الإسلاميون وفن الممكن
الإسلاميون وفن الممكن
د.محمد إياد العكاري
تتعرض الأمة الإسلامية اليوم لهجمةٍ شرسةٍ تُعتبر من أشدِّ الهجمات ضراوةً عليها في تاريخها المعاصر هذا إن لم تكن أشدُّها على الإطلاق تستخدم فيها مختلف الأعتدة والوسائل الثقافية الفكرية والعسكرية والنفسية بغية إحباطها وهزيمتها وجعلها تدور في فلك التبعية والخضوع لأعدائها لتحقيق مآربهم في تنفيذ المشروع الصهيو أمريكي المتمثل بالشرق الأوسط الجديد.
وقد فشل النظام الرسمي العربي فشلاً ذريعاً في الوقوف أمام هذه الهجمة الشرسة بل ساهم يضاً في تحجيم الدور القطري والإقليمي والشعبي ووضع بينه وبين شعبه سياجاً من العزلة، رافعاً سياط القهر بالأجهزة الأمنية،كاوياً بسلطان أذناب البقر ليقهر الناس، ويكمم الأفواه،ويخنق الكرامة، ويئد الحريات، ليس هذا فحسب بل جعل نفسه مطيةً للدول الكبرى ليبقي على منافعه ومصالحه، ويحافظ على مناصبه وألقابه، وإن انسلخ كليّاً عن قيمته ومبادئه! وانخلع من ربقة مقالاته وشعاراته.
وهنا لابد لنا من وقفةٍ، ولابد من مراجعةٍ للحسابات، لنقوِّم الحال، ونشخّص الحالة، ونعرف أين نحن ؟وكيف الخلاص؟ وإلى أين المآل في ظل تلك الأوضاع المتردية التي تحياها شعوبنا؟؟
فعلى الصعيد الإقليمي والحزبي فشلت الأحزاب التقدمية والاشتراكية والقومية التي احتلت سدة الحكم وتاجرت بشعاراتها خلال العقود الأخيرة فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق ما نادت إليه وتمنطقت به من شعاراتٍ براقة كالوحدة والحريَّة والاشتراكية سواء قدمت هذه على تلك أو أخرت تلك عن هذه فقد كرَّست التجزئةو الإقليمية بدلاً من أن تحقق التعاضد الوحدة لتحرث بجريرة أفعالها الأضغان وتورّث النزاعات وما لبنان عنّا ببعيد. وسلبت الكرامة والحرية بدلا ًمن تحقيقها مع شعوبها لتعيش الأخيرة في سراديب الكبت وأنفاق السلبية بدلاً من التفاعل والتحرك والإيجابية. وحققت الاشتراكية أجل فأهدت الشعب كل الشعب اشتراكيتها الخاصة بنشرالظلم والفقر، والكبت والقهر فباتت سراديب الأمن ودهاليز المخابرات هي الطاغوت السادي الذي يتلذذ بتعذيب الأحرار وقهرهم لتبتعد الشعوب عن التفكير بغير بطنها وفرجها ولا تفكر إلا بالبحث عن أمنها ورزقها وسلامتها لتسلبها أجهزة الأمن كيانها وفعاليتها وتقتل فيها حريتها وكرامتها.
أجل لقد تحولت الدولة القطرية إلى مملكةٍ لصاحب السلطة ومزارع له ولعائلته والمتنفذين المقربين والمطبلين والمزمرين وتحولت الجمهورية ويا للأسف إلى إرثٍ بين الولد وأبيه وتوريث من الوالد لابنه.ويا للمفارقات العجيبة حصل هذا في دولتين لهما ثقلٌ لايستهان به دولياً لموقعهما الإقليمي الجيوسياسي وهما دعامتان رئيسيتان في النظام الرسمي العربي سوريا ومصر.
وقد صرح مصدر قانوني في حزب الوفد المصري المعارض ما فحواه أن الحياة السياسية في مصرصارت مقتولة لأن الحزب الوطني الحاكم هو الدولة وهو الحكومة وهو المتحكم في كل شيء من الوزراء إلى المحافظين إلى الإعلام والإذاعة والتلفزيون والصحافة إلى كل شيء أما في سوريا فليست عنها ببعيد.فالحزب هو السلطة الوحيدة، والجبهة التقدمية( زعبرة وديكور ) كما قال المناضل الفذ رياض الترك والسلطة كلها بيد الرئيس فهوالحاكم المطلق المتصرف في شؤون البلاد والعباد وبيده جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وما من رقيب وما من حسيب لنسمع شعارات جوفاء يندى لها جبين الحر عفا عليها الزمان في عصر الديمقراطية.
