مقولة باطلة ومرفوضة ...!؟
مقولة باطلة ومرفوضة ...!؟
بدرالدين حسن
ان خروج قوات النظام السـوري العسـكرية والأمنيـة من لبنان وبالطريقة التي كانت وعلى الشـكل الذي شـاهدها كل السـوريين واللبنانيين كانت مبعث السرور والسـعادة للكثير الكثير منهم. فاللبنانيون قالوها وبالفهم المليان أن خروجهم كان نهاية عهد من القمع والاضطهاد والنهب والفسـاد والاعتداء على الحريات والحرمات ، أما السـوريون – باسـتثناء طبقة المرتزقة والشبيحة وجماعة النظام القمعي الديكتاتوري الفاسد – فلسان حالهم يقول: اذا جارك بخير فأنت الى خير ، وياليت لنا الذي لهم.
ان السنين الثلاثين العجاف التي عاشها اللبنانييون في ظل قمع النظام الأسدي ومخابراته كانت لاشك سنين سوداء انتشـر فيها الظلم والبطش البعثي وعمّ فيها النهب والفساد وضاعت فيها الحقوق وانتهكت الحرمات والأعراض وبات لبنان مرتعاً لمخابرات النظام السوري وقواته الأمنية ورهناً على نظام يعبث فيه ويعربد كما يريد وبغطاء من النفاق الاقليمي والدولي. كنت أردد على الدوام بين أصحابي – وكنت ضابطاً في الجيش السـوري وممن دخل لبنان مع أوائل الداخلين - أن أياماً بئيسـة تنتظر النظام السـوري وسيصيب عامة السـوريين شيء من هذا البؤس وسـيكون من الصعب على السـوري عـموماً أن يزور لبنان بسـلام من بعد خروج القوات السـوريـة والأمنيـة لما شـاهدت من أعمال القمع والنهب ومما يسـتحي المرء من ذكره. لأن الكريم يسامح على الاساءة ولكن ليس من السهل أن ينساها. ان الفرح والبهجة والسـعادة والسرور والحبور وكل مفردات هذا المعنى الجميل الذي ظهر على وجوه الناس وعمّ لبنان مع انسحاب القوات السورية بكل أشكالها ليس الا دليلاً على أن لبنان كان غير لبنان في القهر والقمع والاستبداد والنهب وكبت الحريات والاعتداء على الأعراض فعاش الناس ثـلاثين عاماً هي دهر طويلٌ طويل رأى الناس فيه الذل والهوان ألواناً وأشكالاً يهون معه الاحتلال الاجنبي ويحلو معه الاستعمار.
كم وكم واجه اللبنانييون مع هـذا النظام الفاسـد في موضوع السـجون والاختطاف والاعتقال وما لاقوه من ذل وصغار في سـجون هذا الصديق والأخ الشـقيق ، وما عانوه من تهمٍ ملفقةٍ للابتزاز والانتقام. أمهات وآباء فقدوا الأبناء والبنات في سـجون النظام السوري ، وزوجات فقدن الأزواج وبالعكس في معتقلات الرأي والفكر الأسـدية ، وأهل فقدوا أحباءهم وعشيرتهم بالخطف من قبل القوات الأمنية والمخابراتيـة. وعجز الناس وخلال سـنين طويلة من البحث والمحاولة لعلهم يروا أحباءهم ، وتشكلت اللجان لهذا الغرض ، وكم ذهبت بين بيروت وعنجر ودمشـق ، والنظام السـوري لغته في هذه القضية خشبية متخشبة وجاهزة: ليس لدينا معتقلين وينتهي الموضوع ليتابعوا في موضوع آخر أهم وهو تحرير فلسطين من أعداء الله ورسوله حسب زعمهم وما علموا أن أعدى أعداء اللـه من كان عدواً لشـعبه وأمته ووطنه وأهله. وهذه قضيـة تحتاج الى حديث وحديث وكتب ومؤلفات ليس مكانها هنا.
ثمّ بقدرة قادر – سـبحان ربي العظيم – وفي يوم وليلة يعترف عطري النظام السـوري وعطره بوجـود عـدد قليلٍ من السجناء لايتجاوز عدد أصابع كم حرامي من حرامية المخابرات والأمن ولكـنهـم ارهابيين وقتلة وهي الكليشة التي اعتاد النظام على أن يدمغ بها كل المعارضبن له. طيب...!! ارهابيون ... قتلة .....!! الخ. اذاً لماذا لم يعترف النظام القمعي بوجود هـؤلاء الارهابيين والقتلة من قبل..؟ لماذا لايقدمون الى محاكمات مشـهودة..؟ ولماذا لايتاح لهـم الدفاع عن أنفسـهم من تهمٍ باطلةٍ و ملفقة...الخ ؟.
التقيت أحد هؤلاء- وقد نفد بجلـده وخرج بقدرة قادر ومتنفذ ومتمكن – وهو يحدثني: أنا أكتشفت في سجون المخابرات القمعية البعثية اكتشـافاً ليس أقل من اكتشـاف الكهرباء التي وصلت الى قاعدة ( غوار الطوشـي) في (كاسـك ياوطن) قلت: ويحك ماهو..! أجابني ضاحكاً: اكتشـفت أن الانسان في سجون البعث ومخابراته أقوى وأشد بأساً من ( الجحـش) لأن الضرب الذي ضربت و( الفلقات ) التي علقت لايحتمله ولا يحتملها حمار.
ثلاثون عاماً بل قل دهراً كاملاً بأيامه ولياليه عاشـها الناس قهراً وظلماً وبطشاً وقمعاً وقتلاً ودماراً ونهباً ونفاقاً وتصفيقاً مسـلوبي الحرية والكرامة فاقدي الارادة والتصرف ، ثم يوم هب الأحرارهبة الاسـتقلال وصرخوا صرخة الولادة الجديدة للتخلص من ظلم هـذا الشـقيق وجوره وبطشـه اتهموهم في وطنيتهم واخلاصهم لأرضهم وجعلوا منهم ناكرين للجميل وناسين للمعروف وخونة وعملاء لأمريكا وغير أمريكا.
سبحان اللـه العظيم..! تحملنا منكم الذي لايحتمل ولايطاق. ليس يوماً ، وليس سـنةً وليس ربع قرن (الاحتلال الفرنسي) وليس ثلاثين عاما بل عمراً طويلاً من الذل والمهانة وفـقدان الكرامة والاسـتقلال والاعـتداء على الحرمات والأعراض ، ثم يوم بلغ السـيل الزبى وتحرك الأحرار قـلتم هـذا من تحريك أمريكا وضغط أمريكا على سـورية لتنال من عزمها وارادتها على الصمود. يعني اما أن نقبلـكم فنكون وطنيين ويكون عزمكم ماضياً وصمودكم قاهـراً أو نرفضكم فنكون عملاء. تلك مقولة باطلة ومرفوضة لأسـبابٍ كثيرة ولا سـيما أن سـاعة الحسـاب اقتربت ، والسـاعة أدهى وأمر.