أيها الإسلاميون ( المعتدلون ) ... إحذروا الفخ الأمريكي...!!!
أيها الإسلاميون ( المعتدلون ) ... إحذروا الفخ الأمريكي...!!!
د.فواز القاسم / سورية
لقد كان جوهر الستراتيجية الغربية في منطقتنا العربية والإسلامية ، التي يسمونها منطقة الشرق الأوسط ، يرتكز في القرن الماضي على إيجاد أنظمة دكتاتورية عميلة لهم ، من مهامها الأساسية : حماية الكيان الصهيوني المزروع للتوّ في المنطقة ، وذلك ريثما يقوى عوده ، ويشتد ساعده ، ويصير قادراً على الدفاع عن نفسه وعن عملائه ... !!!
ثم سحق الشعوب العربية والإسلامية ، وإفقارها ، ومنعها من أن تمتلك قرارها وخيارها ، أو تمتلك ناصية العلم والمعرفة ، أو ترتقي إلى مصاف الشعوب المتقدمة في العالم ...!!!
ثم السهر على مصالح الغرب الاستعماري في المنطقة وفي مقدمتها حراسة النفط ، مقابل تثبيت كراسيها ، وتأبيد حكمها وحكم ورثتها ، وإلقاء بعض الفتات التافه لها ...!!!
ولقد نجحت تلك الأنظمة العميلة للغرب والأمريكان في منطقتنا ، في تحقيق الأهداف المرسومة لها أيما نجاح ، ولكن سياستها القمعية كانت قد أفرزت جملة من المضاعفات الكارثية على الغرب والأمريكان معاً ، ولعلّهم قد انتبهوا مؤخراً إليها ، ومن أهمها : أولاً : ظهور حركات إسلامية ، انبثقت من رحم هذه الأمة المقهورة والمسحوقة ، لم تعد ترى طريقاً للخلاص والحرية غير طريق الجهاد والإستشهاد ، بعد أن طفح كيل الظلم الغربي والأمريكي والصهيوني وظلم عملائهم بحق أمتنا ، وطال ليل العدوان الظالم علينا ، وبلغ السيل الزبى ، وجاوز الظالمون المدى ، ولم يبق في قوس الصبر منزع ، وسدّت جميع المنافذ والطرق المشروعة الأخرى ...!!!
ثانياً : تزايد موجات الهجرة من الشرق العربي والإسلامي إلى الغرب الأوربي والأمريكي لأسباب كثيرة متعلقة بالظلم والقهر والفقر والتخلف أيضاً ، بحيث أصبح المسلمون في الغرب يشكلون هاجساً حقيقياً مقلقاً لأهل تلك البلاد ، كما أصبح الدين الإسلامي، الدين الثاني في تلك البلاد ، وهو أمر ربما لا يروق لصانعي الستراتيجية الغربية على الإطلاق .
ولمعالجة هذه الظواهر السلبية قبل استفحالها ، اختلفت الستراتيجية الأمريكية مع الأوربية ، فقد اعتمدت الأولى أسلوب القوة والبطش العسكري ، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر ) ، كأسلوب وحيد لسحق كل من تسول له نفسه تحدي الإرادة الأمريكية المتسيدة في العالم ، سواء كانوا أفراداً ، أم حركات ، أم دولاً ...!!!
أما الستراتيجية الغربية ، والتي تحتفظ بتراث استعماري طويل في المنطقة ، وخبرة عميقة بشعوبها ، فقد رأت في الستراتيجية الأمريكية المتهورة في المنطقة خطراً عظيماً على المصالح الغربية ( فتح أبواب جهنم الغير قابلة للإغلاق ،على حد قول الرئيس الفرنسي شيراك ) ، وبسبب هذا الخلاف فقد ذهبت أمريكا إلى العراق والمنطقة بمفردها ...!!!
فلما اصطدمت الستراتيجية الأمريكية بالصخرة العراقية الصلدة ، وغاصت قواتها في مستنقع المقاومة العراقية الباسلة ، ودفعت قياداتها أثماناً باهظة جداً لغطرستها وعنجهيتها وتفرّدها في القرار ، وخروجها على نصائح أصدقائها الأوربيين ، عندها أحس الأمريكان بفداحة خطئهم ، وشدة مأذقهم ، ولم يكن أمامهم من خيار على الإطلاق غير الرجوع إلى صديقتهم المخضرمة أوربا ، التي وصفوها من قبل وهم في قمة نشوتهم المتغطرسة ( بالعجوز ) ...!!!
رجعوا إليها يلتمسون عندها الحل لأزمتهم ، والخروج من مأزقهم ... فوافقت أوربا بشرط أن تتخلى أمريكا عن غطرستها، وتدخل في الستراتيجية الأوربية بدون تحفظ ، فوافقت الأخيرة بدون أدنى تردد ...
أما الستراتيجية الأوربية الجديدة في المنطقة فتتلخص في الفكرة التالية ( إن جوهر عملية التهديد للمصالح الغربية يرتكز على محورين : محور التطرف والإرهاب بزعمهم ، والذي تمثله الجماعات الإسلامية التي تتبنى الفكر الجهادي الإستشهادي ...