أما على صعيد المعارضة والأحزاب الإسلامية بالتحديد فالحديث عنها بعد عقود من السجن والقتل ،والكبت والقهر، والنفي والتشريد، والإقصاء والتهميش يطول ويطول... وقد دفعت الحركات الإسلامية من دماء أبنائها وفلذاتها ثمناً باهظاً والكثير الكثيروإن ما عانت منه هذه الحركات على مدار العقود الماضية وما تعانيه حتى الآن في ظل الظروف الحاضرة محلياً وإقليمياً ودولياً يجعلنا ننظر بموضوعية وشفافية إلى بعض السلبيات التي عانت وما زالت تعاني منها وهذه ضريبة الحركة، أما الخاملين والقاعدين فلا أخطاء لديهم وإن كنت لاأبرر لأحدٍ الأخطاء وللحق أقول:
إن التحرك الأخير للإخوان في مصر وتحريك الشارع في العديد من المدن المصرية للمطالبة بالإصلاح والتغيير وإثبات الذات والموجودية وما نجم عنه من اعتقال لأكثر من ألفين وخمسمائة من كوادرهم ليعد بحق حركة إيجابية في ظل الهرج والمرج السائد الذي نحياه، فكم في مصر من المضحكات وشعبولا سيد الأُغنيات!!! ولا نستبعد غداً أن تأتي فيفي.. وميمي.. لدعم الريِّس وتأييد وترشيح السَّيد الملهم.. والقائد الفذِّ.. و الرئيس الخالد.. وقائدنا إلى الأبد..كأننا لانفهم التاريخ ولانستخلص العبر منه... حسبنا الله ونعم الوكيل.
إن تحريك الشارع بعد إحجامٍ وتردد في الموقف، والمطالبة بالإصلاح ودفع عجلة الديمقراطية ليعد بحق نقطة في صالحهم وموقفاً يسجل لهم.
والساحة على جميع الأصعدة لا تقبل الأحجام والتردد ،ولا تتحمل التأجيل والتسويف بل تدعو إلى المبادرة والفاعلية، وتحمل المسؤولية والأمانة الملقاة على أعناق أهل الفكر، وأهل الحل والعقد و تتطلب منهم المبادرة والتفاعل للخوض في فن الممكن، وفهم أحابيل السياسة بعد أن وصل النظام الرسمي العربي إلى نقطة الإفلاس والصفر على جميع الأصعدة الداخلية والإقليمية والخارجية.
ولقد أعجبني أيما إعجاب الأستاذ زهير سالم وهو أحد قياديي الإخوان المسلمين في سوريةأعجبني طرحه في مقابلة تلفزيونية معه ليلة أول أمس الجمعة في قناة الديمقراطية عندما تحدث عن الوضع الداخلي السوري وصرح بأن الإخوان المسلمون هم جزء من المعادلة السياسية ومشروعهم جزءٌ من الحل فسورية للسوريين جميعهم بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، ومشاربهم وعقائدهم، وإن إبعاد الكابوس الأمني عن الساحة والحوار مع الجميع دون إقصاء أحد كلاهما سيد الموقف للخلاص وإبعاد سورية عن الخطر المتربص والمحدق بها في ظل المعطيات الدولية و الإقليمية الراهنة والتي تجثم ككابوس فوق المنطقة برمتها وإن هذا الطرح الجديد للإخوان المسلمين ليعد بحق خطوة متقدمة للحل والنهوض بسورية تسجل لهم .
إن الحرية هي الأنسام العليلة التي تستنشق فيها الشعوب أنفاس الكرامة، وتتذوق منها طعم العزة، وتنعم فيهابالحياة الكريمة، وتنتعش معها القيم النبيلة بالشعور بالمواطنة والمشاركة في تحمل الواجبات والمسؤولية وأن يستشعر المواطن دوره وأهميته لا أن يعيش مسلوب الإرادة مقولب الفكر مؤطراً محكوماً بسياط القهر ففي تلك الأجواء تختنق الكرامة، وتموت الحرية، وتفرح السلبية ،وتنتعش الأمراض والأوبئة لتعيش الشعوب في سلبية قاتلة فالعبيد لاتكرُّ والأورام الأمنية السرطانية هذه وإن انتفشت وانتفخت إلا أن نهايتها معروفة.إن أمن المواطن يكون عندما يشعر بحريته وكرامته، وحياة المواطن تدبَّ فيها الروح بمشاركته وشعوره بتحمل مسؤوليته في بناء الوطن ورفع دعاماته والأحرار هم صمام أمان الأمة وهم أملها وهم رمز عزَّتها وكرامتها.
ومن هنا أقول آن الأوان للإسلاميين أن يمخروا بمراكبهم في الحياة السياسية ويمتطوا وعثاءها ولا بد من انضاج التجربة و صقلها بالاستشارات وتبادل الرأي والمشورة والنصيحة، ولكل مقامٍ مقال، ولكل زمانٍ دولةٌ ورجال، ويبقى على الحركات الإسلامية واجب الخوض في فن الممكن والمبادرة لارتياد غمارها ولا بد من أن يفرضوا تواجدهم الفكري والسياسي على الساحة والمضي في الطريق رغم العراقيل والمفاوز و اتباع الأساليب الأجدى والطرق الأسمى مع التسلح بالوعي والحكمة، قال تعالى:
( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيرا)