الفارس الصليبي واستئصال الإسلام

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في غمرة الأحداث السيئة التي تمر بها الأمة عبر خبر مهم لم يتوقف عنده أحد ، وإن كان يخصنا بصورة قوية ، ويكشف ماذا يفعل عدونا لإذلالنا ، واستئصال ديننا وهويتنا .

الخبر يتعلق بقضية رفعها بعض العراقيين في الولايات الأميركية المتحدة ضد شركة الخدمات الأمنية الشهيرة بلاك ووتر التي تعمل في العراق، وتقوم بمهمة الحماية والحراسة لموظفي الولايات المتحدة الذين يعملون في وزارة الخارجية الأميركية أو الجيش الأميركي ، ويقومون بتوريد الأجهزة والمعدات التي تحتاجها هذه الجهة أو تلك .

كان أفراد من الشركة قد اتهموا بقتل 17 عراقيا من المدنيين مع التمثيل بجثثهم ، وذلك بميدان النسور في بغداد بتاريخ 16يولية 2007م دون أن يقترف العراقيون المدنيون أي ذنب أو جريمة . يومها تحدثت بعض الأنباء عن المذبحة البشعة ، وبعد قليل طويت أوراق المذبحة ، وذهبت إلى أدراج النسيان ، في ظل تراكم المذابح العراقية التي تجري للعراقيين مع مطلع كل شمس على يد الغزاة الاستعماريين الصليبيين ، أو بمعرفة عملائهم المعلنين أو المستترين .

ويبدو أن بعض العراقيين ممن لم يفقدوا الأمل بعد ، ما زالوا يحملون آلامهم وجراحهم ويطوفون بها العالم بحثا عن دواء أو شفاء ، لعلهم يجدونه هنا أو هناك من خلال إدانة المجرمين أو رد اعتبارهم بلغة القانون ، بعد أن تعرضوا لثاني هجمة تترية وحشية في التاريخ . وكانت القضية في الولايات المتحدة وسيلة من وسائل البحث عن علاج في غابة الوحشية الاستعمارية الصليبية التي سخرت القوة والإعلام والقضاء والصحافة والعملاء لخدمتها في كل مكان ، والتغطية على آلام المظلومين والمضطهدين والمقهورين من المسلمين في العالم الإسلامي وخارجه.

ما يحاول بعض الناس تجاهله ، أو طمسه ، هو انطلاق هؤلاء القتلة في بلاك ووتر من تصور صليبي دموي أحمق لا علاقة له برسالة المسيح عليه السلام ولا أخلاقه ولا قيمه ، أنهم يقومون فيما يتصورون بمهمة مقدسة لخدمة الرب تتعلق بتصفية المسلمين الكفار وقتلهم ، وهي الفكرة ذاتها التي حركت جيوش الهمج الهامج في الحروب الصليبية الأولى وقادها الراهب بطرس الحافي ووصلت إلى القدس عام 1095م ، وكانت مهمتها المعلنة تخليص بيت الرب ( القدس) من يد المسلمين الكفار ، وتحرير مهد المسيح عليه السلام من الحكم الإسلامي !

ومع أن الصليبيين القدامى أهرقوا كثيرا من الدماء البريئة للمسلمين وغيرهم ، لدرجة أنه لم يسلم من أذاهم بعض المسيحيين في بيزنطة وجنوب إيطاليا في الحملة الثالثة ، حيث تعرضوا للقتل والنهب والاغتصاب باسم المسيح عليه السلام – فإن بلاك ووتر يعدون أنفسهم من فرسان المعبد الذين يخدمون المسيح ، والرب ، ويقومون بخدمة جليلة للتقرب إليه [ فرسان المعبد  الدمويون المتوحشون لهم حتى الآن ؛ سفارة في القاهرة معتمدة ،ولهم سفير له حصانة الدبلوماسيين ، وامتيازات السفراء الآخرين ، مع أن دولة فرسان المعبد جزيرة صغيرة في البحر الأبيض المتوسط تعشش فيها المافيا وعصابات الرقيق الأبيض والمخدرات !] .

قالت جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 7 – 8 – 2009م :

 فجرت محاكمة إريك برينس من مؤسسة شركة بلاك ووتر الأمريكية الخاصة للأمن مفاجآت صاعقة‏ ، فلم تقتصر الاتهامات الموجهة إليه علي القتل‏ ، وتهريب السلاح‏ ،‏ والقتل المتعمد للمدنيين‏,‏ حيث أضاف اثنان من العاملين السابقين في الشركة أن برينس قتل وسهل قتل أشخاص كانوا يتعاونون مع المحققين الفيدراليين الأمريكيين الذين كانوا يحققون في جرائم وتجاوزات الشركة‏.‏ وأكدا أيضا أن برينس اعتبر نفسه فارسا صليبيا مهمته الرئيسية تخليص العالم من المسلمين والإسلام‏.‏

واتهما الشركة بتشجيع ومكافأة كل من يقتل عراقيا‏,‏ وأنها تعاملت مع العراقيين بازدراء‏,‏ واستخدمت ألفاظا عنصرية تحط من قدرهم‏.‏ وأضاف الشاهدان أن مسئولي الشركة كانوا يعلنون أمام الجميع أنهم ذاهبون إلي العراق لقتل العراقيين‏,‏ واعتبار ذلك شكلا من أشكال الترفيه‏.‏ كما أكدا أن برينس كان حريصا علي تعيين أشخاص يؤمنون بأفكاره للعمل بالعراق‏,‏ حيث يؤمنون بتفوق المسيحية وينتهزون كل فرصة ممكنة لقتل العراقيين‏.‏ وكانوا يعتبرون أنفسهم فرسان المعبد‏;‏ المحاربين الذين يشاركون في الحملات الصليبية.

ما قالته الأهرام خطير للغاية ويعنينا بالدرجة الأولى لأنه يشير إلى نمط من التفكير أو السلوك لا يعلن عن نفسه غالبا وإن كنا نرى تطبيقاته على الأرض حية وماثلة أمام أعيننا في قتل عشرات الألوف من المسلمين في حروب واعتداءات لا تتوقف ، بذرائع مختلقة وواهية ، ولكن ما نسمعه عادة من المسئولين الأميركيين ، والإعلام الأميركي هو كلام معسول عن الحرية والعدل وحقوق الإنسان ، بينما الجيش الأميركي وبقية الجيوش الصليبية الغازية تسحق كل ما في طريقها من حجر وبشر يمت إلى عالم المسلمين ، وهاهي شركة بلاك ووتر التي تعتمد عليها الخارجية الأميركية والجيش الأميركي تقدم مثالا تطبيقيا حيا ، وتتحرك من خلال فلسفة صليبية صريحة ، لا يخافت بها المسئولون عن الشركة أو من يعملون فيها ..

إنهم يؤمنون بتفوق المسيحية ، وبرغبتهم العارمة في القضاء على الإسلام والمسلمين وتخليص العالم منهما ، ثم إن المتهم إريك برينس يعد نفسه فارسا صليبيا ، مما يعني أن الرجل يتحرك في إطار مهمة دينية يجب أن يكافأ عليها بدلا من تجريمه ومعاقبته .. في الوقت الذي يعمل فيه مجموعة من النخب العربية على إلغاء الجهاد وتحرير الأوطان ومقاومة الغزاة ، ويعدون ذلك - مثل سادتهم الأميركان - إرهابا وتطرفا ووحشية !

لقد قامت الشركة   بعمليات تهريب أسلحة إلي العراق بصورة غير قانونية عبر الطائرات الخاصة بها‏,‏ و جنت أرباحا طائلة من وراء ذلك‏.‏

وقال احد الشاهدين اللذين أدليا في المحكمة إن الأسلحة المهربة كانت توضع في صناديق أطعمة الكلاب‏,‏ وغالبا ما كان يتم تهريبها لداخل العراق علي متن الطائرة الخاصة برئيس الشركة‏,‏ وأن العاملين ببلاك ووتر كانوا يستخدمون قذائف ومتفجرات محظورة دوليا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الدمار بين العراقيين‏,‏ بالإضافة إلي تهرب برينس من الضرائب‏.‏ كما أشار الشاهدان إلي أن العاملين بالشركة كانوا يتفاخرون بإراقة دماء المدنيين العراقيين ويتعاطون المنشطات‏,‏ ناهيك عن استغلالهم للأطفال في أنشطة الدعارة‏.‏ واتهما رئيس الشركة وكبار المديرين التنفيذيين بتدمير أشرطة فيديو ورسائل الكترونية ووثائق أخري تدينهم وأنهم تعمدوا خداع وزارة الخارجية الأمريكية والهيئات الفيدرالية الأخرى‏.‏

وهذه الشهادة التي قدمها الشاهدان تفضح الفكر الصليبي الاستعماري الوحشي الذي يحركه التعصب ، ويشعله الاستعلاء العنصري في التسلي بقتل العراقيين وإهدار دمائهم عن طريق استخدام السلاح المحظور أو توريد السلاح للجهات التي لا تنتعش إلا في الشر وممارسته ، ونحن مشغولون بالحديث عن الإرهاب الإسلامي !

لا أظن أن الأمة بحاجة إلى كثير من الخداع أو المكر الذي تقوم به المؤسسة الاستعمارية الصليبية  ، وعليها أن تحزم أمرها في مواجهة القتلة الصليبيين الغزاة الذين لا يرقبون في مسلم إلا ولا ذمة ، ولا يحفظون عهدا ولا ميثاقا ، ولا يراعون حرمة ولا قونا .. وهو ما يوجب أن يتعلم المسلمون أن القوة هي الدواء الناجع الذي يردع كل من تسول له نفسه أن يكون فارسا صليبيا على حسابهم ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عد الله وعدوكم ، وآخرين من دونهم  لا تعلمونهم الله يعلمهم ...) " الأنفال :  ".