . وحزب الله في عنقه دين كبير لا بد من وفائه .
العامل اللبناني :
حتى قبل خروج القوات السورية من لبنان استعادت القوى اللبنانية أدوارها ، وإن انعكس على اصطفافاتها حصيلة الدور السوري في لبنان طوال العقود الثلاثة الماضية ، وكان مقتل الحريري المحفز للتصعيد بين الموالين للرئيس اللبناني لحود وبين المعارضين .
هذه القوى لا النظام هي التي تصنع السياسات الداخلية والخارجية ، وهي قوى مختلطة بين تنظيمات حزبية ، وتكتلات مذهبية وبيوتات أرستقراطية أو عشائرية وحتى بلدانية أيضاَ . بمقتل الحريري انضم أهل السنة بشكل أو آخر إلى صف المعارضة ، وهذا سبب مهم في اشتداد ساعد المعارضة ، لحجم أهل السنة من جهة ، ولأنهم المحسوبون تاريخياً على العالم العربي والقطر السوري بالذات من جهة ثانية .
لكن تحالف المعارضة الذي فرضته ظروف انتخابية ، قد أجمع على خروج القوات السورية هل يستمر بعد خروج هذه القوات ، وإجراء الانتخابات ؟ وإذا استمر فهل تتفق أطرافها على شكل العلاقة السورية اللبنانية .
من المعلوم تاريخياً أن هتاك تيارين في لبنان حول العلاقة بسورية والعالم العربي ، وكل من التيارين موجود في صف المعارضة التي لها الرجحان في الموقف الحالي ، ومن المتوقع أن تظهر الاصطفافات القديمة في الحرب الأهلية اللبنانية وإن لم تعد الحرب نفسها . فإذا كانت محصلة المواجهة بين العامل السوري والعامل الدولي صفراً في الساحة اللبنانية ، وهي ليست صفراً ، فإن العامل الجيوبولتيكي بين سورية ولبنان سوف يعمل عمله ، وسوف يعود بالعلاقات السورية اللبنانية إلى نوع من التعايش المقبول الذي لا بد منه ، الذي عرفه القطران قبل الحرب الأهلية وقبل دخول القوات السورية عام 1976م .
زد على ذلك أن فك الارتباطات الاقتصادية القائمة بين البلدين سيكون صعباً ، وربما يترك لوحدات تفاوض منفصلة كي تقوم بترتيب اتفاقيات جديدة تحدد مسائل التجارة والهجرة والتوظيف . والعمالة السورية في لبنان قضية تخص القطرين معاً ، لأن العمال السوريين الذين يشغلون وظائف خدمية في شرقي البقاع وغيره يتلقون أجوراً متدنية ، الأمر الذي جعل الكثير من المزارعين اللبنانيين يعتمدون عليهم .
من القضايا الشائكة مستقبلا أن هناك آلاف المواطنين السوريين منحوا الجنسية اللبنانية ، وأن أموالاً سورية كبيرة بدأت تهاجر من لبنان إلى أوروبة . وأن الأجهزة اللبنانية ملأى بالموالين للنظام السوري ولا سيما الأجهزة الأمنية . العملية قيصرية بالتأكيد إذ كيف تلغى ثلاثة عقود من السيطرة .