ومحور الهجرة الإسلامية إلى أوربا كما ذكرنا ، بحيث صار المسلمون يشكلون ثقلاً مخيفاً ، من حيث النسبة والفاعلية والتأثير ، الأمر الذي ستكون له مخاطر جمة في السنين القادمة على التركيبة السكانية لأوربا ) ...
ويعزون السبب في هاتين النقطتين للأنظمة الدكتاتورية القمعية التي تسوم شعوبها الخسف والهوان ...
صحيح أن تلك الأنظمة هي صنيعة الغرب أصلاً ، ولكنها كانت نتاج مرحلة سابقة ، ولغايات محددة ، متعلقة بحماية الكيان الصهيوني المزروع في المنطقة في وقتها ، وذلك ريثما يكبر عوده ، ويشتد ساعده ، ويصير قادراً على الدفاع عن نفسه ...
وها قد كبر فعلاً ، وصار هو الذي يحمي الأنظمة وليس العكس ، وصار ضرر الأنظمة القمعية أكبر من نفعها لهم ، ولذلك فالمطلوب في هذه المرحلة هو تغيير الأنظمة ، ولكن على الطريقة الأوربية ، لا الأمريكية ، أي التغيير من الداخل ، وبالطرق الديمقراطية ، لا العسكرية ، وإشاعة أجواء معقولة من الحرية والديمقراطية المسيطر عليها ، وإشراك الحركات الإسلامية - المعتدلة في زعمهم ، التي ترفض العنف ، وتنبذ الإرهاب ، وتعترف بالآخر – في اللعبة السياسية والديمقراطية ، وبذلك يتحقق لهم هدفان على الأقل :
الأول : تجفيف منابع الإرهاب حسب زعمهم ... فإذا انتظمت جماهير الإسلاميين باللعبة السياسية ، وأتيحت لهم أجواء معقولة من الحرية والديمقراطية ، وزالت عقدة الظلم والقهر لديهم ، فمن المتوقع أن تقل درجة حماسهم للجهاد والاستشهاد ، المرعب للغرب ، والتي هي في الأصل ثمرة لحالة متراكمة من الظلم والقمع والسحق من الأنظمة المدعومة من الغرب لهم ولعوائلهم ولمشروعهم بدون أي أمل آخر في الإصلاح والتغيير ..
والثاني : وقف موجة الزحف الإسلامي إلى الغرب ، الذي بات يقلق دوائر الفكر والتخطيط الستراتيجي هناك بشكل جدي ..
فلو أتيح لهذه الأمواج البشرية ( التي تهاجر بشكل مشروع أو غير مشروع ) أجواء معقولة من الحرية والديمقراطية والرفاه الإقتصادي في بلادها لما فكرت بالهجرة بهذا الشكل المقلق ، بل ربما عاد الذين هاجروا إلى مواطنهم أيضاً ...
هذا في تقديري من أهم حوافز الغرب على التغيير في بلادنا ، ولقد حصل توافق أوربي أمريكي بهذا الخصوص ، ولذلك فالتغيير جدي ، وقادم لا محالة ، ولقد بدأت تباشيره في لبنان ، ثم سورية ، فمصر ، فالسعودية ...إلخ
إذاً ، نحن أمام مرحلة جديدة في غاية الأهمية ، يراد فيها للإسلاميين ( المعتدلين ) أن يلعبوا دوراً هاماً فيها ، لأنهم جزء مهم من التركيبة السكانية لشعوب هذه المنطقة ...
فهل أعدّ الإسلاميون أنفسهم بحيث يكونون على مستوى المرحلة والتحدي ، فيحققون بمنهجهم القرآني الراشد ، جنباً إلى جنب مع إخوانهم الشرفاء من مكونات هذه الأمة ، طموحات الجماهير العربية والإسلامية المشروعة في الوحدة والحرية والرفاه والتقدم ، بعد أن فشلت كل الشعارات المزيفة ، وسقطت جميع المشاريع الرقيعة ، مستفيدين مما أتاحته لهم يد القدر الإلهية ، وسنن التدافع الربانية ، وتوافق المصالح البشرية ، وفق رؤيتهم المتميزة هم ، المستمدة من كتاب ربهم ، وسنة نبيّهم ، وموروث حضارتهم ، وبالتعاون الوثيق مع أبناء أمتهم ، لا وفق الرؤى والمصالح الغربية والأمريكية ..!؟
وهل ينتبه الإسلاميون جميعاً لفخ التفرقة بين ( المعتدلين ) منهم و( المتطرفين ) أو التمييز بين ( السلميين ) و (الجهاديين ) ، والذي يراد منه أن يكون المقدمة الأولى لشرذمة الصفوف ، وتصارع الأجنحة ، وإجهاض الصحوة ، والتي سوف تحقق للأمريكان والغربيين ما عجزت عن تحقيقه مؤامراتهم المستمرة منذ عقود ...!!!؟
هذا ما نرجوه مخلصين ، ونعمل من أجله صادقين ... (( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )) (يوسف:21)