عمالة الأطفال في سوريا
د. خالد أحمد الشنتوت
*طوال الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، كان الأب هو من يعمل فقط ، والأم غالباً في البيت تدبر شؤونه ، وتسهر على راحة زوجها وأولادها ، والأولاد يذهبون إلى المدرسة ، وقد يعمل قليل منهم في العطلة الصيفية ، وخاصة أبناء الريف يساعدون أسرهم في الأعمال الزراعية وتربية المواشي ، أما البنات فمعظمهن يذهبن إلى المدرسة ، ويساعدن أمهاتهن في أعمال البيت للتدرب على حياة المستقبل .
وكان معظم الأولاد يحصلون على الثانوية ، وقسم لابأس به يتابعون الدراسة في الجامعة ، أو يبدأون العمل بعد الثانوية ...
أما الأطفال ( 7- 17) فينشغلون في مدارسهم ويتهيأون لمستقبلهم ، وغالباً مايصلون له بعد التخرج من الجامعات أو المعاهد أو المدارس المهنية ... وقليل جداً كنت ترى أطفالاً يبيعون الخبز في دمشق خاصة ، وفي أوقات خاصة من اليوم ، والطفل نفسه بائع الخبز يكون تلميذاً في المدرسة ، واغتنم أوقات الفارغ من المدرسة ليمارس هذا العمل ويساعد أسرته أو يتدرب على الحياة العملية بنفسه ...
أما اليوم في سوريا بعد ( 40) سنة من الحكم الذي بدأ بالاشتراكية ، وانتهى بتسلم البلاد من قبل أسرة واحدة تملك البلد وخيراته وسكانه ، فقد نشرت الكاتبة ( لميس بركات ) في موقع (سوريا الحرة ) يوم (16/8/2009) موضوعاً حول عمالة الأطفال هذه بعض فقراته :
(( تستفحل ظاهرة عمالة الأطفال في المجتمع السوري, حيث امتدت لتشمل جميع المهن بما فيها المهن الشاقة التي لا يقوى عليها الكبار, والتي تؤدي إلى أضرار جسدية ونفسية بالغة الخطورة على شخصياتهم وسلوكهم,
في حين يشير مختصون إلى أن الفقر وتردي الأوضاع المعيشية للأسر يؤدي إلى وجود هذه الظاهرة واستفحالها ...)) .
ومن استعراض الموضوع يتبين أن الأطفال دون الخامسة عشرة يعملون لأحد الأسباب التالية :
1- إعالة أسرة فقدت عائلها ( بالموت أو السجن أو المرض ) ، عندئذ يترك هذا الطفل المدرسة ويعمل ليقدم الخبز والطعام لأمه وأخوته وأخواته .
2- بعض الأولاد يعمل مجبراً من والده المنحرف والذي ينام النهار كله ، ويأخذ مايكسبه أولاده ليسهر مع شلته طوال الليل .
3- بعض الأولاد يعمل مع والده ، ليتعلم مهنته ، بعد أن يئس الناس من التعليم ، لأنه لايؤدي إلى مهنة ، ولاعمل ، وأذكر منذ الثمانينات ، كنا نحث الطلاب على الاجتهاد ، فيقول بعضهم بجرأة أو وقاحة : لماذا نجتهد يا أستاذ !! حتى نصير مدرسين !! لا ، نرسب ونذهب نتعلم مهنة نكسب منها قوتنا بشرف ....
أبو زياد زج ولديه (زياد-13 سنة, كريم -15 سنة) في الحياة العملية ليساعداه في حرفته (الحدادة) إيمانا منه بان الشهادات التعليمية لم تعد تحقق لحامليها الحياة الحرة الكريمة, وهذا ما اقتنع به ولداه وكررا ذكره أثناء لقائي معهم.
وقال الولدان أن "حرفة الحدادة "بتقص ذهب" وحتى لو درسنا الطب لن نحصل على مبلغ من المال يؤمن لنا حياة كريمة . لذا نحن اختصرنا الوقت علينا و على والدنا".
وأشارت الباحثة الاجتماعية مهنا إلى أن "عمل الأطفال يؤثر على تطورهم المعرفي ويؤدي إلى انخفاض قدراته على الكتابة والحساب, إضافة إلى أن عمله يؤثر على تطوره العاطفي والاجتماعي فيفقد احترامه لذاته وارتباطه الأسري جراء بعده عن الأسرة ونومه مكان العمل وتعرضه للعنف من قبل صاحب العمل".
وأضافت الباحثة الاجتماعية أن "التأثير النفسي العنيف لبيئة العمل على الطفل العامل في الشوارع يولد العنف و سوء المعاملة في البيت أو في العمل بحيث يصبح عنيفا تجاه المجتمع مما يجعل عمالة الأطفال من اخطر الظواهر الاجتماعية وغالبا ما يتعرض الطفل للاعتداء الجنسي وغيرها من الانتهاكات التي يعرض لها الطفل العامل".
وأخيراً نذكر بأن حضارة الأمم تقاس بما تقدمه لأطفالها ، فمايدريك أن هذا الطفل الذي يضيع يومه في بيع ربطات الخبز لو أتيحت له المدرسة والجامعة لصار باحثاً أو مخترعاً أو قائداً ..... بينما يضيع ويتحدد مستقبله منذ طفولته في هذا العالم ...
*دكتوراه في التربية